صفقة سرية وأساليب عنيفة: تحقيقات تنبش في ماضي "أوبر" وعلاقتها بماكرون

سان فرانسيسكو - تناولت الصحافة الدولية مقتطفات من تحقيق حول تورط شركة أوبر للنقل في أساليب عنيفة وممارسات غير قانونية، وإبرامها صفقة سرية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما كان وزيرا للاقتصاد قبل أعوام.
وندّد نوّاب فرنسيّون معارضون الأحد بتقارير عن وجود "صفقة سرّية" بين الرئيس الفرنسي عندما كان وزيرا في حكومة فرنسوا هولاند الاشتراكيّة وشركة "أوبر" العملاقة للنقل، معتبرين أنّ ما حصل شكّل "سرقة للبلاد".
وكُشفت المزاعم حول وجود هذه الصفقة، في أحدث تحقيق أجرته مؤسّسات إخباريّة دوليّة رائدة استنادا إلى ملفّات مسرّبة، وأُطلقت عليه تسمية "ملفّات أوبر" (#UberFiles) على منصّات التواصل الاجتماعي.
وجاء في تقرير لصحيفة "لوموند"، نقلا عن وثائق ورسائل نصّيّة وشهود، أنّ "أوبر" توصّلت إلى "صفقة" سرّية مع ماكرون عندما كان وزيرا للاقتصاد بين عامي 2014 و2016.
وتحدّثت الصحيفة عن اجتماعات عقدت في مكتب الوزير، وعن تبادلات كثيرة (مواعيد ومكالمات ورسائل قصيرة) بين فِرَق "أوبر فرنسا" من جهة، وماكرون ومستشاريه من جهة ثانية.
ويسلّط تقرير "لوموند" الضوء على ما تقول الصحيفة إنّه مساعدة قدّمتها الوزارة التي كان يرأسها ماكرون لشركة "أوبر"، بهدف تعزيز موقع هذه الشركة في فرنسا.
وندّد نوّاب فرنسيّون معارضون بتعاون وثيق حصل على ما يبدو بين ماكرون و"أوبر"، في وقت كانت الشركة تحاول الالتفاف على التنظيم الحكومي الصارم لقطاع النقل.
وأكّدت شركة "أوبر فرنسا" أنّ الجانبين كانا على اتّصال. وتمّت الاجتماعات مع ماكرون في إطار مهمّاته الوزاريّة العاديّة.
وقال قصر الإليزيه إنّ في ذلك الوقت كان ماكرون، بصفته وزيرا للاقتصاد، على اتّصال "بطبيعة الحال" مع "الكثير من الشركات المشاركة في التحوّل العميق الذي حصل على مدى تلك السنوات المذكورة في قطاع الخدمات، وهو تحوّل كان لا بدّ من تسهيله عبر فتح العوائق الإداريّة والتنظيميّة".
لكنّ النائبة ماتيلد بانو، رئيسة كتلة "فرنسا الأبيّة" البرلمانيّة (يسار راديكالي)، ندّدت على تويتر بما اعتبرت أنّه عمليّة "نهب للبلاد" عندما كان ماكرون "مستشارا ووزيرا لفرنسوا هولاند".
أمّا زعيم الحزب الشيوعي "بي.سي.أف" فابيان روسيل فاعتبر أنّ ما تمّ الكشف عنه يبيّن "الدور النشط الذي أدّاه إيمانويل ماكرون عندما كان وزيرا، لتسهيل تطوّر أوبر في فرنسا، ضدّ كلّ قواعدنا وكلّ حقوقنا الاجتماعيّة وضدّ كلّ حقوق عمّالنا".
ودعا النائب الشيوعي بيير داريفيل إلى إجراء تحقيق برلماني في القضية.
وكتب جون بارديلا، رئيس حزب التجمّع الوطني اليميني المتطرّف، على تويتر، أنّ ما تمّ الكشف عنه أظهر أنّ مسيرة ماكرون المهنيّة هدفها "خدمة المصالح الخاصّة، الأجنبيّة منها في الكثير من الأحيان، قبل المصالح الوطنيّة".
واتهم التحقيق شركة أوبر بـ"خرق القانون" وباستخدام أساليب عنيفة لفرض نفسها في سوق النقل، رغم تحفّظات السياسات وشركات سيارات الأجرة.
وقالت جيل هازلبيكر، نائبة الرئيس المكلّفة بالشؤون العامّة في "أوبر"، في بيان نُشر عبر الإنترنت، "لم نبرّر ولا نبحث عن أعذار لسلوكيّات سابقة لا تتوافق مع قيمنا الحاليّة". وأضافت "نطلب من الجمهور أن يحكم علينا بناء على ما فعلناه في السنوات الخمس الماضية وما سنفعله في السنوات المقبلة".
