صندوق الثروة السعودي يوجه بوصلة استثماراته إلى الأصول الأوروبية

خطط لمضاعفة الاستثمارات والمنافسة من كل من الإمارات وقطر.
الاثنين 2025/05/19
علامة جديرة بالثقة، وسنضم مثلها الكثير

مع تنامي الصفقات العابرة للحدود في الآونة الأخيرة والمنافسة بين دول الخليج على الاستثمار بكثافة في الخارج، يبرز صندوق الثروة السعودي كمقتنص للفرص الممكنة في الأصول الأوروبية، حيث يسعى إلى مضاعفة أعمالها في غضون سنوات قليلة، في تحول سيعزز مكانته كمحور لرفد الدولة بالأموال.

الرياض - فتحت السعودية جبهة جديدة في استثماراتها الخارجية عبر ذراعها صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي)، بحيث ستستهدف التوسع في الأصول الأوروبية، في تأكيد آخر على اشتداد المنافسة مع جيرانها الخليجيين في هذا المجال.

ورجح محافظ الصندوق ياسر الرميان خلال مشاركته في قمة الأولوية الأوروبية، والتي عُقدت في العاصمة الألبانية تيرانا على مدار يومين، أن يزيد الصندوق استثماراته في أوروبا خلال السنوات المقبلة.

وتوقع الرميان أن “تتضاعف استثمارات ومشتريات الصندوق في أوروبا إلى 170 مليار دولار،” بعد أن بلغت 85 مليار دولار منذ عام 2017 حتى نهاية العام الماضي.

وستكون لهذه الخطة الإستراتيجية التي يطمح لها الصندوق البالغ حجم أصوله 941 مليار دولار، وهو الثاني في منطقة الشرق الأوسط بعد جهاز أبوظبي للاستثمار بأصول تناهز التريليون دولار، أهمية كبيرة في تنويع وتعظيم الإيرادات.

ياسر الرميان: لأوروبا دور محوري في إستراتيجية الاستثمار العالمية
ياسر الرميان: لأوروبا دور محوري في إستراتيجية الاستثمار العالمية

وتستثمر كل من دولة الإمارات وقطر بكثافة في أصول أوروبية تشمل أصولا رياضية وخدمات مالية وبنوكا وبنية تحتية وعقارات وغيرها من القطاعات المدرة للإيرادات.

ويقول المسؤولون إن حصة الاستثمارات الدولية للصندوق ارتفعت بشكل كبير من اثنين في المئة إلى 30 في المئة منذ إطلاق أجندة التحول قبل تسع سنوات.

وكانت الاستثمارات العالمية للصندوق تقل عن اثنين في المئة فقط، حين كانت أصوله تحت الإدارة تقدر بنحو 150 مليار دولار، حيث معظم استثماراته عبارة عن مشاريع تنموية داخل البلاد.

وضاعف الصندوق قيمة محفظة الاستثمارات الهادفة إلى تطوير القطاعات الواعدة وتنميتها إلى 251.3 مليار دولار في نهاية 2023، ما يمثل زيادة تعكس تحركا إستراتيجيا نحو تعزيز دوره في تحقيق التحول الاقتصادي.

ويشكل ذراع الاستثمار محركا لخطة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المعروفة بـ”رؤية 2030″ التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل 2016 والرامية إلى تنويع اقتصاد أكبر مصدّر للنفط الخام.

ويضيف الصندوق مركز نقل حيوي إلى القائمة المتنامية من محفظة الأصول في أوروبا، حيث تمثل هذه الاستثمارات دليلاً على أن السعودية أصبحت قوة نشطة في قطاع الصفقات بشكل متزايد خارج الولايات المتحدة، والتي كانت عادةً محور اهتمامها.

ووفقا لبيانات التقرير السنوي للصندوق للعام 2023 شكّلت القطاعات الجديدة أكثر من ثلث أصوله المدارة، مقابل 21 في المئة خلال العام الأسبق، ما يشير إلى أنه قد عمل على إعادة توجيه موارده نحو استثمارات إستراتيجية طويلة الأجل.

ويعكس ذلك ترسيخا للأولويات في تطوير قطاعات جديدة تُعتبر حيوية للنمو الاقتصادي، حيث يعول الصندوق السيادي على قطاعات محددة لتحقيق النمو خلال السنوات المقبلة كما هو الحال مع الطيران والدفاع والمركبات والترفيه والسياحة والرياضة.

