صناديق الثروة الخليجية تغير نهجها في اقتناص الصفقات

التقلبات العالمية تفرض الحاجة إلى اعتماد أساليب جديدة تواكب احتمالات المخاطر الاستثمارية.
الثلاثاء 2025/05/27
النقاشات مستمرة بحثا عن حلول

تعكف صناديق الثروة السيادية الخليجية على إعادة تشكيل إستراتيجياتها الاستثمارية، مبتعدة تدريجيا عن النهج التقليدي الذي اعتمد على الاستثمارات الآمنة وطويلة الأجل، نحو مقاربات أكثر ديناميكية ومرونة تركز على اقتناص الفرص في قطاعات واعدة وأسواق ناشئة لتجنب تأثيرات التقلبات العالمية.

لندن - تعمل العديد من صناديق الثروة السيادية، وخاصة في منطقة الخليج، عادة بسرية تامة، ولكن من الواضح أنها بدأت تتخلى على ذلك التمشي بعدما فرض عليها عدم اليقين العالمي اتباع نهج جديد في اقتناص الصفقات لتفادي المخاطر المحتملة.

ومع تصاعد التنافس العالمي على الأصول ذات العائد المرتفع، وسعي دول الخليج إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، برزت هذه الصناديق كجهات فاعلة تسعى إلى اغتنام الفرص الإستراتيجية في التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية، وحتى الرياضة والترفيه.

وهذا التحول لا يعكس فقط تغيرا في أدوات الاستثمار فحسب، بل يشير إلى نضج أكبر في إدارة الثروة واستباق متغيرات السوق العالمي، بما يخدم رؤى التحول الاقتصادي طويلة الأمد في المنطقة.

الشيخ سعود الصباح: الاستثمار الخاص مضطرب خاصة الاستحواذات الكبيرة
الشيخ سعود الصباح: الاستثمار الخاص مضطرب خاصة الاستحواذات الكبيرة

وتسيطر الصناديق الخليجية العملاقة على ما يزيد عن 4 تريليونات دولار أميركي، ويمكن لأدنى تغيير في التخصيص أو حتى في الأسلوب أن يُحدث تحولات كبيرة في المشهد المالي. ولذلك، عادة ما تكون التعليقات العامة نادرة وحذرة إلى حد ما.

ويدرك قادة هذه الصناديق تماما أهمية نشاطهم وتوجهاتهم بالنسبة لأسواق المال الغربية، وبالتالي فإنهم باتوا يطالبون مديري الأصول بشكل متزايد بتوضيح ما سيفعلونه مقابل الحصول على استثمارات.

وشهد الأسبوع الماضي انحرافا عن هذا النهج، حيث أطلق رؤساء صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهيئة قطر للاستثمار، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية تحذيرات صريحة بشأن استثمارات محددة من المرجح أن تلقى صدى لدى المستثمرين حول العالم.

وجاءت الملاحظة الأبرز من الشيخ سعود سالم الصباح العضو المنتدب المُعيّن حديثا في هيئة الاستثمار الكويتية التي يبلغ حجم أصولها تريليون دولار.

وقال الشيخ سعود خلال جلسة نقاشية بمنتدى قطر الاقتصادي في الدوحة “أعتقد أن قطاع الاستثمار الخاص مضطرب للغاية، لاسيما في عمليات الاستحواذ الكبيرة، ورأس المال المغامر، وصعود أدوات الاستمرارية – وهذه علامة مقلقة للغاية”. وأضاف “لقد حان وقتهم.”

وتُعدّ الهيئة العامة للاستثمار من بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، وثاني أكبر صندوق في الشرق الأوسط بعد جهاز أبوظبي للاستثمار البالغ حجم أصوله أكثر من تريليون دولار.

وتنظر دول الخليج باهتمام إلى الاستثمارات الخارجية كونها لا تجلب رأس المال فحسب، بل توفر أيضا المعرفة القيّمة والوصول إلى الأسواق وفرص التكامل العالمي.

ياسر الرميان: إذا غيرت شيئا وخسرت جميع مستثمريك، فهذا تحذير
ياسر الرميان: إذا غيرت شيئا وخسرت جميع مستثمريك، فهذا تحذير

في المقابل تحقق استثمارات الصناديق السيادية تأثيرا أصغر بشكل ملحوظ محليا، حيث تولد زيادتها بالنسبة ذاتها نموا بنسبة 0.4 في المئة للفترة ذاتها، ما يعني أنها أقل فعالية بمرتين ونصف في توليد النمو من الاستثمارات الأجنبية.

