صناعة الصمغ السوداني تقاوم بلا جدوى منغصات الحرب

تحول تركيز الخبراء إلى صناعة الصمغ العربي في السودان التي اعتبروها في ظل الظروف الراهنة مهددة بتعطيل سلسلة الإمدادات ليس محليا فقط، بل وعالميا، بالنظر إلى الضبابية التي تلف عمليات الإنتاج والتصدير، وتبث المزيد من القلق في أوساط القطاع.
الخرطوم – عكست المعارك العسكرية التي يعيشها السودان منذ أسابيع، وما يترتب عنها من شلل في الاقتصاد المنهك أصلا، حجم الأخطار التي تعترض قطاع صناعة الصمغ العربي كونه يشكل أحد درر إنتاج البلاد لكثرة الطلب عليه عالميا.
ويحاول منتجو الصمغ الذي يعتبر أحد أهم المجالات التي تعاني من صعوبات مالية كبيرة حتى قبل الأزمة الراهنة، مقاومة المنغصات للحفاظ على نشاط هذا القطاع بعدما بات مهددا بالتوقف تماما.
وقبل الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل الماضي، كان خمسة ملايين شخص يعتاشون من الصمغ العربي، المادة الأساسية التي تدخل في تركيبة المشروبات الغازية والعلكة.
ولكن اليوم، انخفضت أسعار الصمغ في السودان إلى النصف تقريبا، وغادر الأجانب الذين كانوا يشترونه البلاد، بينما تقع مخازنه في وسط المعارك.
وفي مدينة الأبيض وسط ولاية (محافظة) شمال كردفان، أحد أبرز أسواق الصمغ العربي على بعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم، يقول التاجر آدم محمد عيسى لوكالة فرانس برس إنها “كارثة حقيقية للمنتجين”.
ويُستخلص الصمغ من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا، وهو مستحلب ذو أهمية كبيرة يُستخدم في صناعات شتى، من المشروبات الغازية إلى العلكة مروراً بالمستحضرات الصيدلانية.
ويمتد حزام الصمغ العربي في السودان على مساحة تبلغ حوالي 500 ألف كيلومتر مربع من إقليم دارفور في غرب البلاد على الحدود مع تشاد إلى ولاية القضارف في شرقها قرب الحدود مع إثيوبيا.
وقاوم حزام الصمغ كل التحدّيات في السابق من الحظر الدولي الذي فرض على السودان في تسعينات القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين، وصولا إلى الأزمات وأعمال العنف المتكرّرة التي هزّت البلد منذ سقوط الرئيس السابق عمر البشير، إلى التغيّر المناخي.
وكانت الولايات المتحدة استثنت الصمغ العربي من العقوبات التي كانت تفرضها على الخرطوم خلال عهد البشير، لأهميته كمادة أولية لصناعة الأغذية والمشروبات وتعتمد عليه كبرى العلامات التجارية العالمية بكثافة.
ويعتبر السودان في صدارة البلدان المنتجة للصمغ، ويستحوذ على حوالي 70 في المئة من تجارته العالمية، بحسب الوكالة الفرنسية للتنمية.
ويقول رئيس مجلس الصمغ العربي مصطفى السيد خليل لفرانس برس “إذا فقدنا حزام الصمغ العربي سيغرق الجميع، ونحن كلنا في مركب واحد”، في إشارة إلى انقسام السودانيين.
ويشهد البلد فوضى عارمة منذ اندلاع المعارك قبل أكثر من شهر بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
ويتركّز إنتاج الصمغ العربي في الخرطوم حيث المعارك ضارية، ومنها يُصدّر إلى الخارج، لاسيما الولايات المتحدة، ويُنتج جزء آخر منه في إقليم دارفور حيث تدور معارك أيضا. ولم تصل المعارك إلى القضارف، لكن الأسعار تدهورت بشكل سريع.
ويقول عيسى “الآن هناك كميات كبيرة معروضة، ولا أحد يريد أن يشتري، لأن أصحاب الشاحنات يخشون المرور في طريقهم إلى الميناء الواقع في منطقة الحرب في الخرطوم”.
