صراع نفوذ محموم بين واشنطن وبكين في أفريقيا

واشنطن - لم تظهر الولايات المتحدة اهتماما كبيرا وواضحا بالقارة الأفريقية قبل القرن الـ21، إلا أنه مع بدايات هذا القرن وزيادة التنافس العالمي وبالأخص الصيني على توسيع النفوذ في القارة السمراء، اهتمت واشنطن بشكل أكبر بالقارة.
وتصدرت جيبوتي الواقعة في القرن الأفريقي، مشهد البلدان التي احتضنت الأنشطة العسكرية الأميركية في أفريقيا، واكتسبت أهمية ومكانة هامة ضمن صراع القوى العالمية لبناء قواعد لها في القارة.
وتستضيف جيبوتي في الوقت الحالي على أراضيها، قواعد للعديد من بلدان العالم مثل الصين وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والسعودية، فضلا عن قاعدة عسكرية أميركية تضم بداخلها حوالي 5 آلاف جندي. وتعد جيبوتي مسرحا للصراع والتنافس بين واشنطن وبكين بشكل خاص، الأمر الذي ينعكس سلبا عليها.
وعند النظر إلى الخرائط الاستراتيجية التي رُسمت في الربع الأول من القرن الـ20، والتي تظهر توزع الجنود الأميركيين في القارة السمراء، نرى أن الوجود الأميركي يتركز بشكل خاص في البلدان المغاربية شمالي القارة، والدول الساحلية التي تكثر فيها قواعد واشنطن، فضلا عن جنوب أفريقيا.
ومن أبرز البلدان الأفريقية التي تضم الوجود الأميركي على أراضيها هي جزيرة أسينشين (غربي أفريقيا في المحيط الأطلسي)، بوركينا فاسو، بوروندي، بوتسوانا، الكاميرون، تشاد، جمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. بالإضافة إلى إثيوبيا، الغابون، غانا، كينيا، ليبيريا، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، الصومال، جنوب السودان، سيشل، السنغال، أوغندا، وتونس.
وعند النظر إلى مواقع هذه البلدان، يمكن التأكد من أن التوزع الأميركي في القارة هو نتاج عملية وتخطيط دقيقين وطويلي الأمد.
ولا يمكن مقارنة الوجود الأميركي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي بالقارة السمراء، بما هو عليه الوضع الآن، لا سيما وأن القواعد الأميركية باتت منتشرة في مساحة كبيرة من القارة.
ويرى بعض الخبراء أن الوجود الأميركي في أفريقيا حاليا عبارة عن “إعادة هيكلة”، ما يعد أمرا خطيرا للغاية، نظرا لكونها استراتيجية تتضمن أهدافا خطيرة.
وفي هذا الإطار وفي ضوء النتائج التي توصلت إليها الأبحاث المتعلقة بالوجود الأميركي في أفريقيا، فإن الإدارة الأميركية دخلت في “حرب من نمط خاص” بالقارة السمراء، فيما كان الدبلوماسيون الأميركيون يصفون القارة في بدايات القرن الـ21، بأنها “حلبة حرب المستقبل”.
وفي ظل تنافس القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، على توسيع نفوذها في القارة سواء على الصعيد العسكري أو المجالات الأخرى، فإنه من المحتمل بقوة أن يؤدي ذلك إلى تمزق القارة.
وبحسب مراقبين، فإن القواعد الأميركية وغيرها من قواعد البلدان الأخرى الموجودة على الأراضي الأفريقية، تزيد من احتمالية التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة ونشر الفوضى فيها.
وبتدقيق النظر، نجد أن اهتمام الولايات المتحدة بالقارة الأفريقية تزايد عقب تشكيل القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، خلال أكتوبر 2007.