صفاء النجار: الأدب واحد ولا يجوز تذكيره أو تأنيثه

الأديبة المصرية صفاء النجار تعتبر أن تصنيف الكتابة إلى نسوية وذكورية يخل بقيمة الأدب، بل إن عبارة "الأدب النسوي" تقلل من أهمية ما تقدمه مبدعات عربيات من إسهامات عظيمة.
السبت 2020/04/25
الأدب النسوي يحمل تمييزا ضد المرأة

الأدب لا يقبل التصنيفات الموضوعية أو الجينية أو الجغرافية. ومُذ ولد مصطلح الأدب النسوي ولافتة التصنيف تطارد كل مبدعة وتكاد تحصرها في إطار واحد هو عالم المرأة والتعبير عن قضاياها وهمومها ورغباتها ورؤاها. وهذا الحصر ترفضه بعض المبدعات ويتصورنه يغفل حقوقهن ككاتبات يعبرن عن أوجاع الإنسان. منهن الأديبة المصرية صفاء النجار التي كان لـ”العرب” هذا الحوار معها.

لفتت الأديبة صفاء النجار الأنظار بتطور أساليب السرد لديها، وتميزها في تجريب أنماط مستحدثة للبناء، خاصة في القصة القصيرة، بعد صدور أحدث مجموعاتها مؤخرا والتي تحمل عنوان “الدرويشة” عن دار بتانة للنشر بالقاهرة.

وتؤكد الأديبة المصرية لـ“العرب” أن تصنيف الكتابة إلى نسوية وذكورية يخل بقيمة الأدب، بل إن عبارة “الأدب النسوي” تقلل من أهمية ما تقدمه مبدعات عربيات من إسهامات عظيمة في تيار الكتابة العربية، سواء في الشكل أو الأسلوب أو الطروحات الخاصة بالقضايا الوجودية والإنسانية.

مصطلحات ضيقة

تتساءل صفاء النجار في حوارها مع “العرب”، لماذا تكون الكتابة نسوية عندما تكتب المرأة عن المرأة والعوالم التي تعيشها وتعرفها، ولا تكون الكتابة رجولية أو ذكورية عندما يكتب الرجل عن الرجل وعالمه سواء كان قاتلا أم قرصانا أم صيادا أم بطلا أو شريرا، لماذا لا تكون الكتابة رجولية عندما يكتب الرجال عن رغباتهم وأحلامهم وأفكارهم الخاصة وتفاصيل اضطرابات هوياتهم الجنسية؟

وترى الكاتبة أن صك المصطلح نفسه وترديده يحمل في داخله تمييزا ضد المرأة، مذكرة بأن الناقد شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة المصري الأسبق، كتب دراسة حول مجموعتها “الحور العين تفصص البسلة” وركز على فكرة الأساطير المجتمعية وتوظيفها في النص، لكن الجريدة التي نشرت الدراسة اختارت عنوانا موجعا هو “صفاء النجار تنتصر للمرأة”، مؤكدة أن العنوان مثّل صفعة على وجهها.

وتضيف أن تقييم النص خارج التقييم الأدبي غير موضوعي، واختصار الكتابة في كونها انتصارا للمرأة يخرجها من سياقها الفني الجمالي، وعبارة الأدب النسوي بدأت كمصطلح نقدي غربي لتصنيف كتابات تركز على عالم المرأة وتتبنى قضايا تحررها والحصول على حقوقها في العمل والمساواة في الفرص.

وتشير إلى أن هذا الاتجاه انتشر لفترة، وهناك من يتبناه ومن يرفضه في الغرب، فهو مدخل للتحليل النقدي، مثل البنيوية والتفكيكية والاتجاهات الماركسية وغيرها من المدارس النقدية. لكن ما حدث في عالمنا العربي أنه تم ابتذال المصطلح وأصبح يستخدم للتقليل من شأن الكاتبات بدعوى أنهن لا يهتممن سوى بالمرأة.

