صمارة يأخذ البرلمان التونسي إلى انهيار قيمي وتنظيمي غير مسبوق

دعوات إلى حل البرلمان وتحميل راشد الغنوشي مسؤولية ارتفاع منسوب العنف بعد الاعتداء على عبير موسي.
الجمعة 2021/07/02
تعاطف مع موسي حتى لدى المعارضين لأفكارها

تونس – أعاد اعتداء النائب الصحبي صمارة، الذي ينتمي إلى ائتلاف الكرامة الإسلامي الشعبوي، على رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي الجدل بشأن البرلمان وسط تجدد الدعوات إلى حله لما يعيشه من انهيار قيمي وتنظيمي غير مسبوق ووسط اتهامات لرئيس المجلس وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بالمسؤولية عن ارتفاع منسوب العنف بسبب عجزه عن القيادة ورفضه الاستقالة.

وقوبل اعتداء صمارة على موسي بموجة إدانة واسعة شملت رئاسة الحكومة واتحاد الشغل، فضلا عن أحزاب وجمعيات مدنية وحقوقية وشخصيات مستقلة أظهرت تعاطفها مع زعيمة الحزب الدستوري الحر وطالبت بتدخل القضاء لمعاقبة المعتدي.

ووفق مقطع مصور تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي قام صمارة من مكانه وتوجه إلى رئيسة الدستوري الحر (16 نائبا من 217) وصفعها، بينما كانت تقوم الأربعاء عبر هاتفها ببث مباشر لجلسة الموافقة على قانون يتعلق باتفاقية بين الحكومة وصندوق قطر للتنمية لفتح مقر له في تونس. كما تعرضت موسي للتهديد والشتم من جانب النائب سيف الدين مخلوف رئيس كتلة ائتلاف الكرامة.

وقالت عبير موسي، في تصريح صحافي، إنها لا تستطيع دخول البرلمان والبقاء فيه دون بث مباشر عبر هاتفها، خشية تعرضها لاعتداءات بدنية من نواب معارضين لها.

غازي الشواشي: المسؤولية يتحملها الغنوشي وعليه الاستقالة
غازي الشواشي: المسؤولية يتحملها الغنوشي وعليه الاستقالة

وكتبت موسي في تدوينة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “هذا وجههم الحقيقي.. عنف.. احتقار للمرأة.. قذف المحصنات.. تغول.. مغالبة”.

وأدانت الحكومة التونسية، التي يمثل ائتلاف الكرامة أحد مكونات حزامها السياسي، الاعتداء مؤكدة أن “العنف اللفظي والمادي مرفوض مهما كانت أسبابه ومهما كان مصدره”.

ونشر الاتحاد العام التونسي للشغل بيانا حمّل فيه الغنوشي مسؤولية الاعتداء الذي طال موسي. وأكد الاتحاد أنه “يدين بشدة هذا الاعتداء الجبان ويندّد بكتلة الإرهاب التي تعوّدت على ممارسة العنف ضدّ كلّ من يخالفها الرأي ويحمّل رئاسة مجلس نواب الشعب المسؤولية في تكرار هذه الممارسات المسيئة للعمل السياسي ولسمعة البلاد”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها البرلمان تحت رئاسة الغنوشي أحداث عنف وعراكا بالأيدي، وهو ما يعتبره مراقبون دليلا على فشل ما بات يعرف بالانتقال الديمقراطي في تونس، وأن الإسلاميين المستفيدين من هذه الفوضى يريدون الحفاظ عليها وتوسيع دائرتها كي تشمل أهم مؤسسة في النظام السياسي الحالي لدفع الناس إلى اليأس من التغيير، وهو وضع يسمح لهم بتنفيذ أجندتهم.

وحذر الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي من أن “السكوت عمّا يجري في البرلمان قد يدخل البلاد في دوامة العنف ويزيد من تعميق الأزمات”، داعيا “النيابة العمومية إلى أن تتكفل بالموضوع وتفتح تحقيقا في الغرض، وعلى رئاسة البرلمان أن تتخذ قرارا تجاه النائب المعتدي وترفع الحصانة عنه”.

وقال الشواشي، في تصريح لـ”العرب”، “إن رئيس البرلمان فشل في إدارة المجلس ولم يضمن لهياكله العمل بطريقة عادية (…) وهو يتحمل المسؤولية بدرجة أولى وعليه أن ينسحب من الرئاسة”.

