صناعة الساعات الفاخرة تتطلع لكسر حاجز تقلب المبيعات

جنيف - تعوّل دور صناعة الساعات الفاخرة على رفع القيود الصحية المرتبطة بالجائحة في الصين، ومواكبة طرق التسويق الجديدة باستخدام الرقمنة، لضمان تحقيقها نموا خلال هذا العام ومن دون التسرّع في رفع التوقعات الإيجابية.
ومنح فتح الصين لاقتصادها بعد ثلاث سنوات من الإغلاق بسبب كفاحها الشاق لمواجهة الوباء مصنعي الساعات الفاخرة بارقة أمل لاستعادة زخم مبيعاتهم بعد أشهر من التقلبات وارتفاع الأسعار.
ويشكّل ثاني أكبر اقتصاد في العالم سوقا رئيسية لشركات تصنيع الساعات التي تشارك هذا الأسبوع في معرض جنيف للساعات، إلا أن صادرات هذا النوع الفاخر من السلع تقلصت بنسبة 13.6 في المئة العام الماضي تزامنا مع الإغلاق الصيني.
وأظهرت إحصاءات لاتحاد مصنّعي الساعات أن مبيعات الساعات بدأت في فبراير الماضي تشهد انتعاشاً بلغ 8.2 في المئة على أساس سنوي.
وتوقع رئيس الاتحاد جان دانيال باشه في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية على هامش معرض "ووتشز أند ووندرز" الذي تشارك فيه 48 ماركة للساعات بينها "رولكس" و"باتيك فيليب"، أن "تستعيد الصين ديناميكية إيجابية".
ومع وقف العمل بالقيود الصحية المرتبطة بالوباء، رفع محللون ماليون كثر، بصورة كبيرة، توقعاتهم في شأن نمو قطاع الساعات عام 2023، فالمستهلكون ادّخروا مبالغ كبيرة خلال الحجر الصحي.
ويشير محللون من بنك أتش.أس.بي.سي إلى أرقام تقديرية تحوم حول قرابة 959.87 مليار دولار جرى ادّخارها على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ويتوقع محللون من مورغن ستانلي زيادة إنفاق المستهلكين الصينيين على السلع الفاخرة بنسبة 20 في المئة خلال العام 2023.
وبحسب تقديراتهم، ساهم محبّو السلع الفاخرة في الصين بنحو 60 في المئة من نمو هذا القطاع بين عامي 2000 و2019.
وكان نحو ثلاثة أرباع إنفاقهم يتم في عمليات شراء خارج الصين، وهو ما يمثل ثروة مالية للمتاجر الفاخرة في أوروبا، مع العلم أنهم اعتادوا شراء المنتجات من الصين منذ جائحة كوفيد-19.
وفي مؤتمر صحفي من معرض الساعات، أبدى مسؤولون من مجموعة ريشمون السويسرية العملاقة حذرا.
ويقول رئيس “كارتييه”، الماركة الأبرز للمجموعة، سيريل فينيورون “نلاحظ أن الزبائن عادوا إلى المتاجر مع رغبة كبيرة في شراء المنتجات”، مشيراً إلى أن “تغيّر مسار سوق مهمة كهذه يؤثّر على آسيا برمّتها”.
إلا أنّ التنبؤ بتطوّر السوق على المدى القصير لا يزال صعبا، بحسب بوركهارت غروند المدير المالي لريشمون، رغم أنه يظهر “تفاؤلاً في ما يخص الصين على المدى المتوسط”.
وفي خضم ذلك يحرص مصنعو القطاع على مواكبة الزمن بوسائل مختلفة، منها تطبيقات على الشبكات الاجتماعية كسناب تشات وإتاحة الدفع بواسطة عملة بيتكوين المشفرة، سعيا منهم إلى جذب المراهقين وجعلهم محركاً قوياً لنموّ هذا القطاع.
ويهتم أبناء جيل الألفية المولودون بين 1980 و1997 وأبناء الجيل زي المولودون بين عامي 1997 و2010 باكراً بالماركات الفاخرة.
ويتوقع أن يزيد إنفاقهم ثلاث مرات أسرع من الأجيال الأخرى بحلول عام 2030، بحسب دراسة أجراها الاتحاد الإيطالي للماركات الفاخرة ألتاغامّا وشركة باين أند كومباني الاستشارية.
وفي معرض “ووتشز أند ووندرز”، الذي اختتمت فعالياته الأحد في جنيف، أدرك صانعو الساعات السويسريون جيدا هذا المنحى.
