صناعة الألعاب الإلكترونية على أعتاب طفرة في المغرب

إستراتيجية لتوفير ما لا يقل عن 6 آلاف وظيفة مباشرة بحلول سنة 2030 في 70 مهنة متصلة بالقطاع.
السبت 2025/02/01
نموذج مصغر لتجربة شاملة

تتزايد الدلائل على أن صناعة الألعاب الإلكترونية في المغرب ستدخل منعطفا مهما مع توقعات بنمو حجم الاستثمار في هذا القطاع الواعد والمقرون بشغف شريحة واسعة من الشباب بالانخراط فيه، وذلك بالتزامن مع اهتمام الحكومة بتطويره وجعله مساهما في الاقتصاد.

الرباط - يعطي نشاط مركز نيكست ليفل المتواجد في حي أكدال بالعاصمة المغربية الرباط مع امتلاء قاعة الألعاب الإلكترونية بحوالي عشرين شابا وشابة عيونهم مثبتة أمام شاشات الكمبيوتر، وسماعات على الرؤوس مرتبطة بالبلوتوث، مؤشرا على مدى تطور القطاع.

وبمجرد دخول الزائر القاعة يجد نفسه داخل عالم آخر حيث يتفاعل اللون الأحمر البرتقالي مع انعكاسات أجهزة الكمبيوتر المخصصة للألعاب. ويتكثف العالم هنا في تجربة غامرة تذكيها أجواء الشغف بالتكنولوجيا.

ويعد بدر البردعي (22 سنة)، وهو من الجيل الثالث للويب 3.0 والذي دخل عالم الألعاب الإلكترونية في وقت مبكر، “من المخضرمين” في المجال.

ويروي لوكالة الأنباء المغربية الرسمية تأثير شغفه بألعاب الفيديو على شخصيته وخياراته في الحياة، منذ أن كان في سن العاشرة.

وعبر مشاركاته في مسابقات من هذا النوع، حقق انتصارات عديدة في منافسات وطنية ودولية، كان آخرها فوزه في يوليو الماضي مع الفريق المغربي في الدوري الجامعي للألعاب الإلكترونية في دبي.

ويقول بدر بنبرة يشحذها الحماس والثقة بالنفس “مع فريقي، فولد وولكرز، لدينا طموح في خلق مشتل خصب وحقيقي للأبطال.”

نسرين السويسي: نعمل على تمويل المشاريع ودعمها بهدف تمكين الشباب
نسرين السويسي: نعمل على تمويل المشاريع ودعمها بهدف تمكين الشباب

ويعمل هذا الشاب على تنفيذ هذا المشروع التدريبي الخاص بمجموعة من اللاعبين الشباب بالشراكة مع المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما (آي.أس.أم.أي.سي).

وقال إن الهدف “أن نكون قادرين على تقديم دعم للشباب في مراحل مبكرة من حياتهم، وتوفير الفرصة لهم من أجل تنمية مواهبهم والرقي بطاقاتهم الإبداعية كاملة.”

ولم يكن الشاب يعلم في البداية أنه خلف الشاشات يوجد مجتمع من اللاعبين من مختلف الجنسيات، يتواصلون عبر المنتديات وقنوات البث المباشر والبطولات العالمية للألعاب الإلكترونية.

وأكدت المكلفة بتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية في المغرب بوزارة الشباب نسرين السويسي أن تحمس الشباب للألعاب الإلكترونية ليس وليد اليوم.

وأوضحت أن إستراتيجية الوزارة مكنت الشباب الممارسين لهذه الألعاب من البروز أكثر، خاصة أثناء معرض المغرب للألعاب الإلكترونية ومنصة صناعة الألعاب في المغرب، والتي يراد لها أن تكون فضاء رقميا في خدمة الفاعلين في المجال.

وقالت إن “الوزارة تعمل على تمويل المشاريع ودعمها لتمكين الشباب من إنشاء شركاتهم والعمل في كامل وقتهم بمجال شغفهم.”

وتهدف الوزارة إلى توفير ما لا يقل عن 6 آلاف وظيفة مباشرة بحلول سنة 2030، في 70 مهنة متصلة بالألعاب الإلكترونية، وخاصة تلك المتعلقة بتحريك الرسوم (ثنائية وثلاثية الأبعاد) والصوت والموسيقى والبرمجة والتسويق للعبة.

ومن المؤكد أن الألعاب تبرز باعتبارها وسيلة للإبداع، لكنها تمثل أيضا أداة استثمار قوية نظرا لحجم التداول المرتبط بها، لاسيما على المستوى العالمي.

