صناعة البلاستيك في مفترق تحديات دعم الاقتصاد الأخضر

أوتاوا - تشكل مخلفات البلاستيك نقطة شائكة مركزية أخرى في جهود التحول النظيف وذلك في خضم مساعي الحكومات لتنفيذ برامجها لحماية المناخ خاصة وأن الاستثمار في هذا المجال لا يزال يحمل في طياته المخاطر مع أنه يبدو أقل تهديدا قياسا بالفحم.
وتتعرض الدول لضغوط من أجل إحراز تقدم بشأن أول معاهدة عالمية على الإطلاق بشأن البلاستيك هذا الأسبوع، لكنها تواجه مفاوضات متوترة في العاصمة الكندية مع انقسام الأطراف بشدة حول ما يجب أن تتضمنه المعاهدة مع بدء المحادثات الثلاثاء الماضي.
ويشارك المئات من المندوبين، بما في ذلك مفاوضون وجماعات ضغط ومراقبون لا يهدفون إلى الربح، في قمة أوتاوا، وهي جولة رابعة قبل التوصل إلى اتفاق نهاية 2024، ما يجعلها واحدة من أسرع الجهود الرامية إلى التوصل إلى معاهدة بقيادة الأمم المتحدة حتى الآن.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إن “هذه العملية هي بلا شك عملية متسارعة وطموحة، لأنه ليس أمامنا عقود من الزمن للعمل”.
وإذا تمكنت الحكومات من الاتفاق على معاهدة ملزمة قانونا لا تتناول فقط التخلص من المواد البلاستيكية، بل أيضا الكمية التي يتم إنتاجها واستخدامها، فقد تصبح أهم اتفاقية لمعالجة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري العالمي منذ اتفاق باريس عام 2015.
ويمثل إنتاج البلاستيك نحو 5 في المئة من الانبعاثات المناخية ويمكن أن يرتفع إلى 20 في المئة بحلول عام 2050 ما لم يكن محدودا، وفقا لتقرير صدر الأسبوع الماضي عن مختبر لورانس بيركلي الوطني الفيدرالي الأميركي.
وتدخل نحو 13 ألف مادة كيميائية في صناعة البلاستيك، 3200 منها “ذات خصائص خطيرة” تؤثر على صحة الإنسان والبيئة، دون إغفال أن هناك مواد أخرى لم يتم تقييمها بعد، وفقا لتقرير سابق لمنظمة “غرين بيس”.
وعندما اتفقت الدول قبل عامين على التفاوض على معاهدة ملزمة قانونا بحلول نهاية هذا العام، دعت إلى معالجة دورة الحياة الكاملة للمواد البلاستيكية من الإنتاج والاستخدام إلى النفايات.
ولكن مع انطلاق المفاوضات في أوتاوا، برزت معارضة شديدة من جانب جماعات الضغط البتروكيماوية والبعض من الحكومات التي تعتمد على الوقود الأحفوري للحد من الإنتاج أو حظر بعض المواد الكيميائية.
وبحسب لويس فاياس فالديفييزو رئيس قمة أوتاوا تم تقسيم المندوبين إلى سبع مجموعات عمل لمناقشة القضايا التي لم يتم حلها، بما في ذلك ما يجب أن تتضمنه المعاهدة وكيفية تنفيذها.
وقال فالديفييزو، وهو أيضا نائب وزير خارجية الإكوادور، لرويترز إن “الوقت ليس أفضل حليف لنا”. وأضاف “نحن في حاجة إلى بدء التفاوض منذ اليوم الأول للقمة”.
وخلال محادثات المعاهدة الأخيرة في نوفمبر الماضي، في نيروبي، كان هناك دعم قوي من 130 حكومة لمطالبة الشركات بالكشف عن كمية البلاستيك التي تنتجها، والمواد الكيميائية التي تستخدمها في هذه العملية.
ومع اتجاه إنتاج البلاستيك إلى زيادة ثلاثة أضعاف بحلول عام 2060، يقول المؤيدون إن مثل هذه الإفصاحات هي خطوة أولى أساسية في السيطرة على النفايات البلاستيكية الضارة.
