صناعة النجم الدرامي غائبة في مصر والربح هدف المنتجين الأوحد

القاهرة – النجم السينمائي أو التلفزيوني على المستوى العالمي أصبح نموذجا يتم من خلاله الترويج لكل موضة جديدة في كل شيء بالنسبة إلى جمهور الشباب والمراهقين من الجنسين، إذ يغدو مثالا لما يحلمون به أو يتخيلونه ويؤكدون ذاتهم ويصنعون شخصياتهم على طريقته، ويحددون خياراتهم الاستهلاكية المتعلقة بالبضائع والمنتجات المختلفة في إطار توجيهه.
بهذا المعنى تحول النجم إلى سلعة لكن في المجال السينمائي، وكأي سلعة فإنه يخضع لقانون العرض والطلب، وهو في ظهوره العام وحياته الخاصة يكون مادة للدعاية والاستفادة المادية والترويج لسلع أخرى تجارية، فالكاميرات تلاحقه، وأسلوب معيشته وحياته الخاصة تصبحان موضوعا للنقاش الإعلامي والجماهيري، وكل هذا جزء من صناعة النجوم الرأسمالية التي تُقدّم للمستهلكين، فهل صناعة النجم بهذا التعريف توجد في مصر؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: ما معنى مصطلح “صناعة النجم”؟ هل المقصود به ما تفعله بعض شركات الإنتاج في هوليوود والتي تسعى إلى تقديم فنانيها بشكل وبنظام معيشي وطقوس مختلفة، وتصدرهم كأغلفة للمجلات وتعقد لهم المؤتمرات الإعلامية والصحافية، وتنسج حولهم الحكايات لإحداث نوع من الإبهار لدى الجمهور يتم استخدامه كنوع من التسويق للعمل الفني؟
اسم الفنان
الناقد الفني خالد عيسى قال إن النجومية بهذا المعنى غير موجودة في مصر إلاّ في نطاق العمل الصحافي والإعلامي، حيث يمارسه البعض من الصحافيين بشكل أو بآخر، ولدى القليل من الفنانين الذين يسعون إلى عمل نظام حياتي معين لطرح أنفسهم بصورة مختلفة، وبخلاف هذا فإن الكثير من الفنانين يكتفون فقط بالعمل دون الاهتمام بالصحافة والإعلام.
ويقول عيسى “في مصر يختلف الأمر عن أميركا، إذ بينما يعتمد العمل الفني المصري على اسم الفنان بشكل كبير، ويتم تسويق الفيلم من خلال هذا الاسم، فإنهم في هوليوود يكون مضمون العمل هو القيمة التي يبحث عنها صناع الفن أولا”.
مع ذلك، لا يمانع عيسى في وجود ما يسمى بصناعة النجم إذا كان المقصود بها تربية الفنان بشكل ما وتنمية وعيه وثقافته بأسلوب محدد، ليكون مُطلعا على علوم فن التمثيل وغيرها ليصبح مؤهلا لتناول وتعاطي الفن بشكل جيد.
أما الناقد الفني عادل عباس فقال لـ”العرب” إن صراع الشركات الإنتاجية المصرية الكبرى على الساحة السينمائية أدى إلى ظهور ما يسمي “نجوم الصدفة”، فأغلب النجوم الذين ظهروا في السنوات الأخيرة لا تتوافر فيهم مواصفات النجوم، سواء بين النجوم الرجال أو بين النجمات النساء.
|
ويضيف “شركات الإنتاج تحولت إلى ما يشبه مراكز القوى التي عانيناها على الساحة السياسية في مصر خلال الستينات من القرن الماضي، حيث قامت باختيار فنانين لا يصلحون كنجوم وفرضتهم فرضا على الجمهور، وأصبحت أفلام هؤلاء هي فقط التي تعرض في دور العرض التي تملكها هذه الشركات”.
وأوضح عباس لـ”العرب” أنه إذا كان الفن موهبة بالأساس فالنجومية لعبة لا يجيدها إلاّ من يتقن أدواتها باحتراف، إذ ليس كل موهوب نجما، وقديما كان النجم هو الفنان الموهوب رغم قلة وسائل الإعلام، أما الآن فمقومات الفنان هي أن تكون لديه ملامح النجم من حيث الكاريزما والجمال والحضور والذكاء الاجتماعي، وكل هذه العناصر تلعب دورا كبيرا في التسويق الناجح للفنان.
