صناعة الشوكولاتة تدفع ضريبة تراكم الأزمات العالمية

تعطي أسعار الكاكاو الجنونية في الأسواق العالمية صورة أكثر وضوحا للخيارات المحدودة أمام صانعي الشوكولاتة، الذين يكافحون من أجل إيجاد نقطة توازن بين التكاليف والبيع للمستهلكين لتحقيق عوائد مرضية تجعلهم يستمرون في أعمالهم دون تكبد خسائر.
زيورخ (سويسرا) - تواجه صناعة الشوكولاتة، التي ظلت في الكثير من الأوقات خلال الأزمات بعيدة عن الأنظار، محنة لم تكن في الحسبان جعلت الكثير من الشركات تتذمر بسبب ما آلت إليه أوضاع القطاع جراء قفزة التكاليف.
ويجد الصانعون السويسريون أنفسهم هذه الفترة أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ فإما أن يزيدوا الأسعار نتيجة ارتفاع أسعار الكاكاو، ما قد يثني المستهلكين الذين يعانون أصلا تبعات التضخم عن شرائها، أو أن يضحّوا بقسم كبير من هوامش أرباحهم، ويكتفوا بالنذر اليسير منها.
ووصلت أسعار العقود الآجلة للكاكاو خلال الأسبوع الماضي إلى مستويات قياسية جديدة، إذ اقترب سعر الطن الواحد في نيويورك من تسعة آلاف دولار، وتجاوز سبعة آلاف جنيه إسترليني في لندن.
ويقول الخبراء إن ذلك الوضع سيحمل صانعي الشوكولاتة على زيادة أسعارهم أكثر فأكثر، مع أن هامش المناورة لديهم محدود بفعل الانخفاض في معنويات الأسَر في معظم أنحاء العالم بسبب الضغوط المسلطة على قدراتها الشرائية.
والعوامل التي جعلت هذه الصناعة في وضع سيء الآن كثيرة، فإلى جانب الطقس المتقلب بفعل التغير المناخي يبدو أن اضطراب سلاسل التوريد، بفعل الأزمات العالمية المستمرة منذ وباء كورونا، له تأثير كبير على أعمال القطاع.
وفي مطلع مارس الجاري نبّهت مجموعة ليندت أند شبرونغلي إلى أن أسعار منتجاتها سترتفع مجددا في 2024 و2025 بعدما سبق أن شهدت عام 2023 زيادة بمعدّل 10.1 في المئة.
وتراهن المجموعة على منتجاتها ذات هامش الربح المرتفع لتخفيف آثار الصدمة، كأقراص البرالين المحشوة أو أرانب عيد الفصح.
وقال مدير الشؤون العامة في اتحاد شوكوسويس لأصحاب العمل في القطاع توماس يوخ لوكالة فرانس برس إن الارتفاع الكبير في أسعار الكاكاو، معطوفا على زيادة أسعار السكر، “يزيد الصعوبات التي تواجهها الشوكولاتة السويسرية”.
ولاحظ يوخ أن الزيادة في أسعار الكاكاو تأتي في مرحلة بات فيها المستهلكون “أكثر تأثرا بالأسعار”، مشيرا إلى أن المصنّعين “يتحملونها جزئيا” حتى الآن، إذ “لا يستطيعون ترجمتها كليا إلى زيادة في أسعار البيع بالتجزئة”.
وأرجع السبب في ذلك إلى أنهم ملزمون بالتنسيق مع أصحاب متاجر السوبرماركت بشأن أي زيادة من هذا النوع، بحيث تكون في فترات محددة ولا تحصل بصورة مستمرة.
وسبق لتضخّم أسعار المواد الغذائية أن انعكس سلبا على حجم صادرات الشوكولاتة السويسرية التي انخفضت بنسبة 0.2 في المئة إلى نحو 150.5 ألف طن، وفقا لاتحاد شوكوسويس.
وتراجع استهلاك الفرد من الشوكولاتة في سويسرا بنسبة واحد في المئة ليصل إلى 10.9 كيلوغرام سنويا. إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، إذ أن أسعار الكاكاو شهدت زيادة جديدة، وتضاعفت منذ يناير الماضي بعد زيادة بنحو 70 في المئة في نيويورك ونحو 90 في المئة في لندن عام 2023.
