صفقات الاستثمار الكبرى تنعش الاقتصاد المصري المعتل

تبرز صفقات الاستثمار المباشر الكبرى في مصر التي تواجه أزمة مالية خانقة، كنقطة مضيئة وسط مصاعب كثيرة، باعتبارها مصدرا لحصيلة دولارية جيدة في ظل بنية تحتية قوية، وهو ما ترجمته اتفاقية رأس الحكمة مع الإمارات، بينما تنتظر الأسواق شراكات أخرى.
القاهرة- تتزايد الدلائل على أن الصفقات الكبرى التي تسعى مصر إلى توسعيها ستُنعش اقتصادها المعتل، وسيترتب عنها تدفق الدولار خلال فترة قصيرة، وسداد رسوم البضائع المكدسة في الموانئ ومتأخرات الشركات الأجنبية، فضلا عن أعباء الديون.
وتخطط الحكومة لاختيار مكتب استشاري عالمي لوضع التصميم اللازم استعدادا لطرح أرض رأس جميلة بمدينة شرم الشيخ جنوب سيناء للاستثمار على مساحة 860 ألف متر. ويأتي ذلك بعد إبرام صفقة رأس الحكمة على البحر المتوسط مع الإمارات باستثمارات 150 مليار دولار خلال مدة تنفيذ المشروع المقدرة بخمس سنوات.
وكشفت تقارير محلية أن الصفقة المرتقبة (رأس جميلة) ستكون مع السعودية في المنطقة القريبة من تيران وصنافير، ما يمثل دفعة قوية لتدفق الدولارات مع تنشيط السياحة، ما يعزز من فرص البلاد في تحقيق إيرادات من القطاع تصل إلى 45 مليار دولار بحلول 2030.
وتؤكد الاستثمارات الخليجية أن الاقتصاد المصري يتسم بوجود بيئة استثمارية واعدة، وقدرة على جذب صفقات عملاقة حتى في أحلك الظروف، حيث تكمن أهمية المشاريع في حرص دول الخليج على دعم مصر.
ويظهر الدعم الخليجي عند اشتداد الظروف وقسوتها في مصر، على غرار ما حدث عقب حرب أكتوبر 1973، حيث دشّن بنك الاستثمار العربي حقبة من التعاون بين القاهرة ودول عربية.
وبعد سنوات جاءت الودائع والمنح والمساعدات بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، ولعبت هذه الخطوة دورا مهما في دعم الاقتصاد المصري.
ويتجلى ذلك حاليا مع دخول الإمارات كحائط صد أول للأزمة في مصر وقد تتبعها السعودية، من باب الحفاظ على استقرار جارتهما، ومنع زيادة الفوضى في المنطقة.
وتكمن أهمية الاستثمارات الخليجية بشكل عام في تنمية الاقتصاد المصري بقطاعاته المختلفة وليس قطاع السياحة والمقاولات فقط.
ويترتب عن الاستثمارات الكبيرة توفير العملات الصعبة في البنوك وإتاحتها لرجال الصناعة لاستيراد الآلات والمواد الخام المطلوبة، وبالتالي إنعاش العديد من القطاعات.
ويؤكد محللون أن صفقة رأس الحكمة تشير إلى أن مهارة في التفاوض والتعاقد عبر دبلوماسية رئاسية حكيمة بين القاهرة وأبوظبي، مع استعانة بذوي الخبرة، ما يعكس بشكل إيجابي كيف تعمل مصر وقت الأزمات.
وفتح هذا التوجه الباب للتساؤل عن قدرة الخطوط الخلفية، مثل هيئة الاستثمار وغيرها من الجهات الاقتصادية، للعمل بنفس الكفاءة بهدف مضاعفة جذب الاستثمارات.
وفتحت صفقة رأس الحكمة شهية الاستثمار الأجنبي الذي يبحث عن صفقات بهذا الحجم وتنويع سلة الاستثمارات التي يمكن أن تسهم في إعادة هيكلة الاقتصاد المصري كي يتمتع بقواعد ثابتة ومستدامة.
وجدد رجل الأعمال والملياردير الإماراتي خلف الحبتور، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور، رغبته للاستثمار في السوق المصرية وتحديدا شراء فندق ريجال هايتس بمدينة العلمين، بعد نجاح مصر والإمارات في اتمام صفقة رأس الحكمة.
أهمية الاستثمارات الخليجية تكمن بشكل عام في تنمية الاقتصاد المصري بقطاعاته المختلفة وليس قطاع السياحة والمقاولات فقط
وكتب الحبتور في منشور له عبر حسابه على منصة إكس يقول فيه إن “إعلان المبادرة الاستثمارية التاريخية بين البلدين شكل حافزا لعدد كبير من رجال الأعمال للاستثمار في مصر”.