وحصلت صحيفة "ذي غارديان" البريطانيّة على نحو 124 ألف وثيقة مؤرّخة من 2013 إلى 2017، وتشاركتها مع الاتّحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، بما فيها رسائل بريد إلكتروني ورسائل تعود إلى مديرين في "أوبر" في ذلك الوقت، بالإضافة إلى مذكّرات وفواتير.
والأحد، نشر عدد كبير من المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك صحيفتا "واشنطن بوست" الأميركيّة و"لوموند" الفرنسيّة وهيئة الإذاعة البريطانيّة، أولى تقاريرها حول ما أُطلِقت عليه تسمية "وثائق أوبر". وقد سلّطت هذه الوسائل الإعلاميّة الضوء على بعض ممارسات "أوبر" خلال سنوات توسّعها السريع.
وكتبت صحيفة "ذي غارديان"، "لقد خرقت الشركة القانون وخدعت الشرطة والمنظّمين واستغلّت العنف ضدّ السائقين وضغطت سرا على الحكومات في كلّ أنحاء العالم".
وتشير التقارير الإعلاميّة تلك خصوصا إلى رسائل من ترافيس كالانيك الذي كان حينها رئيسا للشركة التي تتّخذ سان فرانسيسكو مقرا، عندما عبّر عدد من كوادر الشركة عن القلق بشأن المخاطر التي قد يتعرّض لها السائقون الذين كانت "أوبر" تشجّعهم على المشاركة في تظاهرة في باريس.
وبحسب التقارير، فقد أجاب كالانيك وقتذاك على تلك المخاوف بالقول "أعتقد أنّ الأمر يستحقّ ذلك. العنف يضمن النجاح".
ووفقا لصحيفة "ذي غارديان"، تبنّت "أوبر" تكتيكات متشابهة في دول أوروبية مختلفة (بلجيكا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها)، حيث عمدت إلى حشد سائقيها وتشجيعهم على تقديم شكاوى إلى الشرطة عندما كانو يتعرّضون لاعتداءات، وذلك من أجل الاستفادة من التغطية الإعلاميّة للحصول على تنازلات من السلطات.
لكنّ ديفون سبورغن المتحدّث باسم المسؤول السابق المثير للجدل ترافيس كالانيك، قال في بيان أرسله إلى الاتّحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، إنّ "كالانيك لم يقترح أبدا أن تستغلّ أوبر العنف على حساب سلامة السائقين".
وقد اتُهم كالانيك بتشجيع ممارسات إداريّة عنيفة ومشكوك فيها، على خلفية تمييز على أساس الجنس وحوادث تحرش أثناء العمل، واضطرّ إلى التخلّي عن دور المدير العام للمجموعة في يونيو 2017. وعندما أعلن استقالته من مجلس الإدارة في نهاية 2019، قال إنّه "فخور بكلّ ما أنجزته أوبر".
ونفى المتحدّث باسم كالانيك الأحد كلّ الاتّهامات التي وردت في الصحف، بما في ذلك الاتّهامات بعرقلة العدالة.
وبحسب الصحف، فإن "أوبر" وضعت استراتيجيات مختلفة لإحباط محاولات تدخل قوات الأمن، بينها استراتيجية "مفتاح الإيقاف" التي ترتكز على قطع وصول مكتب المجموعة بشكل سريع إلى قواعد البيانات الإلكترونية الرئيسية، في حال حصول مداهمة.
وتذكر "ذي غارديان" مقتطفات مختلفة من محادثات بين مسؤولين يتحدثون خلالها عن غياب الإطار القانوني لأنشطتهم.
وأشارت "ذي غارديان" إلى أن الشركة الناشئة قد تكون قدّمت أيضا عددا من أسهمها لسياسيين في روسيا وألمانيا، ودفعت لباحثين "مئات الآلاف من الدولارات لنشر دراسات حول مزايا نموذجها الاقتصادي".
وخلقت الشركة نموذج الاقتصاد القائم على المهام، الذي لجأ إليه في ما بعد عدد كبير من الشركات الناشئة، إلا أنه استغرق أكثر من 12 عاما لتحقق أول أرباح فصلية. كما أن وضع السائقين سواء كانوا مستقلين أو موظفين، لا يزال متنازعا عليه في عدد كبير من الدول.
وتذكّر أوبر في بيانها الصادر الأحد بأن وسائل الإعلام سبق أن غطّت بشكل كبير "أخطاء" الشركة قبل عام 2017، من الصحف إلى الكتب وحتى في مسلسلات تلفزيونية.
وقالت جيل هازلبيكر "اليوم، أوبر (...) باتت جزءا لا يتجزّأ من الحياة اليومية لمئة مليون شخص". وأضافت "انتقلنا من عصر المواجهة إلى عصر التعاون".