وبالفعل، تقدر السوق المغربية لهذه الصناعة بنحو 2.24 مليار درهم (قرابة 220 مليون دولار)، وهو جزء ضئيل في سوق عالمية يبلغ حجمها 300 مليار دولار. لكنه رقم يبرز بوضوح الإمكانات الاقتصادية والمالية الكبيرة لهذا القطاع.

ويأتي إطلاق البرنامج التدريبي “صانع ألعاب الفيديو” المخصص لمهن تطوير ألعاب الفيديو في إطار اتفاق تعاون بين المغرب وفرنسا أبرم في أكتوبر الماضي برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ويشير عبدالصمد غاريس المكلف بأعمال تطوير الرقمنة في الجامعة الدولية بالرباط إلى أن البرنامج يستجيب لعدة تحديات من ضمنها تطوير المهارات المتقدمة ودعم تشغيل الشباب، فضلا عن المشاركة الفعالة في هيكلة المنظومة الإيكولوجية للألعاب.

وقال إنه “استنادا إلى مقاربة شمولية، ودمج كفاءات متنوعة من مختلف المناطق، سجل البرنامج أكثر من 2100 ترشيح، 35 في المئة منها إناث، وهي نسبة كبيرة على مستوى تحقيق المساواة.”

ولا تخفي زهور الحمدوشي، إحدى الشابات المستفيدات من برنامج التدريب، شغفها بالألعاب الإلكترونية منذ فترة طويلة.

وتقول خريجة جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (يو.أم 6 بي)، والمتدربة على تطوير ألعاب الفيديو في الواقع الافتراضي وتطبيقات الواقع المعزز، إن “مشروعي المهني يتمثل في إنشاء أستوديو خاص بألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد.”

وتؤكد السويسي، وهي أيضا مديرة معرض المغرب للألعاب الإلكترونية، أن “الألعاب ليست مجرد لعبة، فهي أيضا أداة للتقارب الثقافي.”

وقالت إن “الشباب يقومون بالفعل بالترويج لثقافتنا. فخلال لقاءاتنا بهم نرى لمسة مغربية في الألعاب التي يطورونها، من حيث المواقع والآثار والملابس (الجلابة، القفطان). فهم متشبعون بالثقافة المغربية إلى درجة أنهم يدمجونها بالفعل في ألعاب الفيديو.”

220

مليون دولار حجم سوق صناعة الألعاب الإلكترونية، بحسب ما تشير إليه التقديرات الرسمية

وبالنسبة إلى كارين هوبيلار، المديرة والمؤسسة المشاركة لمدرسة إيسارت ديجتال الباريسية، الشريك الأكاديمي لبرنامج التدريب فيديو غيم كريتور بالجامعة الدولية للرباط، فإن المغرب يتوفر على مؤهلات ثقافية وفنية وتاريخية “لا يمكن إنكارها.”

وقالت إنه “يتعين استغلالها في مجال ألعاب الفيديو،” معتبرة أن صناعة الألعاب الإلكترونية تبرز كقاطرة للاستثمار والتنمية من شأنها تعزيز إشعاع الثقافة المغربية على الصعيد الدولي.

وهذا تحديدا هو هدف المشروع الذي يقوده عصام الشنتوي، المستفيد من برنامج فيديو غيم كريتور، والذي يقوم بتطوير لعبة فيديو صنعت بالمغرب، على إيقاع الهندسة المعمارية وتاريخ المآثر التاريخية لمدينة مراكش.

ويقول عصام الذي يتعاون مع أقرانه “هذا المشروع رأى النور على مقاعد الدراسة الثانوية، وبدأ يبرز على مر السنين بفضل التدريب الذاتي في البرمجة والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد.”

وتؤكد السويسي أنه لتمهيد الطريق للقطاع من المتوقع أن ترى مدينة مخصصة للألعاب النور قريبا في مدينة الرباط، تليها بنى تحتية أخرى في الدار البيضاء ومناطق أخرى من البلاد.

وأشارت هوبيلار الى أن هناك مبادرات تندرج في إطار الجهود الرامية إلى تطوير صناعة ألعاب الفيديو بالمغرب، مضيفة “أننا مازلنا بحاجة إلى أن نكون قادرين على تدويل المنتج.”

وقالت “يكمن التحدي في القدرة على تعزيز انتشار المنتج عالميا، لاسيما بالنسبة إلى الناشرين والمطورين. لذلك يتعين على المبدعين الشباب المغاربة أن يستوعبوا هذا الموضوع إنْ أرادوا التألق خارج الحدود.”

وهذه الرغبة عبر عنها البردعي الذي يجسد طموح جيل كامل من اللاعبين المغاربة قائلا “أريد أن أصبح أفضل لاعب في المغرب وفي المنطقة، وأن أبني صيتا قويا في ساحة الألعاب العالمية.”

10