صندوق النقد متشائم من بطء الإصلاحات الهيكلية في تونس

واشنطن - أبدى صندوق النقد الدولي في أحدث تقييماته تشاؤما من بطء مسار ترميم الاقتصاد التونسي على النحو الأمثل على الرغم من المحاولات المضنية التي تقوم بها السلطات لتحفيز النمو وقلب المؤشرات السلبية إلى إيجابية.
وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الصندوق جهاد أزعور أثناء مقابلة مع وكالة الأنباء التونسية الرسمية إنه “رغم بوادر التحسن على المستوى الاقتصادي، التي سجلتها البلاد، إلا أن النمو يبقى ضعيفا جدا مما يستوجب إجراء إصلاحات هيكلية”.
وأكد في تصريحاته الخميس الماضي على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين بالعاصمة الأميركية واشنطن أنه لا توجد أيّ مفاوضات للصندوق مع تونس بخصوص تمويل جديد.
وشدد أزعور على أن الاقتصاد التونسي في حاجة، خاصة، إلى إزالة التحديات التي تتعلق أساسا بتعزيز الاستثمارات وتوفير المزيد من فرص العمل مع إرساء إصلاحات كفيلة بحفز النمو والتحكم في التضخم وتشجيع القطاع الخاص بشكل أكبر.
وأوضح أن الوضع شهد بعض التحسن، على مستوى التجارة الخارجية والزراعة، لكن يبقى النمو منخفضا في حدود 1.6 في المئة لهذا العام والعام المقبل وفق توقعات الصندوق الصادرة الثلاثاء الماضي، في تقريره “آفاق الاقتصاد العالمي”.
ويعد هذا المستوى الأضعف بين دول شمال أفريقيا، حيث تتجه ليبيا لتحقيق نمو هذا العام قدره 6.2 في المئة وبالنسبة إلى مصر سيبلغ 4.1 في المئة وموريتانيا بنحو 4.2 في المئة والمغرب عند 3.6 في المئة والجزائر بحوالي ثلاثة في المئة.
ويرى أزعور أن الحكومة التونسية تمكنت من القيام ببعض الإجراءات على مستوى النفقات العمومية، لكن لا بد أن يستفيد الاقتصاد من الإصلاحات الهيكلية الأخرى التي تساهم في تحسين بيئة الأعمال وخفض معدلات البطالة البالغة 16.4 في المئة.
واعتبر أن الضرورة تقتضي اعتماد إصلاحات تسهم برفع مستوى النمو وتخفيف الأعباء عن البنوك العمومية وتوسيع دائرة التمويل.
ويأتي هذا الموقف بالتزامن مع تأكيد المؤسسة الدولية المانحة على وجود قنوات تواصل مع تونس للحصول على خط ائتمان جديد، بالنظر إلى رفض الرئيس التونسي قيس سعيد هذا التمشي كونه يضر بالاقتصاد المتعثر.
وقال أزعور إن صندوق النقد الدولي “لا يملك أيّ معلومات بخصوص وجود مفاوضات جديدة في الأفق مع الحكومة التونسية بشأن الحصول على تمويلات للدولة ولم يتم وضع البرنامج السابق للتمويل الذي تحصلت تونس على موافقة مبدئية بشأنه”.
وكانت تونس قد تحصلت على موافقة مبدئية على مستوى الخبراء في أكتوبر 2022 حتى تتحصل على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد، لكن تعثرت المفاوضات بين الطرفين مع نهاية ذلك العام.
ويرفض الرئيس قيس سعيد الإصلاحات التي حددها الصندوق للحصول على القرض، والتي تتضمن التقليص في حجم الأجور ورفع الدعم عن المواد الأساسية، لأنه يرى أنها “إملاءات تهدد السلم الاجتماعي”.
وبدلا من ذلك، اعتمدت السلطات على مسار مختلف للحصول على التمويلات اللازمة، التي تحتاجها الدولة، وذلك من خلال الإمعان في الاقتراض من السوق المحلية وزيادة الضرائب في الميزانية وأيضا الحصول على خط ائتمان من البنك المركزي.
◙ إزالة العقبات أمام الاستثمار وتوليد الوظائف والتحكم في التضخم وتشجيع القطاع الخاص أبرز التحديات أمام الحكومة
وتظهر وثيقة مشروع الميزانية الجديدة أن الحكومة سترفع الضرائب على الموظفين أصحاب الدخل العالي وعلى الشركات، بينما ستضاعف تقريبا الدين المحلي في 2025 وسط استمرار عجزها عن الحصول على التمويلات الخارجية الكافية.
وتعتزم تونس جني 30 مليار دينار (9.7 مليار دولار) العام المقبل من الجباية لوقف دوامة العجز المالي. ومن هذا المجموع ينبغي أن تجني قرابة 7.1 مليار دولار من الشركات، ولاسيما الصغيرة والمتوسطة.
وتضرر الاقتصاد التونسي بشدة من الوباء وتداعيات الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى صعود صاروخي في التضخم واختفاء العديد من السلع الضرورية من الأسواق، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض من القطاع المصرفي.
وتشير وثيقة مشروع الجديدة إلى أن حجم القروض الداخلية سيتضاعف ليصل إلى نحو 7.08 مليار دولار من 3.57 مليار دولار العام الماضي، بينما سيتراجع حجم القروض الخارجية إلى 1.98 مليار دولار في 2025 مقارنة مع 5.32 مليار دولار في 2024.
ويسود جدل منذ أشهر حول قدرة الدولة على تعبئة القروض من الخارج خاصة في ظل التصنيفات الائتمانية المتراجعة للبلاد وأيضا امتناعها عن اللجوء إلى صندوق النقد.
ويشكل توفير الديون اللازمة لتمويل احتياجاتها الكبيرة أكبر التحديات، وقد انعكس ذلك العام الماضي في خفض جدارتها الائتمانية من قبل أبرز وكالات التصنيف العالمية.