صندوق النقد يضغط على تونس بورقة المراقبة السلبية

قوبل إدراج صندوق النقد الدولي لتونس ضمن القائمة السلبية في سابقة تاريخية للبلاد بسبب تعثر المفاوضات، بموجة انتقادات من الخبراء رغم أن البعض لم يتفاجأ بالقرار بالنظر إلى الدعوات المتكررة للسلطة بوقف نزيف الأزمة المالية قبل خروجها عن السيطرة.
تونس - أدرج صندوق النقد الدولي تونس ضمن قائمته السلبية المحينة المنشورة في الخامس من يناير الجاري للمرة الأولى في تاريخ التعاملات بين الطرفين منذ أواخر خمسينات القرن الماضي.
وتجمع القائمة البلدان التي تأخرت في إجراء المشاورات بموجب المادة الرابعة وتجاوز الآجال الملزمة للمفاوضات والتي تتراوح بين 15 و18 شهرا لأسباب مختلفة.
وشملت القائمة السلبية إلى جانب تونس، التي لم تعلق على القرار، كلا من فينزويلا واليمن وبلاروسيا وتشاد وهايتي، وأيضا ميانمار.
واعتبرت أوساط اقتصادية أن الأمر يتعلق بتمشّ إداري، بحت، ليس حكرا على تونس وحدها، لكنه يهم عدد من البلدان، في ما رأى شق آخر أن قرار المؤسسة الدولية المانحة سيعقد أكثر عملية نفاذ البلاد والحصول على تمويلات خارجية.
ويعتقد خبراء أن صعوبة النفاذ إلى التمويلات لا تهم، فقط، الخروج على الساحة المالية الدولية وإنما، يتعلق الأمر، أيضا، بالنفاذ إلى التمويلات في إطار الاتفاقات الثنائية، خاصة، وأن دولا تشترط، تحت هذا البند، ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الصندوق.
ومع ذلك، يبدي البعض استغرابه من طبيعة الضغط المفروض على تونس من الصندوق خاصة وأن الرئيس قيس سعيد يرفض قبول أيّ تمويل يكون مقرونا بشروط مجحفة لأنه يهدد “السلم الاجتماعي”.
وألغيت زيارة كان يفترض أن تقوم بها بعثة الصندوق في ديسمبر الماضي إلى تونس، وتم تأجيلها إلى أجل غير معلوم بطلب من السلطات.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن مصدر بالمؤسسة الدولية، لم تذكر هويته، قوله حينها إن “الصندوق يبقى على استعداد للقيام بالمشاورات السنوية بموجب المادة الرابعة بهدف الاطلاع على الأداء الاقتصادي في تونس”.
وكانت الحكومة قد توصّلت إلى اتفاق مبدئي في أكتوبر 2022 مع صندوق النقد قيمته 1.9 مليار دولار، لكن الحكومة لم تنته بعد من الإصلاحات واسعة النطاق، ومنها نظام الدعم وخفض الأجور وحوكمة شركات القطاع العام وضبط التوازنات المالية.
ويرى البعض أن الإخفاق في الحصول على تمويل من الصندوق، قد يؤدي إلى التخلف عن السداد، مما سيدفع اقتصاد البلاد إلى حالة من الفوضى.
لكن سعيّد يريد إثبات صواب توجهه بأن اللجوء إلى الصندوق قد يسبب ضررا للاقتصاد أكثر مما هو عليه الوضع حاليا، ويبدو أن حكومته نجحت في ذلك عبر تقليص العجز التجاري والعجز في ميزانية 2023.
ويعتقد الخبير في المخاطر المالية مراد الحطاب أن التمشي الحالي لتونس “سليم” باعتبار أن الأجندة التي يفرضها الصندوق بعنوان “الإصلاحات” تمثل سياسات موجهة نحو التقشف على حساب السيادة النقدية.
وقال في تصريحات لوكالة الأنباء التونسية الرسمية إن ضغوطا سابقة للصندوق “تسبّبت في ارتفاع التضخم وهدد استقلالية البنك المركزي مما انجر عنه خسائر كبرى للدولة وتوجه واضح نحو أسعار صرف عائمة”.