170

مليار دولار استثمارات يستهدف الصندوق بلوغها من 85 مليار دولار تم ضخها منذ 2017

ويُعد الرميان مستشارا رئيسيا لولي العهد السعودي، وهو رئيس مجلس إدارة أرامكو وكذلك نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز، وعضو في مجلس إدارة الشركة الرئيسية لأغنى شخص في آسيا، موكيش أمباني.

وخلال مسيرة امتدت من إدارته لأحد البنوك الاستثمارية المحلية إلى الإشراف على أحد أسرع الصناديق السيادية نموا على مستوى العالم، أصبح من بين الشخصيات الأكثر تأثيرا في عالم المال.

وأكد الرميان، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة مؤسّسة مبادرة مستقبل الاستثمار، أثناء القمة على الدور المحوري لأوروبا في إستراتيجية الاستثمار العالمية، مشيراً إلى أن القدرة على التنبؤ والوضوح التنظيمي هما مفتاح الالتزامات طويلة الأجل.

ولدى الصندوق، الذي يستثمر سنويا نحو 40 مليار دولار في مشاريع محلية، خطط لزيادة حجم إنفاقه السنوي إلى 70 مليار دولار، مستفيداً من عائدات استثماراته، والاقتراض، وتحويلات نقدية أو أصول من الحكومة.

ومع ذلك فإن تراجع توزيعات أرامكو، التي يمتلك الصندوق 16 في المئة من أسهمها، قد يقلل من أحد مصادر تمويله الرئيسية لضخها في مشاريعه المتنوعة محليا وخارجيا.

وأطلق صندوق الثروة حوالي 103 شركات تغطي قطاعات متعددة، من السياحة إلى الذكاء الاصطناعي، من بينها شركة الدرعية التي تدير مشروعاً بقيمة 63 مليار دولار لتحويل المنطقة التاريخية إلى وجهة سياحية عالمية.

وأكمل في ديسمبر الماضي استحواذه على حصة نسبتها 15 في المئة في شركة أف.جي.بي توبكو، الشركة القابضة لمطار هيثرو. وهو مستثمر مسيطر، مثلا، على شركة لوسيد الأميركية لتصنيع السيارات الكهربائية.

السعودية تستعد لضخ استثمارات ضخمة خلال السنوات المقبلة، تشمل التحضيرات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034

وفي أغسطس 2021 وافق صندوق الثروة على شراء حصة أقلية بنسبة تقدر بنحو 30 في المئة من شركة صناعة السيارات الإيطالية الخارقة هوراسيو باجاني.

واستثمارات السيادي السعودي لها أثر إيجابي على الناتج المحلي الأوروبي، حيث بلغ حاليا، وفق الرميان، 52 مليار دولار، متوقعاً أن يتضاعف خلال خمس سنوات.

وساهمت استثمارات ومشتريات الصندوق في توفير نحو 254 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في أوروبا، بحسب الرميان.

وعلى هامش منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي الذي انعقد الأسبوع الماضي في الرياض خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب أبرم الصندوق اتفاقيات مع شركات أميركية متخصصة في إدارة الأصول، بعضها تضمن تعهدات بضخ إجمالي 11 مليار دولار.

وخلال افتتاحه ملتقى الصندوق لأعضاء مجالس الإدارة الأحد، أكد الرميان أن الصندوق يواصل الاستثمار وتوجيه رأس المال ودعم النمو، بما يتماشى مع إستراتيجيته لعام 2030 وما بعده.

وقال في بيان “نحتاج إلى الحفاظ على حدود واضحة بين الحوكمة والتنفيذ، للسماح بالإبداع في الإدارة والمساءلة في النتائج.”

وتستعد السعودية لضخ استثمارات ضخمة خلال السنوات المقبلة، تشمل التحضيرات لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034، وذلك في وقت تواجه فيه تحديات تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاض أسعار النفط، واستمرار عجز الميزانية.

ومع ذلك تعول الحكومة على صندوق الثروة الذي يستهدف زيادة مساهمته وشركات محفظته في المحتوى المحلي إلى 60 في المئة، أما العنصر الحيوي الآخر فيتمثل في استحداث نحو 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر.

11