صفقات رابحة

مئات الملايين من عشاق كرة القدم، تابعوا الخميس الماضي، الحفل الكبير الذي شهده ملعب "الجوهرة" في مدينة جدة وتم خلاله تقديم مهاجم ريال مدريد السابق وحامل الكرة الذهبية كريم بنزيمة بمناسبة توقيعه صفقة الانتماء إلى فريق الاتحاد لمدة ثلاثة مواسم مقابل مبلغ 165 مليون دولار.
من خلال هذه الصفقة، انضم النجم الفرنسي المتحدر من جذور جزائرية، إلى زميله السابق كريستيانو رونالدو الذي انتقل أواخر العام الماضي إلى نادي النصر السعودي، في انتظار مفاجئات قادمة ينتظر أن تشمل عددا آخر من نجوم كرة القدم البارزين دوليا، فالسعوديون لديهم إصرار واضح على أن يتحول دوريّهم إلى أحد أهم وأبرز عشر دوريات على مستوى العالم، وهم يحتكمون على المقدرات التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم ، حيث وإلى جانب الوفرة المالية، أصبحت هناك الإرادة السياسية التي دخلت بالبلاد في سياق ثورة عميقة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية ودبلوماسية وإستراتيجية وثقافية، وجعلت من الرياضة عنوانا أساسيا من عناوين إعادة تأسيس وتشكيل صياغة جديدة لوجه المملكة وفق سياقات رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان تجسيدا لمشروع الربيع السعودي الذي يبدو أنه يستعجل تحقيق أهدافه بشكل استثنائي.
يدرك السعوديون أن استقطاب النجوم البارزين عالميا من طراز بنزيمة ورونالدو ومن سيأتي عليهم الدور خلال الأسابيع القادمة، سيحقق مكاسب غير مسبوقة لصورة المملكة من حيث السياحة الرياضية والنقل التلفزيوني وسوق الإعلانات والترويج لصورة السعودية الجديدة كما تظهر من خلال ملاعب كرة القدم ومدارجها والمستوى الحضاري للجمهور من الجنسين، والتعامل مع الرياضة كإحدى آليات الاقتصاد الجديد، وكواحد من عناصر التأكيد على طبيعة مسار التحول الاجتماعي والثقافي الذي تعتمده المملكة.
ونظرا لضخامة حجم السوق السعودية، فإن المبالغ الكبيرة التي حصل عيها رونالدو أو بنزيمة أو قد يحصل عليها لاعبون آخرون، سيتم استرجاعها مع فوائد مجزية، وهو ما يعني أن لا شيء متروكا للصدفة، وأن الصفقات مدروسة، ويعرف أصحابها ماذا يريدون منها ومن ورائها.
مشاهد تقديم بنزيمة في ملعب جدة كانت مليئة بتلك المشاعر الفياضة كحب الحياة وسحر النجومية وألق الشباب وبأهازيج البهجة والسعادة وصور التفاؤل بالغد، وبالثقة في القدرة على التغيير نحو الأفضل.
ومن يتابع المشهد عن قرب يلاحظ أن نبض الوجود في السعودية الجديدة يتكرّس في المسرح والملعب كفضاءين نموذجيين للتعبير عن الروح الحضارية للمجتمع وعن التعلق بالحب والفن والجمال كأبواب للحلم الإنساني المنشود، والواضح أن النهر قد أسس مجراه، والقطار سيسر في الاتجاه الصحيح.