ويفيد سكان في الخرطوم أن عددا كبيرا من الشاحنات دُمّر في القصف، بينما قُتل عدد من السائقين. في الوقت ذاته، تضاعف سعر الوقود عشرين مرة.
وترى منسّقة مشروع دعم هيكلة قطاع الصمغ العربي بالسودان المموّل من الاتحاد الأوروبي فايزة صديق أن “الأزمة الحالية يمكن أن تؤثر على الصادرات، لأننا نواجه نقصا في الوقود يجعل النقل مشكلة”. وتضيف “ينقل الصمغ إلى الخرطوم حيث مراكز التجميع، لأن معظم الشركات المصدّرة تقع في الخرطوم”.
وأدى عدم الإقبال على شراء الصمغ بسبب الظروف الراهنة إلى تراجع سعره، وفق ما يقول منتج الصمغ أحمد حسين. ويتابع “تراجع سعر الطن من 320 ألف جنيه (627 دولارا) في نهاية مارس الماضي إلى 119 ألف جنيه (نحو 233 دولارا) حاليا”.
وتشير التقديرات الحكومية إلى أن صادرات الصمغ العربي تمثل حوالي 3.4 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للسودان سنويا وهو يحتل المرتبة السابعة بين القطاعات المنتجة في البلاد.
وكان السودان الذي صدر أكثر من آلاف الأطنان من الصمغ العربي العام الماضي بإيرادات تخطت نحو 130 مليون دولار، يخطط بمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لتنمية هذا القطاع خلال السنوات المقبلة.
ويشير المهندس الزراعي بالوكالة الفرنسية للتنمية فرانسوا جيرودي الذي عمل في السودان في السابق إلى أن صادرات السودان من الصمغ العربي بلغت حوالي 60 ألف طن العام الماضي، 40 ألفا من نوع الطلح و20 ألفا من نوع الهشاب.
233
دولارا سعر طن الصمغ حاليا بينما كان في نهاية مارس الماضي 627 دولارا
ونظرا إلى حالة عدم اليقين في السودان يصعب، بحسب رأي جيرودي، اليوم تحديد كمية الإنتاج أو التصدير. ويقول “كنا حتى قبل الحرب أطلقنا صيحة لإدراك التدهور السريع والمريع لبيئة حزام الصمغ العربي”.
ويضرب مثلا ولاية القضارف التي كانت على رأس قائمة الولايات الأكثر إنتاجا للصمغ العربي، وباتت “اليوم تأتي في المركز الثالث عشر”، مرجعا السبب إلى ارتفاع أعداد النازحين إليها من الولايات الأخرى.
إلا أن مسؤولا في هيئة المرافئ السودانية قال لوكالة فرانس برس إن “عمليات الاستيراد والتصدير تتواصل بشكل طبيعي”.
ومع ذلك يؤكد عثمان عبدالسلام الذي يعمل في أحد مكاتب الشحن البحري أن “حركة صادرات البضائع التي تمرّ عبر ولاية الخرطوم من كردفان ودارفور تأثّرت بصورة كبيرة وخصوصا الصمغ العربي”.
وعلى الرغم من الأخطار المحدقة بالصمغ العربي، أكدت الجمعية الدولية للترويج للصمغ التي تتخذ من هامبورغ مقرا في بيان، أن لا خطر وشيكا على الصناعات التي تستخدم الصمغ، لأن “الشركات تحتفظ بمخزون كاف من السودان ودول أخرى في مستودعاتها”. وأشارت إلى أن كلا من تشاد ونيجيريا هما دولتان يمكن أن تشكّلا مصدرين بديلين عن السودان في إنتاج الصمغ.
وبسبب قدرته على التأقلم مع الجفاف والتغير المناخي، راهنت دول عدة على الصمغ للتشجير في عدد من الدول الإفريقية مثلا. ووُضع مشروع ضخم يقضي بزراعة أشجار الصمغ في حزام يمتد من منطقة الساحل إلى القرن الأفريقي بهدف تنمية هذا القطاع المدر للملايين من الدولارات في سلسلة إنتاج طويلة.