من جانبه اعتبر رئيس الكتلة الديمقراطية نعمان العش ما جرى نقطةً سوداء في تاريخ البرلمان، محذرا من خطورة تكرر أعمال العنف في البرلمان وإمكانية انعكاسها على تطور منسوب العنف في الشارع التونسي، مستغربا من صمت النيابة العمومية عما جرى في البرلمان.

وحصلت موسي على تعاطف واسع حتى لدى معارضين لأفكارها وأدائها في البرلمان، ومن بينهم أحزاب وشخصيات من الحزام البرلماني للحكومة. وندد هؤلاء بالعنف الذي بات يطال النساء في البرلمان بعد اعتداءات سابقة كان أبرزها اعتداء نواب ائتلاف الكرامة على سامية عبو عضو الكتلة الديمقراطية.

وقالت شيراز الشابي العضو في كتلة قلب تونس حليفة النهضة، في تصريح لـ”العرب”، “لولا الوضعية الصعبة التي تمر بها البلاد لقدمت استقالتي من البرلمان”.

Thumbnail

واعتبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن مجلس نواب الشعب أضحى ساحة لتعنيف النساء وانتهاك حقوقهن وتحوّل إلى “فضاء غير آمن للنساء”.

وطالبت القاضية والناشطة كلثوم كنو بإيقاف الصحبي صمارة لثبوت اعتدائه على زميلته.

واعتبرت سامية عبو أن “ما حدث في البرلمان من عنف مادي واعتداء همجي من النائب صمارة ضد النائبة موسي فضيحة وعار ولا يجب أن يمر دون عقاب لمرتكبه”.

ويسيطر التوتر على أعمال البرلمان بسبب اعتصام نواب الحزب الدستوري الحر احتجاجا على تمرير اتفاقية تسمح بفتح مقر لصندوق قطر للتنمية في تونس وتعطيلهم الجلسات العامة أكثر من مرة.

وكانت كتلة الحزب الدستوري الحر أعلنت رفع دعوى قضائية ضد رئيس البرلمان بتهمة تدليس محاضر جلسات من أجل تمرير اتفاقية تركيز مقر صندوق قطر للتنمية في تونس.

سامية عبو: العنف الهمجي لا يجب أن يمر دون عقاب
سامية عبو: العنف الهمجي لا يجب أن يمر دون عقاب

وقالت الكتلة إنها تقدمت بشكوى طالبت بإبطال قرار مكتب مجلس الشعب (يضم رؤساء الكتل النيابية) المؤرخ في الرابع عشر من يونيو الماضي، والمتعلق بإحالة مشروع تأسيس مقر صندوق قطر للتنمية على الجلسة العامة للبرلمان للمصادقة عليه.

ووصف الدستوري الحر تلك الاتفاقية بأنها “استعمارية تضرب استقلال قرار تونس الوطني، وتمحو سيادتها على ترابها وتحولها إلى جنة لتبييض الأموال وخرق قواعد الحوكمة السليمة”.

ويعتبر منتقدو الاتفاقية أنها تأتي ضمن سياق المساعي القطرية للهيمنة على البلاد باستضعاف الجانب التونسي الذي يواجه أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية متفاقمة وصراعات سياسية، تقف فيها الدوحة بكل إمكاناتها إلى جانب تيار الإسلام السياسي بزعامة حركة النهضة.

واعتبرت عواطف قريش، من كتلة الدستوري الحر، أن مسار تمرير الاتفاقية تعرّض للتزييف شكلا، فضلا عن كون مضمونها يكرس التبعية ويتعارض مع مصالح تونس.

وأبرز الخبير الأكاديمي ووزير العدل الأسبق الصادق شعبان أن هذه الاتفاقية كان يجب أن توقع بين الدولتين: تونس وقطر، وليس بين تونس ووكالة عمومية وطنية (الصندوق) مهما كانت منافعها.

وأضاف “حين توقع دولة مع مؤسسة عمومية أجنبية عقدا لا يسمى اتفاقية دولية، أو معاهدة، ولا يجوز له الاستثناء من التشريع (منح إعفاءات وامتيازات) ولا يعرض أصلا على البرلمان”.

وتابع قائلا “لا يمكن أن تعطى للصندوق حصانة قضائية وإنما يخضع للقضاء التونسي، مع إمكانية عرض الخلافات ذات الطابع التجاري دون سواها على التحكيم”.

1