صناعة النفط تدخل 2024 مدعومة بفورة اندماجات أميركية

عمليات الاستحواذ توضح سعي شركات النفط للحصول على احتياطيات النفط والغاز غير المستغلة ومنخفضة التكلفة.
الأربعاء 2023/12/27
رؤية موحدة إلى الهدف

يراقب خبراء الطاقة تحولات جديدة ستترك أثرها بوضوح أكبر على صناعة النفط انطلاقا من فورة الاستثمارات الأميركية المرتقبة للنفط الصخري، والتي قد تكون هجمة مرتدة ضد منتجي أوبك وحلفائها الطامحين للحصول على مكاسب أكبر في 2024.

هيوستن (الولايات المتحدة) - انطلقت صناعة النفط والغاز في موجة شراء بقيمة 250 مليار دولار في 2023، مستفيدة من ارتفاع أسعار أسهم الشركات لتأمين احتياطيات أقل تكلفة والاستعداد للاضطرابات التالية في صناعة من المرجح أن تخضع للمزيد من الدمج.

وأدى ارتفاع الطلب على النفط في الأسواق مع تخلص الاقتصادات العالمية من الانكماش، الذي تسببت فيه الأزمة الصحية، إلى إثارة حماسة المستحوذين.

وقامت شركات إكسون موبيل وشيفرون وأوكسيدنتال بتروليوم بعمليات استحواذ بقيمة إجمالية 135 مليار دولار هذا العام. وأبرمت كونوكو فيليبس صفقتين كبيرتين في العامين الماضيين. والجائزة الكبرى في عقد هذه الصفقات هي أكبر حقل للنفط الصخري في الولايات المتحدة، وهو الحوض البرمي في غرب تكساس ونيو مكسيكو.

وتتمتع الشركات الأربع الآن بوضع يمكنها من السيطرة على حوالي 58 في المئة من الإنتاج المستقبلي في تلك المنطقة، في المقابل فإن إنتاجها قد يؤثر على سياسة تحالف أوبك+ للتحكم في الأسواق وجعل الأسعار مرتفعة عبر التخفيضات الطوعية.

ويهدف كل منها إلى ضخ ما لا يقل عن مليون برميل يوميا من الحقل، الذي من المتوقع أن ينتج 7 ملايين برميل يوميا بنهاية 2027.

ريان دومان: عمليات الدمج قد تغير المشهد في القطاع بشكل فعال
ريان دومان: عمليات الدمج قد تغير المشهد في القطاع بشكل فعال

وتبدو المزيد من المعاملات في الأفق، حيث يتوقع ثلاثة أرباع المسؤولين التنفيذيين في القطاع، الذين شملهم مسح للاحتياطي الفيدرالي الأميركية (البنك المركزي) هذا الشهر، ظهور المزيد من صفقات النفط بقيمة 50 مليار دولار أو أكثر في العامين المقبلين.

وتستكشف شركة إنديفور إنيرجي بارتنرز، أكبر شركة خاصة لإنتاج الصخر الزيتي في حوض بيرميان، صفقة بيع يمكن أن تزيد من تركيز إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.

وقال ريان دومان، مدير أبحاث المنبع في الأميركتين في شركة وود ماكنزي لاستشارات الطاقة، لرويترز إن "الدمج يغير المشهد بشكل فعال". وأضاف "ستحدد شركات قليلة مختارة ما إذا كان نمو الإنتاج سيكون قويا أو أكثر استقرارا أو في مكان ما بين الاثنين".

وستكون لعملية الدمج آثار غير مباشرة على مقدمي خدمات الحقول ومشغلي خطوط الأنابيب. وتدخل الشركات التي تقدم خدمات الحفر والتكسير الهيدروليكي ونقل النفط والغاز عصرا يقل فيه عدد الزبائن الذين يتمتعون بقدر أكبر من السلطة على التسعير.

وقال مسؤول تنفيذي بشركة أميركية منتجة للنفط، طلب عدم نشر اسمه لأنه غير مخول بالحديث علنا، إن “الاندماج مفيد للمنتجين لكنه لا يساعد شركات الخدمات على الإطلاق. سيقلص هوامش أرباحهم مع إعادة التفاوض على العقود القائمة”.

وقال روب ويلسون من خبراء خطوط الأنابيب في إيست دالي أناليتيكس، إن "مشغلي خطوط الأنابيب يواجهون موجة الدمج الخاصة بهم مع عدد أقل من أنابيب النفط والغاز الجديدة التي تمت الموافقة عليها وبنائها".

