صندوق النقد يطالب ليبيا بتنفيذ إصلاحات هيكلية فورية

نجاح أي خطوة يتوقف على الاستقرار السياسي والأمني وتطوير القدرات المؤسسية وتنويع مصادر الدخل.
الخميس 2023/06/15
المال قوام تنويع الأعمال

شددت بعثة صندوق النقد الدولي في ختام زيارتها الأولى إلى ليبيا منذ أكثر من عقد على أن البلد بحاجة ماسّة إلى ضبط مالي قوي وإصلاحات هيكلية حقيقية للحفاظ على الهوامش المالية الوقائية وتعزيز النمو الاقتصادي وتنويعه وإنهاء حالة الانقسام السياسي.

طرابلس - تمهد ليبيا الطريق نحو تعافيها الاقتصادي بشق الأنفس في ظل التوترات القائمة، رغم أنها حققت تحسنا في جمع البيانات وتبادلها وشفافيتها، الأمر الذي مكن صندوق النقد الدولي من استئناف أنشطته الرقابية بعد توقف دام عشر سنوات.

وظلت البلاد غارقة في صراعات وأجواء من عدم اليقين السياسي أدت إلى مواجهات بين حكومتين وفصائل مسلحة منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وحتى وقت قريب كانت حالة التشتت تعوق عملية صنع السياسات وجمع البيانات الاقتصادية الرئيسية.

ومع ذلك يرى خبراء صندوق النقد أن المسؤولين قاموا ببذل جهود كبيرة للتحرك قدما لترتيب الخراب المالي، والتغلب على التحديات الاقتصادية، التي جلبها الصراع السياسي.

وكان البنك الدولي قد عرض على ليبيا مطلع 2019 إستراتيجية متكاملة تركز على محاور أساسية، أهمها استعادة الخدمات الأساسية وتعزيز قدرات الحكومة لإدارة الأموال العامة والعمل على إعادة هيكلة النظام المالي والمصرفي، لكن لم يحدث أي تقدم يذكر.

وقبل الحرب لم يكن النظام المالي متطورا بما فيه الكفاية نتيجة لا مبالاة السلطات النقدية في عهد القذافي بسبب الإدمان على ريع النفط.

ديمتري غيرشنسون: الاحتياطي النقدي وصل في عام 2022 إلى 82 مليار دولار
ديمتري غيرشنسون: الاحتياطي النقدي وصل في عام 2022 إلى 82 مليار دولار

ولكن الأزمة التي تفجرت إثر إسقاطه عرت قمة جبل مشكلاته المزمنة وأظهرت ضعفا في سوء إدارة الموارد، وتجلت أكثر مع العجز في توحيد البنك المركزي بشكل كامل حتى الآن.

وفي سياق أول فحص لسلامة الاقتصاد الليبي منذ عشر سنوات، حدد صندوق النقد أبرز مواطن القوة وأهم الفرص التي ستدعم تعافي ليبيا.

وقالت المؤسسة الدولية المانحة في مذكرة نشرتها على منصتها الإلكترونية إن “مصرف ليبيا المركزي تمكن من الاحتفاظ برصيد كبير من الاحتياطات الدولية، يدعمه نظام سعر الصرف الثابت والضوابط الرأسمالية ومجموعة مختلفة من الترتيبات المؤقتة”.

وتظهر البيانات الرسمية أن إجمالي احتياطي النقد الأجنبي والأصول المجمدة في الخارج يقدر بنحو 152 مليار دولار.

وأكد رئيس بعثة الصندوق إلى ليبيا ديمتري غيرشنسون أن الاحتياطات وصلت بنهاية العام الماضي إلى 82 مليار دولار، فيما يبلغ حجم الأصول المجمدة 70 مليار دولار.

وكان لذلك دور مهم في مساعدة البلاد لكي تتغلب على التقلبات غير المسبوقة في إنتاج النفط وإيراداته، التي حدثت بعد الثورة مستفيدة بشكل كبير من ارتفاع أسعار الخام في الأسواق العالمية منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.

ويمثل النفط القوة الدافعة للاقتصاد الليبي حيث يمثل نحو 96 في المئة من الصادرات، وما يصل إلى 98 في المئة من إيرادات خزينة الدولة.

ويقول صندوق النقد إن إنتاج الوقود الأحفوري سيظل جزءا أساسيا في المستقبل، حيث تمتلك البلاد احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ولديها بالتالي واحد من أعلى مستويات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في أفريقيا.

ومن المتوقع أن ينمو إنتاج الوقود الأحفوري بنحو 15 في المئة هذا العام، عقب زيادة النشاط التي جاءت بعد حصار المنشآت النفطية الذي حد من الإنتاج في عام 2022.

