صراع لوبيات داخل النهضة يوسع دائرة الخلافات

راشد الغنوشي يحرك أنصاره لمواجهة مطالب عزله من رئاسة الحركة.
الخميس 2020/05/28
خطوات محسوبة

ارتفع منسوب الخلافات داخل حركة النهضة الإسلامية بعد أن أوعز رئيسها راشد الغنوشي إلى أنصاره بشن حملة على القيادات المطالبة بعزله من رئاسة الحركة التي تستعد لعقد مؤتمرها الحادي عشر، فيما يتمسك تيار داخلها أطلق على نفسه تسمية “مجموعة الوحدة والتجديد” بتغيير الغنوشي المتحكم في الحركة منذ 5 عقود.

تونس – تنامى زخم الدعوات لاستبعاد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من رئاسة الحركة وبدأت دائرته تتسع لتشمل القيادات من الصف الأول والثاني وحتى القواعد، في وقت يبحث فيه راشد الغنوشي عن مخرج للجم الأصوات المطالبة بضخ نفس جديد صلب الحركة المشاركة في الحكم.

وينص النظام الداخلي للحركة الإسلامية على أنه لا يمكن لرئيس الحركة تجاوز مدتين رئاسيتين، لكن الغنوشي يسعى إلى تمديد ولايته لفترة ثالثة وربما رابعة، فيما تشير مصادر من داخل الحركة إلى وجود مساع لتنقيح النظام الداخلي قبل مؤتمر الحركة الحادي عشر المزمع عقده العام الجاري ما يسمح للرئيس الحالي بالترشح لولاية أخرى.

وأمام تنامي مطالب استبعاده من رئاسة الحركة شن اللوبيّ الموالي له حملة شرسة على القيادات المطالبة بذلك وهو ما يكشف حدة الصراعات والخلافات التي تعصف بالحركة.

وقال العجمي الوريمي، عضو المكتب التنفيذي للنهضة المنتهية ولايته، إنه “يدعم ترشّح راشد الغنوشي مجدّدا لرئاسة الحركة”.

العجمي الوريمي: النهضة مازالت في حاجة لزعيمها راشد الغنوشي
العجمي الوريمي: النهضة مازالت في حاجة لزعيمها راشد الغنوشي

وأضاف الوريمي في تصريح لوسائل إعلام محلية “أن الحركة مازالت في حاجة له، وأنه بالإمكان تنقيح النظام الداخلي لتمكينه من الترشح لولاية ثالثة”.

وأشار إلى أن حركة النهضة فيها “رصيد قيادي محترم وعدد كبير من الأشخاص القادرين على قيادة الحركة في أي ظرف”، مشدّدا على أن هذا الموضوع سيحسم في المؤتمر القادم الذي سيكون سيّد نفسه.

ويرى مراقبون أن راشد الغنوشي قد استنفر أنصاره للترويج لسيناريو تغيير النظام الداخلي استعدادا لتمديد ولايته على الحركة التي يحكمها منذ 5 عقود والإيهام بأن الإطاحة به في هذا الظرف قد تفرز مفاجآت مدوية تضعف مكانة الحركة داخل المشهد السياسي.

ويشير هؤلاء إلى أن الغنوشي يعول كثيرا على استثمار الحملة السياسية المطالبة بعزله من رئاسة البرلمان التونسي لترجيح كفته داخل الحركة، لاسيما وأن قواعد النهضة وأنصاره يعتبرون ذلك استهدافا لحركتهم بالأساس.

ويكشف تجرؤ المكلف بالإعلام في حركة النهضة محمد خليل البرعومي وتهجمه على القيادات التاريخية المطالبة باستبعاد راشد الغنوشي، على الرغم من أنه لا يزال حديث العهد بالمسؤوليات صلبها، ملامح حرب الاستقطاب داخل الحركة.

وبخصوص البيان الصادر من بعض قيادات الحركة بعنوان “مجموعة الوحدة والتجديد”، قال البرعومي “إن صحّ البيان فللنهضة مؤسساتها مثل مجلس الشورى والمكتب التنفيذي، وبالنظر للأسماء الموقعة على البيان فهي أسماء لقيادات داخل الحركة، فإذا ضاقت بها مؤسسات الحزب، لتتحدث عن هذه المبادرات خارج الأطر فهذا يطرح مشكلة حقيقية لا بدّ من مناقشتها والتداول فيها داخل مؤسسات الحزب”.