تقييم النص خارج التقييم الأدبي غير موضوعي، واختصار الكتابة في كونها انتصارا للمرأة يخرجها من سياقها الجمالي

وتؤكد النجار لـ”العرب” أن المصطلح يشبه مصطلحات التمييز الفئوي، مثل: أدب الزنوج، أو الأدب النوبي، والأدب الكردي، وهي تعبيرات ترتبط بالأقليات، والنساء لسن أقلية.

وتوضح الكاتبة أنها ترفض أن يتم حصر كتاباتها في مفهوم ضيق، وليس مطلوبا من الكاتب، أو الكاتبة، أن يكتب وفق كتالوج مسبق، ومن غير المقبول اختزال إسهامات أي من المبدعين في مصطلح بعينه، ورجحت أن يختفي هذا المصطلح تماما قبل عشرين عاما، لأنه مناقض للتقدم والحرية، لافتة إلى أن تحرير المرأة في المجتمعات العربية لم يتجاوز التحرير القانوني.

وتشدد على أن المرأة العربية “آخر العبيد”، وكما ارتبط تحرير الإنسان من العبودية والرق بالتطورات المجتمعية في أميركا وأوروبا وما أفرزته تلك التصورات من جنوح ناحية الحرية الإنسانية والديمقراطية، فإن التطور هو الذي أتاح للمرأة العربية التحرر القانوني، بمعنى إتاحة كل الفرص للعمل، والتصويت، والترشح، وتولي المناصب، والإدارة، والظهور في المناسبات العامة، وغيرها من الأدوار.

وتشير إلى أن هذا التحرير يقابله تقييد مجتمعي يجعلها مشتتة وتواجه معاناة في تحمل أعباء نفسية وبدنية ليبدو التحرير كأنه نوع من العقاب وليس من المكتسبات.

تجربة شعورية

تمثل مجموعة “الدرويشة” لونا غريبا من القصص المترابطة موضوعيا والمنفصلة فنيا، إذ يبدو ذلك من القصة الأولى، ويمتد خيط  شعوري رفيع يعبر عن بعد روحي يوحد بين الأسطورة والحقيقة، ويعيد تأمل المشهد المحيط بوعي فني فريد.

تقول النجار لـ”العرب” إنها كتبت المجموعة كقصص منفصلة على مدى عامين، لكنها بالطبع تمثل تجربة شعورية واحدة، ما سهل ترتيبها وإخراجها وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام، أولها “يوميات السندريلا” الذي يقدم تخيلا جديدا لحياة سندريلا بعد زواجها من الأمير في القصة العالمية الشهيرة، ثم يليه القسمان الآخران بعنوان “سنوات الظل والتيه”، و”ورم مشاكس يؤنس وحدتي”.

وتتابع “كانت الأفكار جديدة، وحاولت بها الخروج من الإطارات التقليدية، متجاوزة نمط القصص السابقة”.

يلاحظ النقاد مزجا واضحا بين الفلسفة والأدب في المجموعة الأخيرة، فالحكايات ترسم ظلالا تفصيلية لمشاهد تأمل وتدبر تعبر عن غوص عميق في أغوار النفس الإنسانية وتتجاوز حدود التعبير التقليدي عن الألم أو البهجة.

الأديبة صفاء النجار: المرأة العربية "آخر العبيد"
الأديبة صفاء النجار: المرأة العربية "آخر العبيد"

 وتذكر الأديبة المصرية في حوارها مع “العرب” أن قراءة الفلسفة توجه ضروري للكاتب، وأي مبدع يستفيد منها، لكن الأهم من تلك القراءة، التأمل والغوص في أعماق السلوك الإنساني لقراءة ما يمر به الإنسان من تغيرات وتحولات يعجز العقل البشري في بعض الأحيان عن تفسيرها.

ونقرأ مثلا في “الدرويشة” عبارة تقول “المكبلون بالشفقة، والفقد لا يملكون إلا الصمت”، ومثل هذا الصمت ليس استسلاما أو يأسا، إنما هو نوع من المقاومة الإنسانية الفعالة التي قد لا يلحظها أحد.

