صناديق الثروة الخليجية تفرض منهجية جديدة للاستثمار في أصولها

مديرو الأصول يعيدون حسابات إستراتيجية جذب استثمارات المنطقة.
الأربعاء 2024/08/14
نريد لدولاراتنا أن تدر المزيد من الدولارات!

تتزايد الأحاديث عن تحول ديناميكيات القوة في المستويات العليا من التمويل في ظل المليارات، التي تدرها دول الخليج، حيث بدأت شركات إدارة الأصول في إعادة حساباتها للظفر بصفقات جديدة، ولكن تكون مجزية بالنسبة إلى صناديق الثروة في المنطقة.

أبوظبي/نيويورك - شرع عمالقة مديري الأصول في إعادة تشكيل إستراتيجياتهم التقليدية طويلة الأمد لاقتناص جزء من أموال الصناديق السيادية الخليجية التي تدير أصولا بقيمة 4 تريليونات دولار.

ويشير المتابعون إلى أن الأيام التي كان يسافر فيها كبار المسؤولين في شركات الأسهم الخاصة ومديرو صناديق التحوط إلى الخليج ويتنقلون بين فنادق الخمس نجوم والأبراج الإدارية اللامعة في أبوظبي والدوحة والرياض، ثم يغادرون بشيكات ضخمة، قد ولت.

وتدرك الصناديق الخليجية تماما أهميتها بالنسبة لأسواق المال الغربية، وبالتالي فإنها تُطالب مديري الأصول بشكل متزايد بتوضيح ما سيفعلونه مقابل الحصول على استثمارات.

كما يجري حث هذه الشركات، وأحيانا يُطلب منها مباشرة، عقد اجتماعات أكثر في الخليج، وإنشاء مكاتب محلية، وجلب المزيد من الموظفين للعيش والعمل في المنطقة.

وعلى سبيل المثال، نقلت شركة أبولو غلوبال مانجمنت نحو 200 موظف إلى أبوظبي هذا العام، كما نظمت فعاليات واجتماعات على مستوى رفيع مع شركاء محليين مثل شركة مبادلة للاستثمار.

كما سمحت شركة بلاكستون لإدارة الأصول للمزيد من المستثمرين من صناديق الثروة السيادية بالتدرب ضمن فرقها داخل الشركة.

كين كاليجا: الأمر لم يعد يتعلق بإنفاق المال، بل بالمردود الإستراتيجي
كين كاليجا: الأمر لم يعد يتعلق بإنفاق المال، بل بالمردود الإستراتيجي

وتظهر مقابلات أجرتها وكالة بلومبيرغ مع أكثر من عشرة مستثمرين ومحامين ووسطاء في المنطقة، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، أن مجموعة من صناديق الثروة في السعودية والإمارات وقطر تستعرض قوتها المالية بطريقة غير مسبوقة.

وتزايد نفوذ هذه الصناديق يوشك أن يغير اقتصاديات ما كان يُعد تقليديا أحد أكثر أركان صناعة الاستثمار ربحية، حيث تتخلى الشركات عن ترتيباتها التقليدية المتعلقة برسوم الإدارة والأداء لتتمكن من تأمين الالتزامات لصناديقها الجديدة.

وفي الوقت نفسه، بدأت صناديق الثروة السيادية الأكبر في تقليص علاقاتها والتركيز على عدد أقل من مديري الأصول.

وقد يكون هذا مفيدا بالنسبة للمديرين الماليين البارزين الذين يتمتعون بعلاقات طويلة الأمد، لكنه يزيد في المقابل من حدة التوترات في المنطقة التي يساهم أفراد من الأسر الحاكمة وكبار المستشارين عادة في اتخاذ القرارات بها.

والأمر الأكثر لفتا للانتباه هو أن الحرب في غزة وضعت الدبلوماسية المالية على المحك، إذ شعر بعض مديري الصناديق الخليجية بالإحباط من مليارديرات أميركيين، مثل لاري فينك من بلاك روك ومارك روان من أبولو، بسبب تأييدهم لإسرائيل.