وأكد وليد السويدي عضو جمعية رجال الأعمال المصريين أن مشروع رأس الحكمة من أضخم المشاريع والاستثمارات المباشرة التي شهدتها مصر عبر التاريخ، وهو نتاج بنية تحتية قوية حدثت في البلاد، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.
وقال في تصريح خاص لـ”العرب” إن “الصفقات الكبرى التي تعتزم مصر توقيعها قريبا، تؤكد التخطيط السليم بعد أن تم ربط الطرق بشبكة جيدة”.
وأشار السويدي إلى أن تلك الخطوات بدأت تؤتي ثمارها المرجوة بجذب الاستثمارات الأجنبية الضخمة في توقيت مهم للغاية، وفي خضم أزمة اقتصادية تمر بها، تعمل بكل السبل على تجاوزها.
ومن أهم المزايا التي تعزز انتعاش الاقتصاد المصري ونموه كناتج عن تلك الصفقات، أنها تُسهم في توفير مئات الآلاف من فرص العمل، بجانب العامل الأبرز والأهم والمتمثل في استقرار سعر الصرف، وخفض معدلات التضخم.
وكل هذه العوامل تشمل أهمية للأوساط الشعبية المصرية خلال الفترة الراهنة، التي يعاني فيها الناس من غلاء الأسعار، كما تمنح الصفقة البنك المركزي مرونة في التعامل مع السياسات النقدية والتحول إلى سياسة غير متشددة.
وتوقع السويدي أن تتراجع أسعار الدولار في السوق الموازية بشكل أكبر الفترة المقبلة، وأن مشروع رأس الحكمة كمثال للصفقات الكبيرة يسرّع من انتهاء أزمة شح العملات الأجنبية في البلاد.
وأوضح أن ذلك يؤكد أن مصر تعج بالفرص الاستثمارية الجاذبة، كما أن الصفقة تؤكد عمق ومتانة العلاقات المصرية – الإماراتية.
ويتراوح سعر صرف العملة المصرية في السوق السوداء هذه الفترة بين 47 و50 جنيها لكل دولار، بعدما وصل إلى مستويات قياسية الشهر الماضي حينما بلغ نحو 70 جنيها لكل دولار.
وبالنسبة إلى سعر الدولار في السوق الرسمية، أي البنوك، فيبلغ حوالي 30.8 جنيها، وسط ترجيحات بأن تتجه القاهرة إلى تعويم رابع للعملة المحلية منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية قبل عامين بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وثمة قناعة بأن صفقات الاستثمار المباشر الكبرى خطوة لتغيير خارطة الاستثمار في مصر، وتكشف تعدد المناطق المتاح الاستثمار فيها، وتفتح الباب لزيادة التنافسية والتوسع في مناطق أخرى، بعيدا عن محافظات القاهرة الكبرى، والتي تضم القاهرة والجيزة والقليوبية.
وتوقع خبراء أن تنضم مشاريع، مثل رأس الحكمة ورأس جميلة إلى تنوع التوزيع الجغرافي وجعله مستداما، وهو ما يعزز الإقبال على المشاريع السياحية والعمرانية والزراعية والطاقوية في المحافظات التي تشهد استثمارا مباشرا كبيرا.
وقال خبير الاستثمار المصري عمرو فتوح إن “نجاح الحكومة في تنفيذ الصفقات الكبرى يدعم موقفها في نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ويعزز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد”.
ولفت إلى أن ذلك ضمن الاشتراطات اللازمة للحصول على الدفعات المتأخرة من قرض سابق، وقد يفتح الباب لزيادة قيمته من 3 إلى 10 مليارات دولار.
وأكد في تصريح خاص لـ”العرب” أن تبعات الصفقة مع الإمارات ستمثل حلا ناجزا لمواجهة السوق الموازية، وتشجع الاستثمار المحلي وجذب رجال شركات أجنبية جدية.
وقال إنها من “أهم الحلول لزيادة موارد الدولة من العملات الصعبة وتوفير السلع محليًا وترشيد الاستيراد وزيادة الصادرات، وإضافة طاقات إنتاجية جديدة”.
ووجهت القاهرة رسائل مهمة من خلال صفقتها الكبرى مع الإمارات للمشككين في جديتها الاقتصادية، وبرهنت أنها تعمل بجد لإنهاء أزمة شح العملة، وليست عاجزة أو تقف مكتوفة الأيدي، بل تعمل باستمرار على إنهاء الأزمة واقتلاعها من الجذور.