وتهدف ليبيا إلى زيادة إنتاج النفط بنحو 8 في المئة بحلول ديسمبر المقبل، ليصل بذلك إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد.

وكان فرحات بن قدارة، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، قد قال في مقابلة مع وكالة بلومبرغ الشهر الماضي إن أكبر دولة منتجة للنفط في شمال أفريقيا، “ستكون قادرة على ضخ حوالي 1.3 مليون برميل يوميا بحلول نهاية العام”.

◙ محاولة لتجنب غلق حقول النفط
◙ محاولة لتجنب غلق حقول النفط 

وأوضح أن تجنب إغلاق حقول النفط إلى جانب خطوات أخرى مثل تحسين رواتب عمال المنشآت النفطية، ساعدا بالفعل على زيادة الإنتاج بما يعادل الربع تقريبا مقارنة بمستوياته في يناير 2022، ليصل حاليا إلى 1.2 مليون برميل يوميا.

ومنذ أشهر تحاول ليبيا إقناع شركات النفط الأجنبية بالعودة إلى استئناف عمليات التنقيب والإنتاج بعد تحسن الوضع الأمني، في مسعى إلى تحقيق الإيرادات التي ضيعتها العام الماضي بعد ارتفاع الأسعار بالأسواق العالمية بسبب حرب أوكرانيا.

ويراهن البلد الذي مزقته الحرب على الاستثمارات الخارجية لمساعدته على زيادة الإنتاج بسرعة لتحصيل المزيد من الإيرادات، بعد أن تضررت هذه الصناعة، المصدر الأول للعملة الصعبة.

ومع هذا، يرى خبراء الصندوق أن التحدي الرئيسي سيكون تنويع النشاط الاقتصادي بعيدا عن النفط والغاز مع تعزيز الجهود لتحقيق نمو أقوى وأكثر شمولا للجميع بقيادة القطاع الخاص.

أهم الإصلاحات المقترحة

  • استخدام الإيرادات النفطية على النحو الأمثل في التنويع
  • إنهاء سلوك السعي للكسب الريعي والفساد واللا شفافية
  • خفض الإنفاق على أجور القطاع العام وإعانات الدعم

وتبدو ليبيا في حاجة إلى إستراتيجية تحدد مسارا واضحا يتيح لها فرصة لحشد التأييد العام لخطة تهدف إلى استخدام الإيرادات النفطية على النحو الأمثل في التنويع والابتعاد عن السياسات التي تعزز سلوك السعي للكسب الريعي والفساد واللا شفافية.

ويؤكد خبراء الصندوق أن نجاح أي إصلاحات يتوقف على الوصول إلى بيئة سياسية وأمنية مستقرة وتطوير القدرات المؤسسية، كما ينبغي أن تركز جهود الإصلاح الهيكلي على تقوية المؤسسات وتعزيز سيادة القانون.

وللحماية من المخاطر التي تنشأ من انخفاض إيرادات النفط واحتمال فقدان الاحتياطات النقدية، ينبغي أن تتجنب السلطات إنفاق المزيد عندما يكون الأداء الاقتصادي جيدا وأن تدخر للأوقات التي قد يتباطأ فيها النشاط.

ولتحقق هذا الهدف، تحتاج ليبيا بشكل عاجل إلى ميزانية شفافة وإلى تخفيض التكاليف المقترنة بارتفاع الإنفاق على أجور القطاع العام وإعانات الدعم.

وتهيمن رواتب القطاع العام على الإنفاق الحكومي، فهناك حوالي 2.2 مليون نسمة، أي ثلث السكان، يعملون نظريا في القطاع العام.

وتشكل إعانات الدعم والمنح نحو ربع الإنفاق العام، أما الدعم على الوقود فيمثل مشكلة ذات طبيعة خاصة حيث يُباع لتر البنزين بثلاثة سنتات أميركية، وهو ثاني أدنى أسعار البنزين في العالم.

ومع أن البلد لم يتمكن من الحصول على قروض خارجية تذكر بسبب النظرة السلبية لجدارته الائتمانية، فإن الدين العام يبلغ نحو 31.7 مليار دولار.

وسجل السعر الرسمي للعملة المحلية انخفاضا أمام الدولار بواقع 10 في المئة ليكسر حاجز خمسة دنانير و5.1 دينار بالسوق السوداء، على خلفية رفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) سعر الفائدة، مع استمرار الحرب في شرق أوروبا.

◙ تنويع ثقافة الاستهلاك مطلوب
◙ تنويع ثقافة الاستهلاك مطلوب  

11