صندوق النقد الدولي غير متفائل بأداء الاقتصادات العربية

واشنطن - تذكي تحذيرات صندوق النقدي الدولي حيال الآفاق المتشائمة لأداء اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الإحباط لصناع القرار السياسي والنقدي في المنطقة، الذين يجدون أنفسهم تائهين بين مواجهة الظروف القاهرة وبين الحماية الاجتماعية للناس.
ورأى مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق جهاد أزعور في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس أن اقتصاد المنطقة سيتباطأ هذه السنة مقارنة مع عام 2023، لكنه سيحتفظ بقدر من المتانة، مشيرا إلى “عدم اليقين” بسبب الوضع الجيوسياسي.
وإن كان الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في مطلع أكتوبر والعمليات العسكرية المدمرة التي تنفذها الدولة العبرية منذ ذلك الحين على قطاع غزة، “أثار قدرا من التقلبات” على الصعيد الاقتصادي في المنطقة، لكن أزعور لفت إلى أن “هذا يبقى محدودا”.
لكنه أضاف في المقابلة الخميس الماضي، إن “عدم اليقين الذي يلف الجانب الجيوسياسي كبير. وثمة عوامل أخرى قد تؤثر على النمو، لذلك ننبه إلى زيادة المخاطر هذه السنة”.
وإلى جانب الحرب في قطاع غزة التي قد يتسع نطاقها مع الهجوم الإيراني الأخير بالصواريخ والمسيرات على إسرائيل ثم رد الأخيرة بهجمات شرق إيران، تشهد المنطقة العربية استمرار حربين أهليتين أخريين في اليمن والسودان ووضع قاتم في ليبيا.
وأعربت المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا جورجييفا الخميس في إحدى كلماتها خلال اجتماعات الربيع المنعقدة حاليا في واشنطن عن قلقها بشأن الوضع “المروع” في كل من اليمن والسودان.
وقالت “عندما تكون هناك حروب تجتذب كل الاهتمام مثل الحرب في أوكرانيا أو في غزة، فهي تطغى على المعاناة والصعوبات التي تظهر في أماكن أخرى”.
وأضافت “ولكن تأكدوا أنه بالنسبة للصندوق، فإن جميع أعضائنا لهم الحق في الحصول على دعمنا واهتمامنا، بغض النظر عن مدى صعوبة الظروف”.
وفي السودان حيث يدور صراع على السلطة بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، منذ عام توقع صندوق النقد في تقريره الإقليمي انتهاء الحرب بحلول نهاية 2024.
وقال أزعور أن هذا سيوفر للبلد الذي “يملك طاقات كبيرة” إمكانية العودة إلى “وضع مستقر وناجع على صعيد الاقتصاد الكلّي”، لكنه أقرّ بأن انتهاء النزاع يبقى في الوقت الراهن هدفا منشودا، مشيرا إلى أنه “لا يمكن لصندوق النقد الدولي التصرف بناء على ذلك”.
وأضاف أن “البلد يواجه حاليا تضخما بنسبة تبلغ 150 في المئة، و60 في المئة من السكان بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وتم تفكيك المؤسسات بصورة شبه كاملة” محذرا بأنه “كلما استمرّ النزاع زاد من معاناة” السكان.
والوضع أقل خطورة في مصر التي تحظى بأكبر برنامج مساعدات من صندوق النقد في المنطقة قدره 8 مليارات دولار، لكن البلد يعاني رغم ذلك من تبعات حرب غزة، وخاصة جراء الهجمات التي يشنها الحوثيون اليمنيون على الملاحة التجارية في البحر الأحمر.
وأدت هذه الهجمات إلى تراجع حركة مرور السفن التجارية من قناة السويس، التي تعتبر من المصادر الأساسية للعملات الأجنبية في مصر، في وقت يعاني البلد من تضخم متزايد وديون عامة مرتفعة.
وبين الإصلاحات التي يدعو إليها صندوق النقد، تعتبر خصخصة الاقتصاد المصري، الذي لا يزال مملوكا إلى حدّ بعيد من الدولة أو من الجيش، من الأولويات المطروحة.
وقال أزعور “على مصر أن توجد مساحة لنمو قطاعها الخاص. يجب إعادة تحديد دور الدولة في الاقتصاد، أن تلعب دور الميسّر أكثر منها دور المنافس. وهذا يقترن بالمزيد من الشفافية لاجتذاب الاستثمارات في البلد. إنها ركيزة مهمة” بين الإصلاحات المطلوبة.
غير أن التقدم في هذا المجال يبقى بطيئا، ولو أن هذا لم يمنع صندوق النقد من زيادة القرض الممنوح لمصر الشهر الماضي من ثلاثة مليارات دولار إلى ثمانية مليارات دولار.
وللحصول على هذه الأموال الإضافية، رفع البنك المركزي المصري الفائدة لتسجل معدلات قياسية للإيداع والإقراض، ما تسبب بتراجع حاد في قيمة الجنية المصري.
وشدد أزعور على أن هذا الإجراء “مهم” بالنسبة لصندوق النقد لأنه “يسمح بالتصدي للتضخم، ومرونة سعر الصرف وسيلة لخفض مخاطر انتقال الصدمات الخارجية”.
وتلقت مصر من جهة أخرى نحو 35 مليار دولار من “الاستثمارات المباشرة” من دولة الإمارات لمساعدتها على مواجهة أزمتها الاقتصادية وتفادي الانهيار التام لاقتصادها.