وتعود هذه الزيادة إلى قلّة المحاصيل في الكوت ديفوار وغانا، وهما المنتجتان الرئيسيتان لحبوب الكاكاو في العالم، بفعل عوامل عدة من بينها كثافة الأمطار ومرض القرون، ثم موجة الجفاف.
وتضررت المحاصيل في غرب أفريقيا، وهي المنطقة الأعلى كثافة في زراعة الكاكاو، منذ عامين بسبب الآفات وسلسلة من الظواهر المناخية المتطرفة، ما يهدد العالم بنقص في الإمدادات للمرة الثالثة على التوالي.
وتعاني المصانع في غانا وكوت ديفوار بالفعل من الإغلاق، كما تضاف اللوائح البيئية الجديدة المرتقب فرضها في الدول الأوروبية المستوردة إلى العقبات التي تحول دون تصدير تلك الحبوب.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن فؤاد محمد أبوبكر، رئيس شركة غانا كوكا ماركتينغ لتسويق الكاكاو في المملكة المتحدة، قوله مؤخرا “لا توجد رؤية واضحة بشأن المحصول القادم”.
وأضاف أن “التحدي الذي يواجه كوت ديفوار وغانا هو أنه لا أحد يعرف كيف يمكنهما معالجة مشكلات الإنتاج، ولا توجد إمدادات للإنقاذ في الأشهر القليلة المقبلة”.
وإزاء ارتفاع تكاليف المواد الأولية غالبا ما يلجأ صانعو الأغذية إلى إعادة صوغ الوصفات، لكنّ الرئيس التنفيذي لمجموعة نستله مارك شنايدر وصف بـ”الخطأ” اعتماد “تغيير الوصفات والنكهات الآن، لمجرد زيادة تكاليف الكاكاو”.
وقال مؤخرا خلال إعلان النتائج السنوية للمجموعة التي تُنتج أصنافا عديدة، من أبرزها أقراص البرالين كاييه، إن “لدى المستهلكين توقعات دقيقة جدا بالنسبة إلى منتجاتهم المفضلة”.
وتبدو “الوصفات مقدّسة” أيضا في نظر جيسيكا هيرشكوفيتز، مديرة التواصل في شركة كاميّ بلوك منتجة ألواح البرالين راغوزا. أما الحلّ الآخر الذي تشكل راغوزا مثالا تاريخيا له فيتمثل في ابتكار منتجات جديدة.
ففي عام 1942 ما كان من كاميّ بلوك، في ظل صعوبة استيراد الحبوب إلى سويسرا بسبب اضطراب حركة التجارة الدولية خلال الحرب العالمية الثانية، إلا الإقدام على ابتكار لوح الشوكولاتة بالبندق، إذ كانت لديه كميات كبيرة من البندق، فبات من أكثر منتجاته شعبية. وقالت هيرشكوفيتز “سيتعين علينا (قريبا) أن نمر عبر مربع زيادة الأسعار كجميع صانعي الشوكولاتة الآخرين”.
وقالت لوكالة فرانس برس إن هذه الشركة العائلية “بذلت قصارى جهدها لتجنب زيادة الأسعار”، ولاسيما من خلال الانتظار قدر الإمكان قبل تقديم طلبياتها الجديدة. لكنّ الزيادة في أسعار الكاكاو كبيرة إلى درجة أن “لا وجود لخيارات أخرى". ورأى المحلل جان فيليب بيرتشي في شركة فونتوبيل أن صانعي الشوكولاتة السويسريين لا يمكنهم التنازل عن الجودة “حتى لو كانت بعض المجموعات الأجنبية أقل حذرا".
وأضاف في تصريح لوكالة فرانس برس أن شركة ليندت مثلا "لا تقدم أي تنازل" لأن "الجودة هي أساس نجاحها". أما رئيس شركة ليندت أند شبرونغلي أدالبرت ليشنر فقد اعتبر أثناء إعلان النتائج السنوية للمجموعة أن الحل هو الحرص على أن يكون النطاق السعري واسعا بما يكفي. وقال "يجب أن تكون منتجات الشركة في متناول جميع الفئات أيا كانت قدراتها المالية، كأرنب عيد الفصح المتوافر بستة أحجام، لكي تتراوح بين عشرة غرامات وكيلوغرام واحد".