صفقات الاستحواذ تُنذر بشح السيولة في البورصة المصرية

تزداد احتمالات شُح السيولة في البورصة المصرية بسبب صفقات الاستحواذات المحتملة على الشركات من قبل كيانات خليجية كبيرة، ما يترتب عنه شطب الشركات المستحوذ عليها من السوق، وحدوث ضعف في التداولات.
القاهرة - حذر محللون من تسارع نضوب السيولة النقدية في البورصة المصرية بسبب رواج صفقات الاستحواذ التي قد تتحول من نعمة تجذب الاستثمارات الأجنبية إلى نقمة في ظل عملية شطب الشركات التي يُقبل عليها الشركاء الدوليون.
ومن بين الشركات المحتمل شطبها هذا العام سيرا للتعليم وذلك في حال تمت صفقة الاستحواذ عليها من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (صندوق الثروة السيادية).
وأعلنت شركة السويدى إليكتريك في آخر إفصاحاتها أن أمر استمرار قيدها أو شطبها من البورصة سيتم البت فيه في الجمعية العمومية المقبلة وحسب الاستجابة لعرض الشراء الاختياري المقدم على أسهمها من إليكترا التابعة للعالمية القابضة الإماراتية.
وشهد العام الماضي شطب شركتين من الكيانات الكبيرة في البورصة نتيجة صفقات استحواذ أيضًا، هي البويات وصناعات الكيماويات (باكين) لاستحواذ إماراتي على أسهمها، وكذلك العز الدخيلة.
ويعد العامل الأبرز لانتعاش طلبات الاستحواذ على الشركات المصرية هو أنها تتداول بأقل من قيمتها العادلة، ما يجعلها هدفا ثمينا لصفقات الاستحواذات.
ويظل مسلسل التخارجات مهددا البورصة المصرية، لأن الشركات التى تتخارج لا تقابلها طروحات جديدة.
وتدفع السوق ضريبة شطب الشركات بعد الاستحواذ عليها لرفض ملاكها السماح بأي نسبة من الأسهم حرة التداول في سوق الأسهم، ومن الأمثلة على ذلك في السنوات الماضية شطب شركات فودافون، وموبينيل التي تبدل اسمها إلى أورنج، وكذا أوليمبيك إليكتريك.
ويكمن السبب الرئيسي في عدم رغبة الملاك الجدد للشركات استمرارها بالبورصة عدم عُمق الأخيرة وضعف تداولاتها مقارنة بالأسواق المحيطة، ومن ثم يرون عدم جدوى الاستمرار فيها.
ويؤدي هذا الضعف الذي تعاني منه سوق المال إلى لجوء بعض الشركات المدرجة إلى الشطب الاختياري، والدليل على ذلك قيام شركة التشخيص المتكاملة القابضة المالكة لمعامل تحاليل منها المختبر، شطب أسهمها في 13 يونيو الجاري بعد الإدراج لمدة 3 سنوات فقط.
وتعاني البورصة من فقدان ثقة المستثمرين، وهي خطوة على السلطات أن تعي خطورتها، حيث تخسر أداة مهمة ورخيصة للتمويل، وتُنذر باستمرار تجميد برنامج الطروحات الحكومية.
وقال المحلل الاقتصادي نادي عزام إن “شطب الشركات من البورصة بعد الاستحواذ عليها من الظواهر السلبية التي تعاني منها السوق وتهدد عمقها الاستثماري ووفرة السيولة”.
220
شركة مدرجة حاليا نزولا من 1500 شركة كانت مقيدة بالبورصة المحلية في التسعينات
وتعد صفقات الاستحواذ المتتالية على الشركات المدرجة بالبورصة سلاح ذو حدين، إذ تؤكد تلك الصفقات جاذبية الشركات للمستثمرين العرب، فضلا عن تدفق استثمار أجنبي مباشر، لكنها تقلص عدد الشركات المدرجة، ما يؤثر بدوره على سوق الأسهم.
وأضاف عزام لـ”العرب” إن “البورصة تتأثر سلبا بتلك الاستحواذات لأنها تستهدف كيانات كبيرة وذات جاذبية للمستثمرين، بالتالي شطبها يضر بالاستثمار”.