وستوفر التوسعات في الخطوط الحالية خارج حوض بيرميان بعض الراحة، ولكن بحلول منتصف عام 2025، ستكون سعة خطوط الأنابيب من حوض بيرميان ممتلئة بنسبة 90 في المئة، وفقا لتقديرات إيست دالي.

وتوضح عمليات الاستحواذ الأخيرة سعي شركات النفط للحصول على احتياطيات النفط والغاز غير المستغلة ومنخفضة التكلفة.

ومن بين الصفقات الكبرى لعام 2023 عرض إكسون بقيمة 59.5 مليار دولار لشراء شركة بايونير للموارد الطبيعية وشراء شركة دينبري مقابل 4.9 مليار دولار.

وعرضت شركة شيفرون 53 مليار دولار لشراء شركة هيس واشترت شركة النفط المنافسة لشركة بي.دي.سي إنيرجي مقابل 6.2 مليار دولار، فيما ستدفع شركة أوكسيدنتال 12 مليار دولار لشراء شركة كراون روك.

وبمساعدة أسعار أسهمها القوية، كانت معظم عمليات الاستحواذ الكبرى هذا العام عبارة عن مقايضات للأسهم، وليس النفقات النقدية الكبيرة التي من شأنها أن تعرض الميزانيات للمشترين للخطر إذا انخفضت أسعار النفط كما حدث في عامي 2016 و2020.

وعلى سبيل المثال، لدى إكسون 33 مليار دولار نقدا، أي أكثر من ستة أضعاف المبلغ الذي كانت تحتفظ به قبل أربع سنوات.

وقال أندريه جان، الشريك في شركة ونغ آند بارتنارز للمحاماة وخبير عمليات الاندماج والاستحواذ، إن “الوقود الأحفوري يجذب استثمارات جديدة مرة أخرى”.

وأدى ارتفاع أسعار الفائدة في عام 2023 إلى جعل دفع ثمن عمليات الاستحواذ بالأسهم أكثر جاذبية للمستثمرين من تمويل مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة نقدا.

وتم إلغاء مشاريع طاقة الرياح البحرية في الولايات المتحدة وفرنسا بسبب زيادة أسعار الفائدة وتكاليف سلسلة التوريد.

وأدرك المنتجون أيضا أن تحرك الولايات المتحدة نحو الوقود المتجدد والمركبات الكهربائية وزيادة كفاءة الطاقة سيخفض استهلاك الوقود الأحفوري ويضغط على الشركات ذات تكاليف الإنتاج المرتفعة.

أندريه جان: الوقود الأحفوري يجذب استثمارات جديدة مرة أخرى
أندريه جان: الوقود الأحفوري يجذب استثمارات جديدة مرة أخرى

وارتفع الطلب العالمي على النفط بنحو 2.3 مليون برميل يوميا في كل من العامين الماضيين، ليصل إلى 101.7 مليون برميل يوميا. وأدت هذه الزيادة إلى تقلص المخزونات العالمية، مما ساعد على دعم الأسعار مع إبقاء أوبك وحلفائها على الإنتاج مقيدا.

وتتوقع وود ماكنزي أن يرتفع إنتاج النفط بنحو 250 ألف برميل يوميا في المتوسط سنويا على مدى السنوات الخمس المقبلة، أي نصف مستوى السنوات الخمس السابقة مع تركيز شركات النفط الكبرى على تعزيز التدفق النقدي بدلا من الإنتاج.

ويعتقد خبراء هذه الصناعة أن النمو البطيء يساعد الشركات التي لديها احتياطات غير مستغلة على التحكم في النفقات وتعزيز الهوامش.

ودفع هذا الدمج الجهات التنظيمية لمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة إلى مطالبة شركتي إكسون وشيفرون بمعلومات إضافية عن مشترياتهما، مما أدى إلى تأخير إغلاق الصفقات.

ويتوقع كلاهما أن يحصلا على الموافقة، مشيرين إلى حجم سوق النفط الأميركية والمنافسين الصغار العدوانيين كمؤشرات على أن المنافسة ستظل قوية.

ويضع ظهور عدد أقل من منتجي النفط الأكبر الذين يركزون على إطالة عمر أعمالهم في مجال الوقود الأحفوري الشركات في توتر أكبر مع الحكومات التي تعطي الأولوية للتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تكون أسعار النفط العالمية مستقرة إلى حد كبير في عام 2024 بعد أن بلغ متوسطها حوالي 83 دولارا للبرميل في عام 2023، انخفاضا من 99 دولارًا في عام 2022.

ويرى المحللون أن تداول النفط في عام 2024 يتراوح بين 70 و90 دولارا للبرميل، أعلى من متوسط 64 دولارا للبرميل في عام 2019.

10