صناعة الأحذية يدويا في لبنان تقاوم من أجل البقاء

برج حمود (لبنان) - يواجه المئات من أصحاب المهن التقليدية في لبنان ومن بينهم صانعو الأحذية شبح التوقف عن النشاط تماما بعدما خلفت الأزمة المالية ندوبا عميقة على أعمالهم قد لا يمكن معالجتها قريبا مع استمرار نزيف الاقتصاد المتداعي.
ويجد الكثير من الحرفيين أنفسهم في ورطة بعدما تراجع نشاطهم وتقلصت مبيعاتهم، مما دفع الكثيرين منهم إلى ترجيح دخولهم في أزمة عميقة بسبب تراكم الديون أو قد تضطرهم الأوضاع المالية إلى التوقف بعد تقلص أعداد الزبائن.
ويختزل صانع الأحذية هاغوب كشيشيان في ورشته ببرج حمود وهي إحدى البلدات التابعة لقرى قضاء المتن في محافظة جبل لبنان، وضع هذه المهنة التي باتت على وشك الاندثار.
الكثير من صانعي الأحذية يدويا بمختلف مناطق البلاد يعانون من المشكلة ذاتها وخاصة بالضاحية الجنوبية لبيروت وبعض القرى
ويسرد كشيشيان، وهو أب لثلاثة أبناء، لتلفزيون رويترز حجم المتاعب التي يعانيها يوميا من أجل تحصيل البعض من النقود جراء تكاليف المواد الأولية وأيضا اختفاء الزبائن لعدم قدرتهم على مجاراة وتيرة المعيشة الباهظة.
وبصعوبة يكافح من أجل الحفاظ على استمرارية نشاطه حاله حال مختلف القطاعات الأخرى، في ظلّ الفوضى السياسية والظروف الاقتصادية والمالية التي تزداد سوءا منذ أكتوبر 2019.
ويستيقظ الحرفي الذي ذاع صيته في حيه ولُقِب بـ”جاكسون” بسبب حبه الشديد لفرقة موسيقى البوب (الجاكسون 5) ولأحذية جاكسون الشهيرة التي يصنعها، الساعة الثالثة أو الرابعة فجرا حيث يلتقي بأصدقائه لتناول القهوة ويفتح ورشته الساعة السادسة صباحا تقريبا.
ويتمنى كشيشيان المعروف بشخصيته ومظهره المميز وقبعاته وسيجاره وحبه للغناء والموسيقى لو يستطيع فتح ورشته لمدة تزيد على الرابعة مساء، لكن نظرا للوضع الاقتصادي في لبنان، فقد تضاءل عبء عمله وأصبح من الصعب عليه الحفاظ على مهنته.
ويقول إن كل شخص اليوم يبحث عن حذاء يتناسب مع إمكانياته المادية وأغلب قيمة ما يتم إنتاجه يوازي تكلفة المواد الأولية، ما يعني لا أرباح تذكر.
ويشير خلال حديثه إلى مجموعة من الأحذية حيث سعر الجلد المصنوع منها يبلغ مئة دولار، أي أن سعر الزوج الواحد يتراوح بين 15 و20 دولارا، وبالتالي مع هذا الغلاء “تموت الصناعة”.
فقدان المواد الأولية وتكاليفها المرتفعة إن وجدت، يجعلان من يمتهنون هذه الحرفة في صراع من أجل البقاء
وليس ذلك فحسب، بل إن تكلفة الكهرباء وصيانة الآلة التي تخيط الأحذية لها دور كبير في التأثير على هذا النشاط.
والكثير من صانعي الأحذية يدويا بمختلف مناطق البلاد يعانون من المشكلة ذاتها وخاصة بالضاحية الجنوبية لبيروت وبعض القرى، حيث لا يتعدى عدد العاملين في القطاع ثلاثة آلاف شخص أو أقل بعدما كانوا ضعف هذا الرقم أربع مرات قبل نحو عقد.
ويتنافس كشيشيان مع واردات أرخص أغلبها تأتي من الصين، ويقول إن صناعته تتأثر أيضا بارتفاع الأسعار ونقص المواد الخام المتاحة مع ليرة منهارة.
ومع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وعدم قدرته على دفع ثمن مولد خاص، ينتظر ببساطة عودة الكهرباء أو ينتهي به الأمر بالعمل يدويا باستخدام مُدى ومطارق وكماشة.
وقال إن “الآلة تحتاج إلى كهرباء وأنا أحتاج إلى أربعة ملايين ليرة كفاتورة شهرية حتى تستمر إمدادات الكهرباء”، ويتساءل “من أين سآتي بهذا المبلغ إذا لم أعمل؟”.
وأضاف “أنا مضطر الآن لكي أرسل الأحذية لأحد المصانع حتى أكمل العمل وأجهزة الكمية التي سأبيعها”.
وأمضى كشيشيان قرابة خمسة عقود في تصميم الأحذية وافتتح ورشته الخاصة في العام 1965 عندما كان يبلغ من العمر 18 سنة.
وضمت ورشته حينها عشرين عاملا ولم يكن يهدأ العمل بسبب الطلبيات، لكن العدد انخفض في ما بعد إلى ثمانية عمّال على الأقل حتى أصبح اليوم يعمل بمفرده لقلة المداخيل وصعوبة دفع الأجور لهم.
وكانت الورشة تنتج ما يقرب من مئة حذاء شهريا، لكنه حاليا يبقي ورشته مفتوحة للعمل على الإنتاج الصغير لتحقيق شغفه بالحرفة.
وقال كشيشيان “المواد الأولية غير متوفرة في السوق، لأن حرفتنا تحتاج إلى الكثير منها، أهمها الجلد والمواد اللاصقة والمسامير والنعل والأشرطة وغيرها”. وأكد أنه في حال “عثرنا عليها مهما كانت الكمية قليلة سنشتريها لكي نواصل العمل”.