ورغم التحذيرات الأخرى بشأن وضع قطاع الاستثمار الخاص، إلا أن نصيب صندوق الثروة الكويتي مهم، إذ لطالما كانت العديد من صناديق الثروة السيادية الخليجية الكبرى داعمة كبيرة لشركات الاستحواذ.

وأكد الشيخ سعود أن هذا القطاع عانى لسنوات في إعادة الأموال إلى المستثمرين، ورغم أن ذلك يعود في الغالب إلى قلة الصفقات والطروحات العامة الأولية، لكن بعض الشركات كانت تُقدّم عروضا بتقييمات يصعب عليها التخارج منها. وقال “الوقت يمرّ بسرعة.”

وجاء هذا التصريح بعد أيام على كلمة ياسر الرميان رئيس صندوق الثروة السعودي خلال فعالية في ألبانيا. فبعد عامين من تكبّد الصندوق خسائر جراء الانهيار السريع لبنك كريدي سويس، أعلن الرميان أنه لن يستثمر بعد الآن في الأسواق المالية السويسرية.

وتأثر مستثمرو الشرق الأوسط بشدة بقرار سويسرا المفاجئ بتجاوز أصوات المستثمرين، عندما استحوذ بنك يو.بي.أس على بنك كريدي سويس في عملية إنقاذ مدعومة حكوميا بخصم كبير.

وفي ذلك الوقت، كان البنك الوطني السعودي (البنك الأهلي) الذي يُعد صندوق الثروة أكبر مساهميه، يمتلك حصة تبلغ حوالي 10 في المئة في كريدي سويس.

وقال الرميان “لن نستثمر في الأسواق المالية في سويسرا.” وأضاف مخاطبا نويل كوين، الذي تولى مؤخرا منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة جوليوس باير، “إذا غيّرت شيئا ما بين عشية وضحاها وخسرتَ جميع مستثمريك، فهذه علامة تحذيرية كبيرة.”

ورد كوين قائلا “بصفتي رئيسًا لبنك سويسري قبل 10 أيام، فإن هذا الأمر يقلقني.”

محمد السويدي: السوق مكتظة للغاية، والاستثمار في الأسهم يبدو خطرا
محمد السويدي: السوق مكتظة للغاية، والاستثمار في الأسهم يبدو خطرا

ووسط هذه التعليقات، صدرت تحذيرات من جهاز قطر للاستثمار بشأن الائتمان الخاص، الذي يُعد من أكثر فئات الأصول رواجًا في الوقت الحالي، وقد جذب اهتماما كبيرا من صناديق الثروة الخليجية، بما في ذلك جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة مبادلة للاستثمار.

ومع ذلك، يبدو أن صندوق الثروة القطري يتبنى موقفا أكثر حذرا. ويقول محمد السويدي، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، الذي تبلغ قيمته 524 مليار دولار “إنها سوق مكتظة للغاية.”

وأوضح السويدي أن من أبرز المخاطر التي تواجه الاستثمار في الائتمان الخاص أنه قد يبدو استثمارا ائتمانيا، لكنه في الواقع استثمار في أسهم.

وأضاف “لذا، نحن حذرون للغاية”، مشيرا إلى أن إستراتيجية جهاز قطر للاستثمار في الائتمان الخاص تتمثل في “التركيز على عدد أقل من المديرين، والتوسع في حجم الأعمال.”

ويُلقي مسؤولو الدوحة بظلالهم على شركات وول ستريت سعياً لتحويل المدينة إلى المركز المالي الرائد في الشرق الأوسط.

وقد عُرضت على بعض الشركات إعانات مالية لتتمكن من تجديد مكاتبها في جميع أنحاء المدينة لتلبية احتياجاتها، وفقاً لما ذكره زملائي لورا غاردنر كويستا ودينيش ناير وماثيو مارتن.

وأُبلغت شركات أخرى بأن الحكومة ستدفع رواتب بعض موظفيها إذا ما توسعت أعمالها في المدينة.

وقال الشيخ علي الوليد آل ثاني، الرئيس التنفيذي لشركة استثمر في قطر، التي تصف نفسها بأنها جهة استشارية لرواد الأعمال والشركات المهتمة بالاستثمار في البلاد “لطالما كان نهجنا هو العمل نحو تحقيق ميزة تنافسية.”

وتعتزم الدوحة استخدام صندوق الثروة كأحد الروافع لتحقيق طموحاتها. وأفادت مصادر لوكالة بلومبيرغ بأن جهاز قطر للاستثمار قد يبدأ في تشجيع صناديق الاستثمار الخاصة والبنية التحتية على تأسيس أعمالها في البلاد مستفيداً من نفوذه كمستثمر.

11