صراع مكتبي جماعة الإخوان في لندن وإسطنبول ينهي "التعايش الحرج"

القاهرة - دخل الصراع بين ما يعرف بمكتبي لندن وإسطنبول داخل جماعة الإخوان المسلمين مرحلة جديدة بعد قيام أنصار كل جبهة بعزل قائد الجبهة المضادة، في محاولة للسيطرة على هياكل جماعة بدأت تئن من كثافة الفراغ السياسي والضربات القاسية التي تلقتها على أيدي أجهزة الأمن المصرية.
وشهدت خلافات الجماعة تطورات مهمة وجرى تبادل قرارات الفصل بين قياداتها، حيث قرر القائم بأعمال مرشد الجماعة إبراهيم منير الذي يقود جبهة لندن الأربعاء بفصل الأعضاء الستة نهائيا، بعد وقت قصير من إحالتهم للتحقيق، بزعامة محمود حسين الذي يقود جبهة إسطنبول.
وأكد المتحدث باسم الجماعة طلعت فهمي، المحسوب على جبهة حسين، في شريط مصور عبر تيلغرام بُث الأربعاء، أن مجلس شورى الجماعة قرر “عزل منير كقائم بأعمال الجماعة مع بقائه في التكليفات الخارجية الموكلة إليه”.
ورد منير على هذه الخطوة في شريط مصور أيضا أذاعه مساء الأربعاء، معتبرا القرار الذي اتخذ في حقه “باطلا لمخالفته اللائحة وخروجه من غير ذي صفة”، وأن من أسهم فيه “أخرج نفسه من الجماعة.. وهو والعدم سواء”.
ونشر الموقع الإلكتروني الرسمي للجماعة بيانا بتوقيع الإخوان تضمن موافقة 84 في المئة من أعضاء مجلس الشورى العام على عزل منير، ووافق 78 في المئة من الأعضاء على إلغاء هيئة كان يترأسها كبديل عن مكتب الإرشاد.
وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان لـ”العرب” إن صراع قادة الإخوان في مكتبي لندن وإسطنبول يندرج تحت بند التنافس الجيوسياسي بين قوى إقليمية ودولية توظف هذه الجماعة في تحقيق أهدافها وتعزيز مصالحها.
وأضاف أن الصراع شهد تطورا مثيرا، فهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها مجموعة من قيادات الإخوان عزل القائم بأعمال المرشد العام، وهي خطوة نوعية في تاريخ الجماعة، فقد فشلت فيها مجموعات تمردت على المرشد الثاني حسن الهضيبي عام 1953، مع أنهم حاصروا منزله وهددوه وسيطروا على المقر الرئيسي للجماعة لبضعة ساعات، لكن الصف الإخواني العام لم يتحالف معهم.
ويحاول كل طرف من أطراف الإخوان الآن إثبات أنه يمثل القيادة الشرعية كي يظل متحكما ومسيطرا على موارد الجماعة ويوظفها لخدمته وخدمة أنصاره، دون النظر إلى الواقع الصعب الذي يعيشه الإخوان ما تبقى منه على مستويات عديدة.
وأكد أحمد سلطان في تصريح لـ”العرب” أن ما يوصف بـ”التعايش الحرج” الذي كان بين تيارات الإخوان القيادية قد انتهت فصوله، وأصبحت الجماعة منقسمة على ذاتها بصورة قد يصعب معها لم شمل الجماعة أو إعادة اللحمة بين مكوناتها الداخلية مرة أخرى، لأن جماعة الإخوان تعاني من عيوب جوهرية في أصل بنائها الهيكلي.

وكانت الكثير من العيوب مطمورة داخلها بفعل عوامل عدة منها سيطرة مجموعة “التنظيم القطبي – السري” عليها، وعدم سماحهم ببروز الخلافات أمام الرأي العام، لكن ما حدث أن حالة السيولة التي دخلتها الجماعة منذ صيف عام 2013 وما صاحبها من تداعيات سياسية وأمنية في مصر على هياكلها، أدت إلى تغيرات دراماتيكية، حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن من صراع علني على جسم التنظيم الواهن.
وتزعم كل مجموعة صحة موقفها عبر بيانات رسمية وأنه صادر عن مجلس شورى الجماعة العام الذي يعد أعلى هيئة تشريعية ورقابية دون أن يذكر أنصار منير أو حسين من هم أعضاء المجلس الذين تضامنوا معه.
ويؤكد الواقع العملي أن عددا كبيرا من مجلس شورى الجماعة قيد الاعتقال أو الوفاة أو الهروب وعدم التأثير، ولم يتبق من أعضائه، حسب معلومات الباحث أحمد سلطان، سوى 23 عضوا فاعلا من أصل 117 إجمالي عدد الأعضاء قبل يوليو 2013.
ويسعى كل فريق لكسب الأنصار وحشد الحلفاء من داخل قيادات الجماعة المصرية ومؤسساتها التابعة لها داخل مدينة إسطنبول، ومن ينجح في ضم مجموعات إلى صفه سوف يحسم هذا الصراع القيادي غير المسبوق في تاريخ الإخوان.
وعصفت أزمة داخلية بجماعة الإخوان في منتصف سبتمبر الماضي حول انتخابات أُجريت في منطقة الفاتح بإسطنبول شككت فيها جبهة حسين التي أوقف منير عددا من أعضائها ودافع عن صحتها وشرعية نتائج الانتخابات التي أدت إلى خسارة شخصيات محسوبة على ما يعرف بجبهة "إسطنبول".
وفتحت الردود والردود المضادة بين جبهتي لندن وإسطنبول المجال نحو اتساع نطاق الصراع بينهما، خاصة مع دخول الشباب خط الأزمة عقب التطورات التي حدثت في العلاقات بين تركيا ومصر، وما يمكن أن تفضي إليه من تطورات إيجابية.
وكان منير أصدر بيانا، قال فيه إن حسين الأمين العام السابق للجماعة خارج عن التنظيم، هو وكل من مدحت الحداد ومحمد عبدالوهاب وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك.
ورفض حسين تسليم الملفات الإدارية إلى اللجنة الإدارية المنتخبة، وأبرزها ملف التمويل المالي، ووظف بعض وسائل الإعلام التي يسيطر عليها مثل شبكة وطن الفضائية، وإخوان أون لاين، وبعض حسابات الجماعة الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، وغالبية اللجان الإلكترونية.
وصورت كل مجموعة الطرف الآخر على أنه عدو للجماعة ويضر بمصالحها السياسية، وخارج على القانون ولا ينصاع إلى اللوائح الداخلية التي تنظم العمل بها، ويريد تفكيكها لحسابات شخصية، في إشارة إلى أن المعركة مستمرة.
وجرى تنصيب منير منذ نحو عام قائما بعمل مرشد الإخوان بعد اعتقال محمود عزت في مصر، وألغيت الأمانة العامة التي كان يرأسها حسين، وتم تشكيل لجنة إدارية معاونة تحت رئاسته، ضمت في عضويتها الأمين العام السابق وست قيادات آخرين، هم محيي الدين الزايط وحلمي الجزار وأحمد شوشة ومصطفى المغير ومحمد عبدالمعطي الجزار ومدحت الحداد.
وأكد اختيار أعضاء اللجنة الإدارية المعاونة أن منير حاول مبكرا إزاحة حسين وجبهته من المناصب القيادية، وتصعيد شخصيات أكثر ولاء له، وهو ما عززته تطورات حدثت في يوليو الماضي، حيث جرى حل المكتب الإداري للإخوان في تركيا، وحل مجلس شورى القُطر، وما تلاها من تطورات متلاحقة.