صلاة الاستسقاء آخر خيارات الجزائر أمام انعدام المشاريع المائية والجفاف

نذر أزمة مناخية يدفع الجزائريين إلى مختلف مساجد ومصليات البلاد لأداء صلاة الاستسقاء.
الاثنين 2023/05/01
الجزائريون مهدّدون في أمنهم المائي

الجزائر - أدى الجزائريون صلاة الاستسقاء في مختلف مساجد ومصليات البلاد، وهي الثالثة التي تدعو إليها وزارة الشؤون الدينية خلال الأشهر الأخيرة، على أمل أن تجود السماء بالأمطار وتنقذ موسما زراعيا شحيحا يزيد من متاعبه نقص المواد الزراعية وتضخم فاتورة الاستيراد، فيما تبحث الحكومة عن إيجاد سبل وآليات توفير الماء الصالح للشرب، بينما تغيب الخطط الإستراتيجية لمواجهة الظاهرة المستفحلة في السنوات الأخيرة.

وشرع المزارعون على طول الساحل والهضاب العليا في الجزائر في إتلاف المحاصيل بإعادة تهيئة التربة، أو تحويلها إلى مراع للماشية، بعدما فقدوا الأمل في بلوغ المزروعات موسم الحصاد، وذلك بسبب موجة الجفاف التي تضرب البلاد وشح الأمطار خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وأمام نذر أزمة مناخية تلقي بظلالها على الموسم الزراعي وعلى وفرة مياه الشرب، توجه الجزائريون صباح السبت إلى مختلف مساجد ومصليات البلاد لأداء صلاة الاستسقاء. وصلاة الاستسقاء هي سنة نبوية يؤديها المسلمون عندما يحل بهم الجفاف، وتسوء أحوال الإنسان والحيوان والأرض، وتتم وفق شروط معينة من أجل التضرع إلى الله بأن يجود عليهم بأمطار تعيد الحياة.

وفيما كانت الوضعية المناخية أحد محاور اجتماع مجلس للوزراء تحت إشراف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون من أجل إطلاق حلول استثنائية لمواجهة التطورات، لم تعلن الحكومة لحد الآن عن أي وضعية استثنائية تحسبا لوضع خارطة توزيع الماء الصالح للشرب، أو مساعدة المزارعين على تجاوز حجم الخسائر التي تكبدوها خلال الموسم الجاري، واكتفت بالإعلان عن حزمة من الإجراءات والآليات لمواجهة الوضع.

وتأثرت الجزائر بشكل كبير خلال هذا العام من التراجع الكبير للأمطار خلال موسمي الخريف والشتاء، ولو أن الوضع يتفاوت بين مناطق البلاد، فشرق البلاد أقل حدة مما سجله وسط وغرب البلاد، أما الجنوب فيبقى معتمدا على خزان المياه الجوفية.

عبدالكريم شلغوم: الجزائر عرضة لثلاثي الجفاف والتصحر  وندرة المياه
عبدالكريم شلغوم: الجزائر عرضة لثلاثي الجفاف والتصحر وندرة المياه

وذكر شهود عيان بأن وضعية التزود بالماء الصالح للشرب ستكون أقل ضراوة في المناطق الشرقية التي تشهد نسبة امتلاء للسدود قادرة على مواجهة الأزمة، كما هو الشأن بالنسبة إلى أكبر سدود وادي العثمانية الواقع بمحافظة ميلة، بينما لا تتعدى نسبة امتلاء ثاني سدود البلاد حدود 10 في المئة ويتعلق الأمر بسد كدية أسردون بمحافظة البويرة بوسط البلاد، وهو ما يعكس حجم الأزمة المنتظرة، خاصة وأن السد يستغل في العادة لتموين محافظات ومدن الوسط، لاسيما العاصمة وضواحيها.

لكن يرجح أن تكون الوضعية أكثر مأساوية بالنسبة إلى الموسم الزراعي بسبب التأثير الكبير للجفاف على المزروعات، الأمر الذي سينعكس على وفرة المواد الزراعية، كما سيفاقم من فاتورة استيراد الحبوب على اعتبار أن البلاد تنتج أكثر من أربعة ملايين طن سنويا، وهو ما يشكل ثلث كمية الاستهلاك المطلوبة.

وبات الهاجس مضاعفا بالنسبة إلى الحكومة الجزائرية، فهي بالإضافة إلى دورها في مواجهة آثار الظاهرة على المزارعين وعلى وفرة المواد الاستهلاكية، مطالبة أيضا بتوفير ماء الشرب لسكان يقدر عددهم بـ40 مليون نسمة، وهو عبء ثقيل ينهك موفورات الخزينة العمومية، في ظل غياب حلول إستراتيجية تصنف الجفاف في خانة الظروف القاهرة التي يستوجب تطويعها.

وأعلنت الحكومة خلال اجتماع مجلس وزاري عن حزمة تدابير لمواجهة هذا الوضع المناخي تمثلت في وضع "تدابير استعجالية لفائدة المزارعين، لاسيما عن طريق اللجوء إلى الري التكميلي، وكذلك حفر الآبار مع استعمال أنظمة السقي المقتصدة للمياه والتي توفّر نسبة تصل إلى 70 في المئة من هذا المورد المائي وتسمح بالحصول على نتائج أفضل".

كما أعلنت الحكومة عن "برنامج استعجالي للتزويد بالماء الصالح للشرب، وكذلك التدابير المتخذة لمعالجة آثار الشح المائي على مستوى عدة محافظات، كما درست مدى تقدم المشاريع الجاري تنفيذها قصد ضمان الأمن المائي على المديين القصير والمتوسط دون تفصيل حول طبيعتها".

وكان مجلس الوزراء قد قرر بإيعاز من الرئيس تبون إطلاق مخطط لبناء محطات تحلية لمياه البحر على كامل الشريط الساحلي للبلاد البالغ طوله 1200 كيلومتر لمواجهة الجفاف، كما استنفر مختلف القطاعات لإنشاء مخطط استعجالي يهدف إلى وضع سياسة جديدة لاقتصاد المياه على المستوى الوطني والحفاظ على الثروة المائية الجوفية.

ودق رئيس النادي الجزائري للمخاطر الكبرى عبدالكريم شلغوم ناقوس الخطر، قائلا إن “90 في المئة من مساحة البلاد عبارة عن صحراء ما يجعلها عرضة لثلاثي الجفاف والتصحر وندرة المياه، وأنه إلى جانب محطات تحلية مياه البحر التي تعتبر مكلفة جدا، هناك حلول متاحة يمكن تجسيدها بأقل كلفة للتقليل من وطأة الجفاف سواء لمياه الشرب أو الزراعة والصناعة".

وذكر شلغوم بأن "هيئته اقترحت جملة من الحلول أبرزها تحويل المياه الجوفية التي تتوفر الجزائر على احتياطات مؤكدة منها في الجنوب تغطي مليون سنة من الاستهلاك، وتبقى المياه الجوفية ملاذا وحيدا يشمل الصحراء وشمالها ومنطقة الهضاب العليا". وقال إن "هناك دراسات ثابتة ومؤكدة تشير إلى وجود احتياطات ضخمة من المياه الجوفية العذبة توجه للاستهلاك مباشرة تكفي لتغطية مليون سنة من الاستهلاك يجب وضع إستراتيجية لاستغلالها، كما يمكن القيام بتنقية السدود من الوحل بعد أن تراجع منسوب المياه في عدد منها وجف الآخر تماما".

4