صندوق النقد يطالب العراق بتنفيذ إصلاحات هيكلية جذرية

العراق يبحث عن حلول تساعد في تحفيز الاقتصاد.
الخميس 2023/12/21
كل شيء تحت المراقبة!

بغداد - شددت بعثة صندوق النقد الدولي في ختام المشاورات مع الحكومة العراقية على أن البلد النفطي بحاجة إلى إصلاحات هيكلية حقيقية وضبط مالي قوي والعمل على تنويع العوائد للحفاظ على الهوامش المالية الوقائية وتعزيز النمو الاقتصادي.

ورغم أن الصندوق اعتبر في تقييمه الذي نشره في وقت مبكر الأربعاء، بعد الانتهاء من مشاورات المادة الرابعة التي يجريها مجلسه التنفيذي مع بغداد لهذا العام، أن الاقتصاد يتعافى بعد أزمة الوباء لكن يواجه رياحا معاكسة يجب التصدي لها.

وقال في بيان عقب زيارة فريق المؤسسة الأسبوع الماضي إلى بغداد إن الاقتصاد، الذي تقوده الدولة ويعتمد بشكل كبير على عوائد النفط والغاز “يحتاج إلى إصلاحات هيكلية جذرية لتنويعه وتحقيق النمو المستدام”.

وأضاف “تشمل الأولويات توفير فرص متكافئة للقطاع الخاص عبر إجراء إصلاحات في قطاعي البنوك والكهرباء، وتقليل التشوهات في سوق العمل، ومواصلة الجهود لتعزيز الحوكمة والحد من الفساد”.

ويشكل الفساد الذي كلّف البلد ما يساوي ضعفي إجمالي ناتجه الداخلي الإجمالي، أي أكثر من 450 مليار دولار، أبرز هموم العراقيين الذين يعانون من نقص في الكهرباء والمستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الأساسي.

جان - غيوم بولان: القطاع غير النفطي مهم لأنه سيساعد في دفع عجلة التنمية
جان - غيوم بولان: القطاع غير النفطي مهم لأنه سيساعد في دفع عجلة التنمية

ويواجه العراقيون البالغ عددهم 42 مليون نسمة انقطاع التيار الكهربائي الباهظ بشكل منتظم. وتتلقى البلاد حوالي ثلث الغاز والكهرباء التي تعتمدها من إيران، وغالبا ما تتعطل عمليات التوصيل، مما يؤدي إلى انقطاع التيار.

ويتعرض العراق أيضا لضغوط متزايدة من المؤسسات المالية الدولية المانحة لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط والغاز الطبيعي بما في ذلك الاستعداد للتحول الأخضر.

وجعل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الإصلاح الاقتصادي أولوية، لكنه يواجه معركة شاقة في بلد تعتبر فيه الحكومة أكبر جهة توظيف وتعيق فيه البيروقراطية والقوانين القديمة عمل القطاع الخاص.

ورغم إشادته بخطط الحكومة لتعزيز إدارة المالية العامة وتشديد البنك المركزي سياساته النقدية “بشكل مناسب”، لكن المُقرض الدولي أكد أن التوسع المالي الكبير للبلاد في قانون الموازنة لثلاث سنوات يشكل مخاطر على المدى المتوسط.

ويبقى العراق ثاني أكبر منتج للنفط من دول أوبك، ويوفر إنتاجه 90 في المئة من دخل البلاد. وقد صدّر أكثر من 1.2 مليار برميل في العام الماضي، أي بمتوسط يقدّر بحوالي 3.3 مليون برميل يوميا.

ويعتمد البلد كثيرا على صادراته النفطية مع تواصل التحديات الاقتصادية والصراعات، مما وفر الحاجة إلى ضخّ استثمارات كبيرة في بنية البلاد التحتية.

وتوقع الصندوق أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للعراق هذا العام والعام المقبل نتيجة تراجع إنتاج النفط في البلاد، بما في ذلك تخفيضات من تحالف أوبك+.

وقال رئيس بعثة الصندوق جان – غيوم بولان إن “الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي ينمو بنسبة 5 في المئة في العام 2023 في ضوء التوسع الكبير في المالية العامة في إطار قانون موازنة الثلاث سنوات النافذ”.

وشدد على ضرورة الاستمرار في تنفيذ الموازنة وفق المخطط وأن استمرار النمو غير النفطي القوي في العام 2024 سيساعد في دفع عجلة النمو.

غير أن بولان اعتبر أن هبوط الإنتاج النفطي بعد إغلاق خط أنابيب النفط الواصل بين العراق وتركيا، وخفض الإنتاج بناء على طلب أوبك+، سيعملان معا على خفض نمو الناتج المحلي الكلي في 2023 و2024.

وفي مطلع يونيو الماضي، كان الصندوق قد أصدر بيانا متشائما حول آفاق الاقتصاد العراقي، لأسباب تتعلق بانقطاع خط أنابيب نفط كركوك – جيهان، بالإضافة إلى تراجع إنتاج النفط وتقلبات سعر صرف العملة.

ومع أن نسبة التضخم تراجعت عن الذروة التي بلغتها بمقدار 7 في المئة في يناير الماضي، لكن الصندوق يتوقع أن يستقر خلال الأشهر القادمة، وذلك بفضل اتباع البنك المركزي سياسة نقدية أكثر تشدّدا.

وبجانب ذلك، أرجع بولان انحسار أسعار الاستهلاك في العراق إلى الأثر المتأتي من رفع سعر صرف الدينار، وانخفاض الأسعار العالمية للأغذية، وعودة عمليات تمويل التجارة إلى طبيعتها مع تحسن الامتثال لإطار مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جعل من الإصلاح الاقتصادي أولوية، لكنه يواجه معركة شاقة في بلد تعيقه البيروقراطية والقوانين القديمة

وأكد الصندوق أن اعتماد أسلوب وضع الموازنة على مدى ثلاث سنوات في يونيو 2023 شكل تحولا في الممارسة المُتَّبعة لوضع الموازنات في العراق، وذلك بغية تحسين مستوى التخطيط المالي، واستمرارية تنفيذ المشاريع التنموية المهمة على المدى المتوسط.

وقال إن “بالرغم من تأخّر البدء في تنفيذ الموازنة هذا العام، يُتوقع لرصيد المالية العامة أن يتحوَّل من فائض كبير تحقق في 2022 إلى عجز في الموازنة للعام 2023”.

ويتطلّب ضمان استمرار أوضاع المالية العامة، في إطار سياق آفاق التوقعات غير المؤكدة لأسعار النفط، تشديد موقف سياسة المالية العامة بصورة تدريجية، وفي الوقت نفسه، العمل على ضمان حماية الاحتياجات بالغة الأهمية للبنية التحتية وللإنفاق الاجتماعي.

ومن شأن ذلك أن يتطلب أيضا تعبئة المزيد من الإيرادات غير النفطية، واحتواء فاتورة أجور موظفي الحكومة، وإصلاح نظام التقاعد الحكومي.

ويفترض دعم هذه التدابير بالانتقال إلى العمل على وجود شبكة أمان اجتماعي أكثر استهدافا، بحيث تعمل الحكومة على توفير حماية أفضل للفئات الضعيفة والهشة.

ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز الاقتصاد حتى يسهم بدور فعال في التنمية التي ظلت متوقفة منذ الغزو الأميركي في 2003 عبر تخفيف مستوى البطالة وتضيق دائرة الفقر.

11