وتنتهي الغالبية العظمى من البلاستيك كقمامة تشوه المناظر الطبيعية، أو تسد الممرات المائية أو في مدافن النفايات وتضر بالصحة العامة.
وفي حين يتم حرق ما يقرب من خمس النفايات البلاستيكية في العالم، مما يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من انبعاثات الكربون، يتم إعادة تدوير أقل من 10 في المئة منها، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
ومع ذلك، فقد عارضت مجموعة من الدول المعتمدة على الوقود الأحفوري، والتي تطلق على نفسها اسم “الدول ذات التفكير المماثل”، الحد من الإنتاج أو حظر بعض المواد الكيميائية.
وتقول المجموعة، التي تضم السعودية والصين، إن المعاهدة يجب أن تركز فقط على تتبع النفايات البلاستيكية.
وتتقاسم صناعة البتروكيماويات هذا الموقف. وقال ستيوارت هاريس، المتحدث باسم المجلس الدولي للجمعيات الكيميائية “نتطلع إلى الاتفاقية لتسريع الإجراءات التي تقوم بها الصناعة بالفعل من تلقاء نفسها”، مثل تعزيز التدوير وإعادة تصميم المنتجات البلاستيكية.
ورفض المسؤولون السعوديون التعليق. لكن شركة النفط المملوكة للدولة أرامكو تقول إنها تخطط بحلول عام 2030 لإرسال ما يقرب من ثلث إنتاجها من النفط إلى منشآتها للبتروكيماويات لصنع البلاستيك.
مع انطلاق المفاوضات في أوتاوا، برزت معارضة شديدة من جانب جماعات الضغط البتروكيماوية والبعض من الحكومات التي تعتمد على الوقود الأحفوري للحد من الإنتاج
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان إن بلاده، التي تنتج ما يقرب من ثلث البلاستيك في العالم، “تعلق دائما أهمية كبيرة على السيطرة على التلوث البلاستيكي، وترغب في العمل مع الدول الأخرى لتحقيق تقدم مشترك في المفاوضات”.
ومن غير الواضح ما إذا كانت غالبية الدول التي تطالب بحدود الإنتاج قادرة على إقناع الرافضين بدعم مثل هذا الإجراء. وتؤكد جماعات البيئة والعلماء على أن حدود الإنتاج ضرورية.
وقال بيورن بيلر المنسق الدولي للشبكة الدولية للقضاء على الملوثات إن “المزيد من إنتاج البلاستيك يعني المزيد من التلوث البلاستيكي”.
وتم التأكيد على هذه النقطة في رسالة نشرها الثلاثاء الماضي، 30 عالما يشكلون تحالف العلماء، الذين أخبروا المفاوضين أن الحدود القصوى لإنتاج البلاستيك هي الطريقة الوحيدة لمعالجة المشكلة، ودعوا الصناعة إلى تقديم أرقام مفصلة للإنتاج والكشف عن المواد الكيميائية التي يستخدمونها. لتمكين إعادة تدوير المكونات بشكل أكثر كفاءة.
وامتنعت الولايات المتحدة، أكبر مصدر للنفايات البلاستيكية، عن الانضمام إلى الكتل المتفاوضة.
وتشمل الإجراءات التي اقترحها مفاوضوها مطالبة الدول بمعالجة بعض المواد الكيميائية التي أثارت مخاوف على الصحة العامة، بالإضافة إلى المنتجات البلاستيكية “ذات الاستخدام الواحد” التي تعتبر مسرفة.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية لرويترز، لم تذكر هويته، إن الوفد الأميركي “يريد أن تكون المعاهدة طموحة في أهدافها ولكن للسماح للحكومات بأن تقرر كيفية تحقيق تلك الأهداف”.
وتدعو أكثر من 60 دولة تشكل ما يسمّى بالتحالف عالي الطموح، بما في ذلك أعضاء الاتحاد الأوروبي والمكسيك وأستراليا واليابان ورواندا، إلى إبرام معاهدة قوية تتناول الإنتاج وتتطلب الشفافية والضوابط على المواد الكيميائية المستخدمة في هذه العملية.
ولكن على عكس الولايات المتحدة، فإنهم يقولون إن المعاهدة يجب أن تفرض تدابير وأهدافا عالمية بدلا من نظام خطط العمل الوطنية.