ويسترسل “أما بالنسبة إلى ورش التمثيل فهي معاهد خاصة للهواة توازي معاهد التمثيل الأكاديمية لكنها ليست لصناعة نجم، فهي تقدم له جرعات مكثفة من فن الممثل ومفرداته ليكون مؤهلا بعد هذا للعمل في الحقل الفني، وكل صاحب ورشة تمثيل يعمل وفقا لنظرية فنية يقتنع بها”.
الورش للتأهيل فقط
يرى الفنان أحمد كمال، وهو أشهر الفنانين في مجال ورش التمثيل، أن صناعة النجم مصطلح تجاري يختص برأس المال وينتشر في أميركا ويتركز على صنع شكل النجم وتأهيله بدنيا وظاهريا، ليمثل عنصرا مهما في إبهار المشاهد العادي الذي يحلم دائما بواقع خيالي يقدمه له النجم من خلال مشاهد القوة الخارقة والتحطيم والقتل والطيران في الهواء وغيرها.
وأكد لـ”العرب” أن صناعة الممثل تختلف عن صناعة النجم، فالممثل يجب أن يكون شخصا مثقفا يقرأ ويخوض تجارب عديدة أولا قبل أن يتحول إلى نجم، وأشار إلى أن جزءا كبيرا من رواج ما يسمى بصناعة النجم يرتبط بشكل كبير بثقافة المجتمع إلى جانب اهتمام الدولة بالثقافة.
ورش التمثيل في رأي أحمد كمال تؤهل الشخص لأن يكون ممثلا لا لأن يكون نجما، لذلك هو لا يعتقد أنها بديل عن مؤسسات صناعة النجم الموجودة في أميركا، وقال “قد يكون عندي ممثل مظهره جميل لكنه لا يجيد التمثيل، فهناك فرق بين لغة الإنتاج ولغة الفن”.
وهذه الورش توجه الممثل إلى العديد من المهارات التي تعتمد بشكل كامل على مجهوده الشخصي، من حيث القراءة المحلية والعالمية، والاهتمام بنفسه وبمظهره، وتعلمه ركوب الخيل والسباحة وقيادة السيارات حتى يكون مؤهلا لأداء أي دور على الشاشة.
النموذج الأميركي يحرص على أن يضع في النجم المواصفات التي يتمناها المواطن العادي لنفسه، لذلك نجد البطل الأميركي قوي الجسمان، قادرا على الفتك بالعشرات من الأشرار ويحطم الجبال ويقهر المرض والموت، فأميركا تصنع بطلا لا يموت ولا يمرض.
وقالت مدربة التمثيل مروة جبريل لـ”العرب” إن مصر لا توجد فيها صناعة نجم، وسبب ذلك ليس فقط غياب المؤسسة بل عدم تعاون شركات الإنتاج فيما بينها، إذ كل منها تعمل في جزيرة منعزلة عن الأخرى، والمنتج دائما يبحث عن الخلطة الفنية التي تجعل من عمله الفني تجاريا يعود عليه بالمكسب المادي، وطالما أن ذلك يحقق ما يسعى إليه، فلماذا يشغل نفسه بمسألة صناعة النجم هذه؟
وتتوقع جبريل أنه في حال انتعاش صناعة الفن في مصر بصفة عامة، فمن الممكن أن يكون هناك المزيد من الاهتمام بفكرة صناعة النجم، ولن يتم ذلك إلاّ بإرادة جماعية من صناع الفن كلهم.
وذهب عدد من النقاد إلى أن الكثير من الممثلين هذه الأيام باتوا مثل “مُرتجع” المصانع من السلع التي بها عيوب، ويبقى السؤال الحقيقي هو: لماذا فشلت صناعة النجوم في مصر؟ وهل مصر في حاجة إلى بناء مؤسسات أو إنشاء أكاديمية تكون وظيفتها صناعة النجوم؟