صفحات مأجورة تؤجج الاستقطاب السياسي مع اقتراب الانتخابات في تونس

الرئيس التونسي يدعو إلى المزيد من اليقظة والتأهب لكل محاولات تأجيج الأوضاع.
الاثنين 2024/08/26
وطنية على المقاس

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تونس تتزايد المخاوف والتحذيرات من نشاط صفحات اجتماعية مأجورة تسعى للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، في ظل وجود استقطاب سياسي، وهو ما يحذر منه الرئيس قيس سعيد ويطالب بالتأهب له.

تونس - تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس مقطع فيديو للقاء الرئيس قيس سعيد مع وزير الداخلية خالد النوري اتهم فيه صفحات مشبوهة مأجورة على الشبكات الاجتماعية تدار من الخارج لتأجيج الوضع السياسي في البلاد والتأثير سلبا على الانتخابات الرئاسية القادمة.

ودعا سعيد الجمعة وزير الداخلية إلى “مزيد اليقظة والتأهب لكل محاولات تأجيج الأوضاع في شتى المناطق.. وهي محاولات يائسة تقتضي المسؤولية التاريخية إحباطها وفق ما يقتضيه القانون”.

ولفت سعيد مرارا خلال لقاءاته مع المسؤولين في البلاد، إلى أن التسريبات التي تنشر على صفحات مأجورة تهدف لإرباك التونسيين وفق ما جاء في فيديو سابق نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.

ويتوافق حديث الرئيس التونسي مع تقارير إعلامية تحدثت عن إستراتيجية إخوانية جديدة للتأثير على الرأي العام التونسي، عبر صفحات مشبوهة، بعد أن تم رفض طلب ترشح الإخواني المنشق عبداللطيف المكي للسباق الرئاسي، والذي كانت تعول عليه الجماعة للعودة إلى المشهد التونسي.

الصفحات المأجورة اقترنت أساسا بالنشاط الحزبي والسياسي، حيث تحاول أطراف معينة السيطرة على آراء الناخبين لتوجيههم

وأشارت مصادر إلى وجود جهات متعددة تشن حملات على الشبكات الاجتماعية، إلا أن جميعها تتشارك في هدف واحد، وهو توجيه الرأي العام ضد الرئيس قيس سعيد ومسار 25 يوليو، الذي ضرب مصالحهم السياسية والمالية في العمق، وأضر بشبكات نفوذهم داخل الدولة.

وأضافت المصادر أن هذه الجماعات تتبع نفس الأساليب التي تستعملها جماعة الإخوان وهي توظيف صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بنشر محتويات زائفة ومضللة عبر فيديوهات ومنشورات.

ولا تزال قضية شركة “أنستالينغو” تحتل اهتمام التونسيين باعتبارها أبرز مؤشر على التأثير بالرأي وهي شركة متخصصة في إنتاج وتطوير المحتوى الرقمي، ومتهمة بالسعي للتلاعب بالرأي العام وزعزعة الأمن القومي لصالح حركة “النهضة”، وينظر القضاء التونسي في قضية علاقة الحركة بالشركة.

وتعتبر صفحات فيسبوك مجالا للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، ووسيلة لجس النبض في الشارع بخصوص رد فعل المواطنين في علاقة بالأحداث والمستجدات اليومية، وهو ما خلق مساحة جديدة لتشويه الخصوم وبثّ الإشاعات وتداول الأخبار الزائفة بهدف تصدّر المشهد وتحقيق مصالح شخصية.

وكان الرئيس سعيد قد استنكر ما يحدث وقال متوجها للتونسيين، إن “الدولة لا تُدار بصفحات فيسبوك”، وتحدث عن صفحات مأجورة وتعمل من الخارج وتحاول “إرباكنا لكن لن يتمكنوا من ذلك”.

وشدد سعيد على مواصلة تطهير البلاد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين الذين يعتقدون أنهم فوق كل مسائلة أو حساب، وفق تعبيره.

وأشار إلى أن ما يعيشه الشعب اليوم هو محاولة لتأجيج الأوضاع الاجتماعية من ترتيب هذه اللوبيات، داعيا إلى “محاسبتهم وعدم تركهم يرتعون كما يشاؤون”.