تبدو عناوين الأعمال الأدبية لصفاء النجار غريبة وغير تقليدية مثل “البنت التي تسرق طول أخيها” أو “الحور العين تُفصص البسلة”، وعن ذلك تقول، إنها ترسم العنوان رسما يناسب شعورها بالنص، فتحاول أن تختار عنوانا يتردد صداه داخلها أولا، ولا تضع في حساباتها إذا كانت العناوين تقليدية أو مبتكرة.

وتعترف بأنها قد تميل في العناوين إلى إظهار التناقض أو التلاعب بالثوابت الذهنية لدى القارئ، ربما ليشاركها دهشتها، وهي على يقين بأن قدرة الفن والإبداع على التغيير منوطة بحاجة المجتمعات إلى التغيير، فالإبداع دائما يتلمس جوانب الخلل في النفس البشرية والعلاقات الإنسانية.

تطور اللغة

حول لغة الكاتب وكيف تتطور، تقول صفاء النجار، إنها تعتبر لغة الكاتب موهبة في الأساس، لكنها موهبة لا بد من تنميتها وصقلها بالقراءة الواعية والدراسة والتجربة، والخبرة تصفي لغة الكاتب وتخلق قاموسه الخاص.

وتكشف لـ”العرب” أنها تقرأ بعمق وشمول وتنوع وتمعن وتفكير وتذوق، وتتأرجح في قراءاتها بين الأعمال الكلاسيكية، وكتابات الشباب الجديدة، وبين بعض الروايات ودواوين الشعر، وتعجبها عبارات بعينها أو لقطات فنية محددة، وقائمة مَن أحبتهم من المبدعين متسعة مصريا وعربيا ودوليا، وتقرأ أحيانا بهدف المعرفة لا التذوق، وقد تعد قوائم للقراءة للحاصلين على نوبل، أو بعض الكتاب العالميين، بحكم أنها تقوم بتدريس مادة التذوق الأدبي والفني في الجامعة.

تمارس صفاء النجار العمل الصحافي والأكاديمي، وفي الوقت نفسه تمارس الكتابة الأدبية، وترى أن كل تجربة أو خبرة إنسانية يمر بها الكاتب لها أثر في كتاباته دون أن يقصد، فالكتابة انعكاس كل الموجودات والمحسوسات على روح صاحبها، فكل ما يمر به الكاتب – الكاتبة من شقاء وراحة، يبعث لديه كتابة تتسق مع حالته أو تناقضها.

وعن تصورها لأسباب انحسار فن القصة القصيرة لصالح الرواية، تؤكد لـ “العرب” أن كتابة القصة القصيرة بمعناها “التشيخوفي” تحتاج إلى بصيرة ثاقبة وقدرة على الإيجاز والتكثيف والتوصل إلى لب الأشياء، وهي قدرة لا يمتلكها الكثيرون وتذكرها بقدرة المطربة الراحلة أم كلثوم على “القفلات” (الختام) المحكمة التي تنزع آهات الإعجاب من المستمعين.

وتوضح أن القصة تحتاج إلى لمسة سحرية وموهبة، في حين تحتاج الرواية إلى جهد ومثابرة وقدرة على الاسترسال الذي قد يتحول، إذا لم يكن الكاتب متمكنا، إلى نوع من “رغي” (حكايات) المقاهي دون فنيات أو أسلوب مميز.

وترى النجار أن كتابة الرواية سهلة للشباب، فكل شاب يمكنه أن يروي قصته، وتجربته في الحياة، فالحكي سمة إنسانية متاحة للكل، لكن التجديد في الأسلوب واللغة بحيث ينتقل من العادي إلى الفن هو ما يميز الرواية عما أسميه “حكاوي أو فضفضة المقاهي”.

وتضيف أن الكاتب لا يشعر أبدا بالتحقق، ويظل تلميذا في مدرسة الكتابة حتى النفس الأخير، وكلما تعمق في عالم الكتابة وجرب أساليب وأشكالا جديدة شعر بالخوف والرهبة من أن يتحول البحر إلى محيط، وتتحول السهول إلى أحراش وغابات، يضل فيها من لا يتمسك بروح المغامرة.

14