صراع صحافيي "الوطن" الجزائرية مع السلطة يتحول إلى صراع مع إدارتهم

الجريدة مهددة بالإغلاق بعد 31 سنة من الصدور بسبب نزاع مع مديرية الضرائب.
الجمعة 2022/09/23
صعوبات كثيرة تمر بها "الوطن" الجزائرية

الجزائر - تفاقمت الأزمة بجريدة “الوطن” الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية مع استمرار الانسداد بشأن حساباتها البنكية المجمدة على خلفية نزاع مع مديرية الضرائب، وكذلك تأزم النزاع الداخلي بين الصحافيين وإدارتهم. فقد اتهم الإعلاميون مسؤوليهم بانتهاك حقهم في الإضراب بعدما تم إصدار الصحيفة منذ السبت رغم توقفهم عن العمل. لكن الإدارة ترفض هذه الاتهامات، وتؤكد أن إضراب الصحافيين “غير شرعي”.

وتعدّ جريدة “الوطن” الناطقة باللغة الفرنسية من بين أبرز الصحف التي ظهرت بالجزائر في مطلع تسعينات القرن الماضي عقب الانفتاح الديمقراطي الذي تمخض عن أحداث أكتوبر 1988 عندما انتفض الشارع ضد نظام الحزب الواحد الذي كان على رأسه يومها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد.

والجريدة مهددة بالإغلاق بعد 31 سنة من الصدور بسبب نزاع مع مديرية الضرائب أدى إلى تجميد الحسابات البنكية للمؤسسة الإعلامية، وكذلك نشوب صراع داخلي بين الصحافيين والإدارة.

ودخل الصراع بين الصحافيين وإدارتهم في دوامة زادت من تأزم الوضع، إذ يتهم الصحافيون مسؤوليهم بانتهاك حقهم في الإضراب بعدما تم إصدار الصحيفة السبت السابع عشر من سبتمبر رغم توقفهم عن العمل. وقد أكد ممثلوهم بأن الإدارة “كسرت” الإضراب من خلال إصدار الجريدة و”فضلت لغة التحدي والعنف كوسيلة لتجاوز الأزمة”.

وندد المكتب النقابي للشركة في عريضة بـ”الضغوطات وسياسة التخويف” التي “تمارسها الإدارة” على بعض الموظفين، متهما إياها بـ”تهديد المضربين عن العمل بفسخ عقودهم”.

وشدد مدير النشر محمد الطاهر مسعودي على أن الإدارة لم تمارس أي ضغوط على أي كان، متأملا بأن يشهد النزاع مع مديرية الضرائب انفراجة الأحد المقبل، إذ من المقرر أن تصدر محكمة سيدي محمد بالجزائر العاصمة حكمها النهائي في القضية.

وأضاف مسعودي بأن القانون “يحمي العمال”، مشيرا إلى أن “مال العمال مضمون، وهو في الحسابات المجمدة”، مضيفا أن “حركة الإضراب غير شرعية” لأن الصحافيين “لم يحترموا المهلة المحددة” لاستئناف الإضراب.

صحافيو "الوطن" يتهمون إدارة الصحيفة بكسر الإضراب وتفضيل لغة التحدي والعنف كوسيلة لتجاوز الأزمة
صحافيو "الوطن" يتهمون إدارة الصحيفة بكسر الإضراب وتفضيل لغة التحدي والعنف كوسيلة لتجاوز الأزمة

من جانبها أكدت سليمة تلمساني مسؤولة فرع نقابة الصحافيين الجزائريين في جريدة “الوطن” أن العمال لم يتلقوا رواتبهم منذ سبعة أشهر. وأكدت أيضا بأن “القانون الجزائري يضمن رواتب الموظفين”، وأنه في حال النزاع لا يمكن “تجميدها أو حجزها”.

وعبّرت تلمساني عن استيائها من مماطلة إدارة “الوطن” في اللجوء إلى القضاء لأجل استعادة أموال الجريدة، وقالت إن الإدارة “قدمت هذا الإجراء خمسة أشهر بعد قرار تجميد حساباتها وبعد إصرار ومساعدة أعضاء المكتب النقابي”. وأضافت “ينتابنا الشعور بأننا نواجه هذا الكابوس لوحدنا”.

وتابعت تلمساني وهي من أبرز وأقدم صحافيي جريدة “الوطن” أن مهمة “إيجاد الحلول تعود إلى مالكي الجريدة (وعددهم نحو 20 غالبيتهم صحافيون) وليس العمال”.

وأمام هذا الوضع المتأزم والمستمر، يتخوف كثيرون في الجزائر من أن تتوقف “الوطن” عن الصدور نهائيا كما حصل لصحيفة “ليبرتيه” قبل خمسة أشهر.

وبالنسبة إلى سليمة تلمساني فإن الشركة تملك من الإمكانيات ما يكفيها لـ”العودة بشكل أسرع وأقوى” إلى الساحة الإعلامية الجزائرية. لكنها تطالب بمراجعة جذرية لطريقة إدارة المؤسسة، قائلة إن “المشكلة الأساسية هي أن المسؤولين فشلوا في تكييف وضع الجريدة مع عصر الرقمنة”.

وفي الواقع منذ عام 2014 دفعت “الوطن” ثمن حملتها ضد الولاية الرابعة لبوتفليقة، وحرمت الصحيفة من إعلانات الدولة. ومع استقالة بوتفليقة في ربيع 2019، عادت الإعلانات الحكومية إلى الصحيفة. لكن ذلك لم يدم طويلا، فقد حسم مقال تحدث عن قضايا فساد لأبناء قائد الجيش السابق أحمد قايد صلاح مصير الصحيفة.

وبعد سنوات من انفتاح المشهد الإعلامي على القطاع الخاص في نهاية الثمانينات شهدت الجزائر اختفاء عناوين كبيرة غالبيتها باللغة الفرنسية مثل “لوماتان” و”لاتريبون” و”لاناسيون” الأسبوعية على مدى الأعوام العشرين الماضية، بسبب نقص في عائدات الإعلانات التي تتحكم فيها الدولة أو انخفاض في مبيعاتها بسبب الثورة الإلكترونية التي مست قطاع الإعلام كذلك.

ولم تعد غرف الأخبار في الجزائر اليوم تحتسب عدد العناوين التي تختفي، دون أن يثير ذلك أدنى تعاطف.

16