ورغم أن تلك التعليقات لم تضر بقدرة شركاتهم على تعميق العلاقات المالية مع المنطقة، فإنها تعكس التحديات الصعبة التي يواجهونها لتوسيع أعمالهم.

وتشير التقديرات إلى احتمال وصول إجمالي أصول صناديق الثروة الخليجية إلى 7.6 تريليون دولار بحلول 2030، وبالتالي يطمح المستثمرون إلى المشاركة في الاستثمارات، والحصول على حصة أكبر من أرباح الصفقات.

ولكن الأهم من ذلك في خضم هذا المسار هو دعم اقتصادات المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على توافر كميات كبيرة من النفط والغاز رغم مساعيها لتنويع مصادر الدخل من السياحة والرياضة والتصنيع وغيرها.

ونسبت بلومبيرغ عن كين كاليجا، المستشار لدى روتشيلد آند كو قوله إن “الأمر لا يتعلق فقط بالعائد المالي، لكن ما النفع الذي يعود به؟ وهل أنت مستعد للانتقال لتأسيس شركة في المنطقة، ونقل التقنيات الحديثة لها؟”.

مجموعة من صناديق الثروة في السعودية والإمارات وقطر تستعرض قوتها المالية بطريقة غير مسبوقة

وخلال 2023 ساعد كاليجا في قيادة صفقة أبرمت مع صندوق الثروة السعودي واشترى بموجبها حصة تعادل 49 في المئة من فنادق روكو فورتيه هوتيلز.

وقال “لقد شهدنا تغييرا كبيرا في العامين الماضيين”. وأضاف “لا يتعلق الأمر فقط بإنفاق الأموال الآن، بل يجب أن تكون الصفقات ذا مردود إستراتيجي”.

وتشير الدلائل المبكرة إلى أن المؤسسات المالية مستعدة للالتزام بهذه القواعد الجديدة. ويعتبر صندوق الثروة السعودي، الذي يدير أصولا قيمتها 925 مليار دولار، من بين الصناديق الأشد حرصا على تحقيق مكانة أكثر بروزا على الساحة العالمية.

وعندما اشترى الصندوق حصة في مطار هيثرو في لندن، رأى فيه فرصة للحصول على أماكن للهبوط بطائراته الخاصة ودراسة كيفية إدارة مطار دولي كبير في إطار محاولته تطوير الرياض لتصبح واحدة من أبرز وجهات العالم.

ورغم أنه حتى الآن لا تملك كبرى شركات إدارة الأصول في العالم مقرا إقليميا في المنطقة، إلا أن الضغوط تتصاعد للقيام بذلك.

وحصل بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس مؤخرا على ترخيص، كما فتح كل من موليس أند كو ولازارد وجي.بي مورغان مكاتب أو عززت عدد الموظفين في الرياض.

كما تضغط صناديق الثروة على شركات إدارة الأصول لتخفيض الرسوم وتغيير هياكلها حتى تحصل على حافز لاستثمار الأموال بدلا من مجرد الاحتفاظ بالسيولة النقدية خلال فترة أسعار الفائدة المرتفعة حاليا.

صندوق الثروة السعودي يعتبر من بين الصناديق الأشد حرصا على تحقيق مكانة أكثر بروزا على الساحة العالمية

وأوضحت كايتي كوتش، الرئيسة التنفيذية لمجموعة تي.سي.دبليو، “انتقلنا من طلب المنتج إلى الرغبة في الشراكات الإستراتيجية فعلا. وهذا أمر شهدناه يحدث بصورة أكبر خلال العقد الماضي فقط”.

تسعى دول الخليج الكبرى الآن إلى ضخ الأموال في صناديق أميركية لسبب رئيسي واحد يتمثل في تنويع اقتصاداتها بعيدا عن الاعتماد على أرباح النفط.