9.2
مليار دولار الديون المدرجة في ميزانية 2024 منها 5.3 مليار دولار كقروض خارجية
ولم يعتبر الحطاب توجه تونس بعيدا عمّا تعيشه المنطقة العربية من تغيرات عميقة نتيجة التوجه العالمي إلى الشرق والكتل الاقتصادية الصاعدة كبديل عن التعامل مع “منظمات بروتن وودز التي لم تتغير مناهجها في استغلال الشعوب والإثراء على حسابها منذ عقود”.
وتضرر الاقتصاد التونسي بشدة من الوباء وتداعيات الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى صعود صاروخي في التضخم واختفاء العديد من السلع الضرورية من الأسواق، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض من القطاع المصرفي.
ويسود جدل منذ أشهر حول قدرة الدولة على تعبئة القروض من الخارج خاصة في ظل التصنيفات الائتمانية المتراجعة للبلاد وأيضا امتناعها عن اللجوء إلى صندوق النقد.
ويشكل توفير الديون اللازمة لتمويل احتياجاتها الكبيرة أكبر التحديات، وقد انعكس ذلك العام الماضي في خفض جدارتها الائتمانية من قبل أبرز وكالة التصنيف العالمية.
وتسعى الحكومة في إطار ميزانية 2024 إلى تعبئة قروض بقيمة 28.4 مليار دينار (9.2 مليار دولار) منها 5.3 مليار دولار كديون خارجية.
وطيلة العقد الماضي تحصلت تونس على تمويلات من الجهات المانحة أهمها صندوق النقد واتسمت بوضع شروط قاسية تحت غطاء الاصلاحات المالية والنقدية مع التركيز على تعويم الدينار.
الحكومة تسعى في إطار ميزانية 2024 إلى تعبئة قروض بقيمة (9.2 مليار دولار) منها 5.3 مليار دولار كديون خارجية
ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تعرضت لضغط لتغيير آليات السياسة النقدية مثل استقلالية البنك المركزي، فضلا عن اعتماد إجراءات لتعديل أسعار بعض المواد الأساسية.
ويرى الحطاب أن استقلالية البنك المركزي تشكل جزءا من إرساء سياسة صندوق النقد بما يوسّع سطوة الجهاز المالي وكارتلاته على الدولة بحجة توفير تسهيلات ائتمانية لها.
وجراء تنفيذ حكومات ما بعد 2011 لسياسات الصندوق لاسيما على مستوى مرونة سعر الصرف، فقد خسر الدينار 52 في المئة من قيمته مقابل الدولار منذ 2013 مما تسبب في زعزعة التجارة الخارجية التي استعادت عافيتها مؤخرا بعد جهود مضنية.
وإلى جانب ذلك، فقد ارتفع الدين العام بنسبة تجاوزت 30.5 في المئة إلى الناتج المجلي الإجمالي خلال الفترة بين 2013 و2018.
كما ساهم التحول في مسألة الصرف في ارتفاع التداين بنسبة تقارب 19 في المئة، حيث انهارت مؤسسات تبعا لذلك أبرزها الصيدلية المركزية وديوان الحبوب بحكم أنهما مسؤولان على استيراد منتوجات حيوية للتونسيين.
ويعتقد الحطاب أن فك الارتباط مع الصندوق ممكن رغم أن أطرافا سياسية تتخفى اقتصاديا بالقول إنه لا وجود لبديل عن تمويلاته، في حين أن البدائل كثيرة. وقال “لقد أثبتت دول شرق آسيا نجاحها في البعد عن سطوة هيئات المال الدولية الإمبريالية”.
وأكد أن الشبكات العالمية المعروفة باسم “الشبكات العالمية للأمان المالي”، تشكل بديلا للتمويل والاستثمار، وهي تتكون من مستويات عديدة على غرار المستوى الثنائي عبر اتفاقيات تبادل العملات وهناك أيضا المستوى الإقليمي عبر آليات مالية معينة.
وتضاف إلى ذلك إمكانية النفاذ إلى السيولة عن طريق الأرصدة المالية الإقليمية واتفاقيات التبادل الثنائي، فضلا عن الصناديق الاستثمارية التي لديها نفس الإمكانيات المتاحة لصندوق النقد.
وقال الحطاب إن هذه الآليات “تخوّل لتونس ولغيرها من الدول الصاعدة تنويع مصادر تمويلها بعيدا عن مخاطر الصدمات الخارجية وفي سياق يدعم خطوط دفاع الاتفاقيات المالية الاقليمية بشكل واضح”.