ويستوجب على إدارة البورصة أن تتدخل في الحالة الراهنة، وأن تعمل على تعديل قواعد القيد والشطب، بحيث تُلزم الكيانات التي تستحوذ على شركات مدرجة بالإبقاء على نسبة حرة يتداول المستثمرون عليها.
وأكد محلل أسواق المال سيد عويضي أنه على الرغم من إيجابية صفقات الاستحواذ التي تتم عن طريق البورصة واعتبارها مصدرا للعملة الأجنبية، لكنها تؤثر سلبا على مستقبل السوق ومدى قدرتها على التنافس وسط الأسواق الإقليمية.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن ما يعمق الأزمة أنه لا يتم تعويض الشركات التي يُجرى شطبها بإدراج أخرى، بل يتم جذب بعض الشركات الصغيرة أو المتوسطة عديمة التأثير على تداولات البورصة.
وطالب بضرورة تبني السوق خطة جديدة للتسويق والترويج تكون قادرة على إقناع الشركات الكبيرة العاملة في مصر على الإدراج، حتى يمكن تعويض الكيانات التي تخرج من السوق.
ومن العوامل التي دفعت إلى تدفق الخليج إلى تلك السوق هو تحرير سعر صرف الجنيه في مارس الماضي، فضلا عن سوء الأوضاع الاقتصادية التي هبطت بأرباح الشركات ما فتح المجال لاستغلال تلك الفرصة.
وأوضح عويضي أن عدد الشركات المدرجة في سوق الأسهم المصرية انخفض من 1500 شركة في فترة التسعينات إلى نحو 220 شركة مدرجة في المرحلة الحالية، وهو مؤشر خطير على عمق وجاذبية السوق.
ومن الأسباب التي تعرقل تحفيز مزيد الشركات على القيد والطرح، ارتفاع سعر الفائدة الذي يهدد أي طروحات مرتقبة، للعلاقة العكسية بين العاملين.
ويرى خبراء أن عمليات الاستحواذ تفسح المجال أمام المستثمر الإستراتيجي لتطوير أنشطة الشركة، كما تعمل تلك الصفقات بصورة غير مباشرة على إعادة تسعير أسهم الشركات المماثلة بنفس القيم التي تكون مغنما لأصحاب رؤوس الأموال.
وتحقق صفقات الاستحواذ الربح للمستثمر حال كان سعر السهم عادلا، ومن الممكن توجيهها مرة ثانية وإعادة استثمارها بأسهم أخرى في البورصة المصرية.
ويمتد التأثير السلبي لصفقات الاستحواذات إلى انخفاض نسبة رأس المال السوقي للبورصة إلى الناتج المحلي الإجمالي، كذلك الوزن النسبي لمصر في مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة ومن ثم ضعف جاذبيتها للاستثمار في مراحل لاحقة.
ويمكن أن يتم التعامل مع هذا التحدى من خلال طرح شركات جديدة في السوق لتحقيق توازن مع عدد الشركات المدرجة في البورصة وإحياء برنامج الطروحات الحكومية.
ولم يشهد برنامج الطروحات خطوات جادة عبر بيع أسهم من حصص الشركات التابعة للدولة في البورصة ولكن تلجأ إلى عمليات البيع لمستثمر استراتيجي مثلما حدث في صفقات بيع حصص من ايسترن كومباني وإي فاينانس والتجاري الدولي وشركات أخرى.
وطالب محللون بضرورة نشر الوعي وتشجيع الشركات المحلية العملاقة على الإدراج، فضلا عن ضرورة التعجيل بطرح شركة العاصمة الإدارية والتي لم تفِ السلطات بما وعدت بشأن طرحها حتى الوقت الراهن، حيث جرى الإعلان عن طرحها منذ العام 2021.
وبعد تأجيلات عديدة أعلن رئيس شركة العاصمة الإدارية خالد عباس، عن طرحها في البورصة خلال العام المقبل، وسيتم تعيين المستشار المالى لعملية الطرح في الربع الأخير من العام الجاري.