ففي أبوظبي، مثلا، تركز مبادلة على الرهانات التي تساعد في الدخول باستثمارات بأجزاء أو قطاعات جديدة حول العالم، مثل الذكاء الاصطناعي والعلوم الحيوية والتكنولوجيا الطبية.

ويتوقع المسؤولون وجود احتياجات كهرباء هائلة مستقبليا جراء طفرة الذكاء الاصطناعي، ويخططون لجذب الشركات عبر توفير الكهرباء من المصادر المستدامة الرخيصة.

وكانت مبادلة أول صناديق المنطقة التي تؤسس شركتها الخاصة للاستثمار، ما تسبب فعلا في هزات لوول ستريت.

وبعدما منحت مؤخرا 700 مليون دولار لشركة أكويريان هولدينغز لاستثمارات الملكية الخاصة، تناقش مبادلة حاليا خططا لبيع جزء على الأقل من هذا الاستثمار، وعرض أجزاء منه على آخرين وجمع عمولات لنفسها. وامتنعت “مبادلة” عن التعليق على الأمر.

كايتي كوتش: انتقلنا من الطلب إلى الرغبة في الشراكات الإستراتيجية
كايتي كوتش: انتقلنا من الطلب إلى الرغبة في الشراكات الإستراتيجية

وكان جهاز قطر للاستثمار أكثر جرأة عندما يتعلق الأمر بالصفقات، حيث طالب بإعفاءات من الرسوم والإقرار بدوره للمشاركة في جوانب أكثر تعقيدا من صنع الصفقات، على غرار الاكتتاب.

ويشجع صندوق الثروة الذي تتجاوز أصوله نصف تريليون دولار الشركات العالمية على استقبال القطريين للتدريب، ويبذل مساعي أحيانا لتحسين مستويات مهارة فرق كاملة.

وأوضح محمد السويدي، الرئيس التنفيذي للاستثمار في الأميركتين بالجهاز، “نتمتع بقوة تفاوضية لأننا أثبتنا أننا نملك مكانة راسخة”.

ويسعى الصندوق لاستضافة المزيد من الفعاليات في الدوحة ويفضل الاستثمارات التي تتضمن ارتباطات محلية.

كما شارك في صندوق الاستثمار في أشباه الموصلات الذي جمعت تمويله شركة الاستحواذ الفرنسية أرديان، كجزء من جهد مبذول لبناء علاقات مع شركات يمكن أن تساعد على تطوير قطاع الرقائق في قطر.

ورغم ذلك، تبرز في الأفق تأثيرات جيوسياسية على المنطقة، حيث شهدت صناديق الثروة الخليجية تدقيقا أكبر في صفقاتها من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

واستعرضت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة السنة الماضية صفقات بمليارات الدولارات بسبب الخوف من أنها قد تشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي.

وتستمر بلاك روك في إبرام صفقات كبيرة في المنطقة، وقد حظيت الشركة منذ أمد بعيد بتمويل من الصندوق السيادي السعودي.

وأفاد تقرير لبلومبيرغ أبريل الماضي بأنها ستحصل على ما يصل إلى 5 مليارات دولار من الصندوق للاستثمار في منطقة الخليج العربي وبناء فريق استثمارات مقيم في الرياض.

وفي نفس الوقت تقريبا، استضافت بلاك روك مجموعة من كبار المديرين التنفيذيين والشخصيات الحكومية في الرياض، في أول حدث من هذا النوع في العاصمة السعودية.

وقبل فترة، عندما اشترى الصندوق حصة في سلسلة فنادق روكو فورتيه الفاخرة التي تضم 14 منتجعا أوروبيا، استغرق الأمر شهورا من المفاوضات وتوضيح تأثيرات الصفقة محليا. وتعهدت الشركة بالتوسع في الشرق الأوسط كجزء من صفقتها مع الصندوق.

10