وشدد رئيس “رولكس” جان – فريديريك دوفور خلال المعرض على أهمية أن تُبيّن الشركات “مرة واحدة سنويا أن وضع الساعة لا يزال على الموضة، بل إنه أمر يناسب جيل الشباب”. واعتبر أن على القطاع جذب هذا الجيل “الذي يرى كل شيء من خلال الشاشات”.
وفي جناح مخصص للابتكارات، راحت ممثلة عن سناب تشات تقدّم شرحاً عن تطبيق يتيح تجربة الساعات افتراضياً على هاتف ذكي أو جهاز لوحي. وتتكيف الصورة مع معصم المستخدم لتجربة الموديلات الرئيسية في تشكيلة “كارتييه” أو اختيار ألوان ساعات “أوبلو”.
وتوجهت “دار إرميس” في جناحها إلى الجيل الجديد من خلال مجموعة رسوم للساعات مستوحاة من مربعاتها الحريرية، أحدها يمثل أميرة على حصان تلتقط صورة “سلفي” ذاتية.
ورأى جان فيليب بيرستشي المحلل في شركة فونتوبل في دراسة أن “هذا الجيل الشاب، خلافاً للاعتقاد السائد، يتمتع بقوة اقتصادية أكبر من الأجيال السابقة”. وأضاف “إنهم يكسبون أكثر، ويدخرون أكثر ويستثمرون في سن مبكرة”.
وقدّر بأن 80 تريليون دولار كقيمة الأموال والممتلكات التي ستنتقل إلى جيل الألفية والجيل زي خلال العقدين المقبلين.
ومع ذلك، يجد هذا الجيل على المدى القريب صعوبة في العثور على سكن في ظل ارتفاع أسعار العقارات، وفق ما أشار محللون من مورغان ستانلي.
ولاحظ المحللون أن نحو نصف الشباب الأميركيين الراشدين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً لا يزالون يعيشون مع والديهم بحسب التعداد السكاني في الولايات المتحدة، “وهو مستوى غير مسبوق منذ أربعينات” القرن العشرين.
واستنتجوا أيضا أن “لدى الشباب، رغم عجزهم عن دفع بدلات الإيجار، المزيد من الدخل المتاح للإنفاق على السلع الفاخرة”.
وقال رئيس “دار آش موزير” إدوار ميلان لوكالة الصحافة الفرنسية إن فئة من الزبائن “أصغر سناً وأكثر تعلقاً بالتقنيات الرقمية” تبرز في آسياً حيث الثروات الكبيرة.
وأفاد بأن مصدر “أكثر من 50 في المئة من المبيعات في الصين” هو الجيل زي وجيل الألفية.
وهذه الماركة التي دخلت عالم ميتافيرس باعت أيضاً منتجات سدد الشارون ثمنها بواسطة البيتكوين، منها ساعة بسعر 350 ألف فرنك سويسري (نحو 380 ألف دولار) بيعت لقاء 10 بيتكوين. ويقول ميلان “لقد قمنا بتصوير الصفقة”.
ولاحظ محللو “ستانلي مورغان” أن الموديلات الرئيسية لكبرى الماركات تلقى “إقبالاً خاصاً” لدى أبناء هذا الجيل الذين يولون أهمية كبيرة لنشر صور ما يشترونه عبر إنستغرام.
وأوضح المحللون أن هذا الجيل يرغب في منتجات "يمكن تمييزها فورا" وخصوصا في ما يتعلق بالساعات التي "يمكن إبراز شعارات الماركات أو الأحرف التي ترمز إليها بدرجة أقل مما هو متاح في السلع الجلدية أو الملابس الجاهزة".
وقال الفرنسي كريستوف أوب الذي يعيش في أستراليا حيث أسس العلامة التجارية "بازول" بعد مسيرة مهنية في صناعة الساعات في سويسرا إن "البعض يرغب، على العكس من ذلك، في التميز بساعة لا يمتلكها الآخرون".
ويحرص أوب دائما على أن تتضمن ساعاته التي يصنعها في سويسرا ما يرمز إلى أستراليا. وقال "خسرنا هذا الجيل بسبب الهواتف المحمولة، لكننا استرجعناه بفضل ساعة أبل".
واستعان الفرنسي أخيراً بنجوم شبكات التواصل الاجتماعي لبيع موديل يبلغ سعره 1200 دولار عبر الإنترنت. وأكد أوب أن الشباب “عادوا إلى عادة وضع شيء ما على المعصم مع الساعات المتصلة عبر الإنترنت، أما الآن فباتوا يرغبون في شيء آخر”.