ولا يقتصر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي على العمل الحزبي والسياسي، على غرار الصفحات السياسية المأجورة التي تسعى لشيطنة الخصوم والتسويق لصور بعض القيادات، أو التأثير على توجهات الناخب، بل اقتحمت أيضا الصفحات الرياضية والفنية والثقافية، فضلا عن استهداف الحياة الشخصية للفنانين وصانعي المحتوى، في خطوة تنقل الصراعات والخلافات من الواقع إلى العالم الافتراضي.

غير أن تأثيرها اليوم يبدو أكثر خطورة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة التي ستكون الـ12 في تونس والثالثة منذ عام 2011، وستفتح المجال لتنصيب رئيس الجمهورية الثامن لولاية مدتها 5 سنوات، بحسب الدستور.

وترى أوساط سياسية أن الصفحات المأجورة اقترنت أساسا بالنشاط الحزبي والسياسي، حيث تحاول أطراف معينة السيطرة على آراء الناس لتوجيههم بما يلائم مصالحها السياسية، ومن يريد تصفية الحساب مع خصومه يطلق جيوشه الإلكترونية.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “المشكلة انطلقت مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكن مع الأسف التشريعات لم تواكب هذا التطور، وأصبح الفضاء الافتراضي سلاحا قذرا وإستراتيجيا لبعض الدول خصوصا في مسألة التأثير على توجهات الناخبين”. وأكّد في تصريح سابق لـ”العرب” أن “الفيسبوك أصبح الملاذ الأول لتلك الممارسات على غرار هتك الأعراض وفبركة الأخبار الزائفة والصور والفيديوهات، هناك عدة جرائم إلكترونية وهناك صفحات خارجية أيضا تعمل على التحشيد الإلكتروني وخصوصا في التأثير على الناخب أو توجيه الرأي العام السياسي”.

الرئيس التونسي قيس سعيد يشدد على مواصلة تطهير البلاد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين الذين يعتقدون أنهم فوق كل مسائلة أو حساب

ويؤكد خبراء أن تصاعد الدور السياسي والاجتماعي الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في دول العالم، بات ملموسًا إلى حد كبير، حيث نجح مستخدمو هذه الوسائل في توظيفها خلال السنوات الماضية لخدمة أهداف سياسية واجتماعية، واستطاعوا من خلال هذا التوظيف التأثير على بعض السياسات، لا سيما في ظل الانتشار الواسع والشعبية الكبيرة التي تتمتع بها هذه الوسائل بين الشباب الذين يعتبرون قاعدة انتخابية في العالم العربي وتونس.

وقد شهد العالم ومنطقة الشرق الأوسط، مؤخرًا، دورًا فاعلاً ومؤثرًا لمواقع التواصل في سير بعض الاستحقاقات الانتخابية، على غرار ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والجزائر والصومال وإيران، في الوقت الذي يظل فيه حجم تأثير هذه المواقع مرهونًا بمدى استجابة الأنظمة السياسية لاتجاهات الرأي العام، ومدى انتشار وشعبية هذه المواقع في الدول المختلفة.

وتتعدد أنماط تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على مجريات الاستحقاقات الانتخابية، لتكون فاعلاً أساسيًّا في بعض الحالات، وعاملاً مساعدًا في توجيه الرأي العام، ففي بعض الأحيان، تفرض هذه الوسائل تأثيرًا مباشرًا، وهو ذلك التأثير الذي يعتمد على الحشد الفعلي والمباشر للرأي العام لدعم أحد المرشحين، بشكل يتطلب ظروفًا خاصة لبيئة استخدام هذه المواقع، تتمثل في الوصول إلى أكبر قدرٍ من الجمهور المستهدف من هذا الحشد، وامتلاك القدرة على التأثير عليه.

وتم في وقت سابق اقتراح قانون الجرائم السيبرانية لتنقيح هذا القانون سنة 2010 إلا أنه لم يتم التصويت عليه باعتبار أن لجنة الحقوق والحريات صلب البرلمان تطالب بصياغة فصول أخرى تتماشى مع حرية الأشخاص.

وينصّ المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر في فصله 54 على تسليط خطية مالية من 2000 دينار إلى 5000 دينار (680 – 1700 دولار) على كل من يتعمد نشر أخبار زائفة من شأنها أن تنال من صفو النظام العام.

5