صلاحيات جديدة لجهاز الدرك الجزائري تنافس الدور التقليدي للأمن والاستخبارات

ضرورات أمنية أم توازنات جديدة بين أذرع المؤسسة العسكرية.
الأربعاء 2023/09/20
اختلاف الزي والمهام نفسها

انتزع جهاز الدرك الواقع تحت وصاية وزارة الدفاع الجزائرية، مهام وصلاحيات جديدة كانت تدخل ضمن مهام جهازي الشرطة والاستخبارات، على غرار تحليل وجمع المعلومات والأمن الشامل، الأمر الذي يطرح التساؤل عن خلفيات القرار، وإن كان مشفوعا بضرورات أملتها دواع أمنية عملية تستدعي تعبئة الجهاز، أم توزيع نفوذ داخل المؤسسة في إطار توازنات داخلية.

الجزائر - بعد ستة أشهر من الآن تدخل المهام الجديدة لجهاز الدرك الوطني حيز التنفيذ في الجزائر، ليكون بذلك ذراعا عسكرية وأمنية تنافس الجهازين التقليديين المخولين بالشؤون الأمنية والاستعلامية وهما الشرطة والاستخبارات، وهو تحول بارز في مسار الجهاز الذي يحصي نحو 150 ألف منتسب.

وجهاز الدرك الجزائري هو فصيل عسكري يقع تحت وصاية وزارة الدفاع، يضطلع بالمهام الأمنية التقليدية خارج الحواضر والمدن، لكن دوره ونفوذه بقيا محدودين مقارنة بالأجهزة الأخرى، إلى غاية المرسوم الرئاسي الأخير الصادر في الجريدة الرسمية في عددها الأخير منذ أيام قليلة.

وبات الدرك بموجب المهام الجديدة التي أوكلت له، جهازا يشتغل على مختلف الأدوار والمهام التي كانت في وقت سابق تتبع بشكل حصري لجهازي الشرطة ومديرية الأمن الداخلي في جهاز الاستخبارات، خاصة في ما يتعلق بجمع وتحليل المعلومات والأمن الشامل.

وأعاد المرسوم الرئاسي المذكور مسألة مشاركة الجيش الجزائري خارج حدوده الإقليمية إلى الواجهة، بعد أن خفت الجدل عن المسألة، رغم أن التعديل الدستوري الذي جرى العام 2020 كان صريحا بشأن ذلك، قبل أن تدفع به التطورات الإقليمية والدولية على غرار الأزمة الأوكرانية والوضع في الساحل وجنوب الصحراء إلى الخلف.

◙ صار بإمكان الدرك المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب وممارسة مهام الشرطة والاضطلاع بمهام الاستعلامات العامة

وبموجب النص التشريعي الجديد، بات بإمكان الدرك الجزائري إقامة علاقات تعاون مع المؤسسات ذات القانون الأساسي المماثل للبلدان الأجنبية ويطورها، والسماح بأن يشارك في عمليات حفظ السلم تحت إشراف الهيئات الدولية، وهي المهمة التي كانت حصرا من نصيب أفراد الجيش، قبل أن يفتح الدستور الجديد المجال أمامهم للمشاركة في مهام خارج الحدود، بعد الإلحاح الذي فرضته التطورات الجيوسياسية من المهام التقليدية التي كانت تفرضها عقيدته التاريخية.

ومنذ تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، لاسيما بعد الانقلاب الذي قاده تنظيم القاعدة ضد حكومة مالي العام 2012، وتحول أنظار داعش إلى المنطقة غداة سقوطها في الشرق الأوسط، تصاعد الحديث عن دور جديد للجيش الجزائري في المنطقة من أجل تقويض الإرهاب، غير أن المسألة كانت تصطدم بالمانع الدستوري.

لكن فتح المرسوم الرئاسي الجديد المجال أمام جهاز الدرك الوطني في المهام الدولية، رفع اللبس أمام ما وصف بـ”تردد القيادة السياسية والعسكرية للبلاد بشأن خروج الجيش خارج حدوده الإقليمية”، ولو أن الرئيس عبدالمجيد تبون كان قد أكد أن “ذلك لن يكون ألا تحت إشراف الهيئات الإقليمية والدولية”، وذلك لإزاحة الشكوك حول الأغراض الخارجة عن إرادة الشرعية الدولية.

وطبقا للمخطط المقرر من طرف وزير الدفاع الوطني، فإنه صار بإمكان الدرك أن يضطلع بمهام “مكافحة الإرهاب والتخريب وكل الأنشطة الرامية إلى المساس بأمن الدولة”، كما يتولى “ممارسة مهام الشرطة القضائية والشرطة الإدارية والشرطة العسكرية، ويساهم في مهام الاستعلامات العامة".

وصار في متناوله الاضطلاع بمهام "تحديد وتحليل كل التهديدات المرتبطة بمختلف الجرائم، لاسيما الجريمة المنظمة والجرائم الاقتصادية والمالية، والسهر على حفظ النظام والسكينة العموميين بعمل وقائي تميزه مراقبة عامة ومتواصلة ويضمن حماية الأشخاص والممتلكات، وكذلك حرية التنقل على طرق المواصلات".

وفضلا عن ذلك يساهم أيضا في “تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وفي عمليات التدخل أثناء الكوارث والأخطار الكبرى، مع القيام بالاستعلام وإعلام السلطات العمومية عن كل ما يمس بالأمن، إلى جانب جمع وتخزين وتحليل المعلومات المرتبطة بنشاطات الأشخاص والجمعيات والكيانات التحريضية والتخريبية الذين يشكلون تهديدا على الأمن وتبليغها إلى السلطات المؤهلة".

ولم يفصل المرسوم الرئاسي في الدواعي والأسباب التي دفعت إلى تعزيز جهاز الدرك بمهام وأدوار جديدة، كانت من ضمن صلاحيات جهاز الأمن والاستخبارات، الأمر الذي فتح المجال أمام فرضية إضفاء توازن جديد بين أذرع المؤسسة العسكرية، وهو ما يعطي للجهاز نفوذا يسهم في صناعة القرار الأمني وحتى السياسي مستقبلا، على اعتبار أن قيادته ستصبح موازنة لقيادات مختلف الدوائر الأخرى.

ويبدو أن السلطة عبرت بهذه الخطوة عن حاجتها إلى زاوية جديدة في قراءة المعطى الأمني الداخلي خارج ما هو متداول من طرف الأمن والاستخبارات، ولذلك لجأت إلى جهاز الدرك لتزويدها بعمل يركز على جمع وتحليل المعلومات والأمن الشامل المتعلق بمختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية، خاصة وأنه بات بإمكانه اقتراح عناصر الإستراتجية الوطنية للأمن.

4