وأضاف المكلف بالإعلام صلب الحركة أن البيان يلزم أصحابه، مؤكدا أن النهضة لديها مؤسسات والمؤتمر سيّد نفسه وهو من يحدّد الخيارات المضمونية والهيكلية للحزب، مشيرا إلى أن النهضة حزب “يعاني مشكلات داخلية كباقي الأحزاب وهو بصدد ممارسة الديمقراطية وهناك مساع للتغيير والتجديد، وفيه نقاشات وتقدير مصالح”.

وتوجه إلى منتقدي مواصلة ترؤس الغنوشي للحركة قائلا “هناك من لم يتحمل مزيد الصبر فغادر الحزب، وهناك من رأى نفسه في الصدارة وفشل فخيّر الانسحاب”.

وتابع “إذا اقتضت مصلحة تونس وجود الغنوشي فسيكون موجودا، وفي حال قدّر المؤتمر غير ذلك فهو شأن آخر”، معتبرا أن “هذه المسائل لا تقرّر في الغرف المظلمة أو في المنابر الإعلامية وبالضغط والتأثير في إرادة المؤتمر والمؤتمرين”.

خليل البرعومي: إذا اقتضت المصلحة وجود الغنوشي فسيكون موجودا
خليل البرعومي: إذا اقتضت المصلحة وجود الغنوشي فسيكون موجودا

وتكشف تصريحات الوريمي والبرعومي عن مساع معلنة وصريحة تصب في خانة الولاء للزعيم “الأوحد” داخل الحركة الإسلامية، التي تدّعي الممارسة الديمقراطية الشفافة والتداول السلمي على القيادة وتقاسم الأدوار دون السقوط في الموالاة والمحاباة.

ويرى متابعون أن معارضي مواصلة الغنوشي لرئاسة الحركة أمام فرصة تاريخية لاستبعاده وفتح المجال لصعود قيادات جديدة، وذلك بمواصلة حملة الضغوط وإحراج كل طرف داخلها يحاول الالتفاف على مبادئ التداول على السلطة التي ينص عليها النظام الداخلي.

وتقدمت قيادات تاريخية داخل الحركة بمبادرة تحثّ على عقد مؤتمر الحركة قبل نهاية العام وانتخاب قيادة جديدة، في تناقض مع ما يخطط له الغنوشي بتأجيل المؤتمر إلى موعد غير محدد والاستمرار في القيادة رغم رئاسته للبرلمان وصعوبة الجمع بين المهمتين.

وتداولت صفحات مقرّبة من حركة النهضة مبادرة لعدد من القيادات حملت عنوان “مجموعة الوحدة والتجديد” قدمت خارطة طريق من سبع نقاط بشأن دور رئيس الحركة وموعد المؤتمر الذي تعطل عقده في موعده بسبب عدم تحمّس الغنوشي لعقده قبل ضمان تعديلات تُقدَّم في المؤتمر وتتيح له الاستمرار كرجل رقم واحد في الحركة.

وتضمّ “مجموعة الوحدة والتجديد” التي تبنت المبادرة، كلا من رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية رفيق عبدالسلام (صهر الغنوشي) ومسؤول المكتب السياسي نورالدين العرباوي ومسؤول مكتب الانتخابات محسن النويشي ونائب رئيس مجلس الشورى مختار اللموشي ومسؤول مكتب المهجر فخرالدين شليق ونائب رئيس مكتب العلاقات الخارجية سهيل الشابي ومسؤول المكتب النقابي محمد القلوي وآخرين.

ودعت المبادرة إلى “ضمان التداول القيادي في الحركة بما يسمح بتجديد نخبها”، وذلك وفق “مقتضيات نظامها الأساسي والأعراف الديمقراطية وسلطة المؤسسات” في إطار تجديد عميق للحركة استجابة لمتطلّبات الواقع وحاجيات البلاد، فضلا عن التوافق على إنجاز إصلاح هيكلي عميق للحركة بما يضمن وحدتها.

وتواجه الحركة عدّة مشكلات، خصوصا في ما يسمى بـ”الانتقال القيادي”، في أجواء مشحونة بالتجاذب والمغالبة، بين نفوذ الغنوشي وتمسّكه بكرسي الرئاسة وبين شق آخر يضم وجوها بارزة على رأسها وزير الصحة الحالي عبداللطيف المكي.

وأدى الصراع الداخلي للحركة إلى إرباك علاقة الغنوشي برئاسة الحكومة وأحزاب التحالف الحاكم التي لم تعد قادرة على تحمل ضغوط النهضة وشروطها ومساعيها للسيطرة على الحكومة، فضلا عن ازدواجية الرئاسة بين الحركة والبرلمان.

4