صراع داخل نقابة الأخبار الأميركية حول تبني دعوة وقف إطلاق النار في غزة

واشنطن – يقاوم صحافيون في وسائل الإعلام الأميركية المؤثرة المنتمون إلى أكبر نقابة في الولايات المتحدة الدعوات المتزايدة إلى إصدار بيان يدعم وقف إطلاق النار في غزة، بينما يتزايد الجدل حول تدخل النقابة في بهذا الخصوص.
وذكر موقع سيمافور الأميركي أن ممثلي فرع النقابة في صحيفة وول ستريت جورنال أرسلوا خطابا إلى “نقابة الأخبار”، أشاروا فيه إلى أن “الصحافيين يتمتعون بوضع الحماية في مناطق الحرب، وأن الانحياز إلى أي جانب يمكن أن يمنع الصحافيين من حضور الإحاطات الإعلامية أو التحدث إلى المسؤولين بل يمكن أن يجعلهم أهدافا عسكرية”.
وأضاف الخطاب أن القراء والمشاهدين والمستمعين البعيدين عن منطقة الصراع يعتمدون على صحافيين ذوي مصداقية في مكان الحادث لتقديم تقارير عادلة وغير متحيزة، بما في ذلك الحقائق التي قد لا تتماشى مع المفاهيم المسبقة للفرد.
الرسالة تكشف الانقسامات الحاصلة بين الصحافيين بشأن ما يحدث بين إسرائيل وحماس منذ السابع من أكتوبر
ويرى أعضاء النقابة أن اتخاذ مواقف عامة بشأن الأحداث الإخبارية التي يغطونها يضر بالثقة التي اكتسبها الصحافيون خلال عقود من التقارير المؤثرة في مناطق الحرب وفي جميع أنحاء العالم، مما يغذي الاعتقاد الخاطئ بأن المراسلين هم مناصرون وليسوا مراقبين.
وتابعت الرسالة “نعتقد أن الأخبار التي ننقلها من إسرائيل وغزة ومن جميع أنحاء العالم تتحدث عن نفسها. ليس هناك ما تضيفه نقابة الأخبار”.
وذكر مصدر مطلع على الخطط أن قادة النقابات في صحيفة نيويورك تايمز يناقشون إصدار بيان مماثل لما أصدره العاملون في وول ستريت جورنال، بينما قال ممثل عن فرع النقابة التابع لوكالة أسوشيتد برس، إنهم لم يناقشوا بيانا بعد.
وكانت اللجنة التنفيذية للنقابة قد ناقشت الأسبوع الماضي اقتراحا يقضي بإصدار بيان يدعو إلى إنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل ووقف دائم لإطلاق النار. وفي المساء نفسه، اجتمع فرع النقابة في نيويورك لمناقشة الموضوع نفسه، بما في ذلك بيان مقترح قدمته نقابة موظفي التكنولوجيا في نيويورك تايمز الذين تم تنظيمهم بشكل منفصل عن صحافييها، بإدانة إسرائيل لقتلها الأطفال والصحافيين الفلسطينيين في غزة.
وجاء في بيان النقابة الوطنية المقترح أن “تأثير هذا العنف ينعكس بشكل مروع في غرف الأخبار في الولايات المتحدة وكندا”، في إشارة إلى العشرات من الصحافيين الذين قتلوا هناك منذ بدء العملية العسكرية الشهر الماضي.
وأضاف البيان “يتحمل أعضاؤنا العبء الأكبر بشكل متزايد، ويعملون في بيئات يتم فيها اعتماد وجهات النظر الإسرائيلية بشأن الهجوم باعتبارها موضوعية، ويتم تهميش التقارير عن العقاب الجماعي أو رفضها أو معاقبتها باعتبارها تحيزا”.
وتابع البيان المقترح “إننا ننضم إلى الآلاف من زملائنا والملايين الآخرين حول العالم في الدعوة بعبارات لا لبس فيها، إلى وقف فوري لإطلاق النار”. وناقشت البيان القيادات النقابية في نيويورك التي تضمّ بعضا من أكبر الأسماء في وسائل الإعلام الإخبارية مثل نيويورك تايمز، ونيويوركر، ومؤسسات تابعة لناشر المجلات “كوندي ناست” و”إن.بي.سي”، وغيرها، لترفضه أخيرا.
دعوة الصحافيين إلى “استخدام كلمات مثل الفصل العنصري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية”، لوصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين
وبدلا من ذلك، اختارت تشكيل مجموعة عمل لصياغة بيان سيتم إصداره الشهر المقبل لا يدعو إلى وقف إطلاق النار، ويركز على الحقوق والحماية اللتين يتمتع بهما العمال النقابيون للتعبير عن آرائهم الشخصية دون تداعيات مهنية، في إشارة إلى الصحافيين الذين طردوا أو استقالوا بسبب تدوينات نشروها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكرت مصادر أن نقابة الأخبار الوطنية شهدت ضغوطا خارجية وداخلية متزايدة لاتخاذ موقف علني ضد العمل العسكري الإسرائيلي، مما يعكس تطورا واضحا في تنوع الأصوات في النقابة خلال السنوات الماضية، تواكب التطور مع ظهور جيل جديد من الصحافيين الذين يعملون بشكل خاص في المواقع الإلكترونية.
وانعكس هذا التنوّع، بشكل واضح خلال الحرب على غزة، وقد أدى ذلك إلى انقسام بين الجناح المحافظ والتقليدي، وبين الجناح الأكثر تقدمية وأغلب أعضائه من الصحافيين الشباب. فبينما يدفع العاملون الشباب في الصحف نحو اتخاذ موقف واضح من الجرائم الإسرائيلية تجاه المدنيين والصحافيين في غزة، يحاول الصحافيون الأكثر محافظة الابتعاد عن كل بيان من شأنه إدانة إسرائيل.
وتشير الأحداث الأخيرة إلى تغير في وجهات نظر الصحافيين تجاه الصراع، إذ وقع أكثر من 750 صحافيا ينتمون إلى العشرات من المؤسسات الإعلامية في الولايات المتحدة على رسالة مفتوحة، نشرت في العاشر من نوفمبر الجاري تدين قتل إسرائيل للصحافيين في غزة وتنتقد تغطية وسائل الإعلام الغربية للحرب.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن الرسالة ضمت موقعين من رويترز ولوس أنجلس تايمز، وبوسطن غلوب، وواشنطن بوست. وأضافت أن الرسالة تكشف الانقسامات الحاصلة بين الصحافيين بشأن ما يحدث بين إسرائيل وحماس منذ السابع من أكتوبر.
وجاء في الرسالة “غرف الأخبار مسؤولة عن الخطاب اللاإنساني الذي يروج لتبرير التطهير العرقي للفلسطينيين”. ويركز جزء كبير من النص على الصحافيين الذين قتلوا في الصراع، ودعت الرسالة الصحافيين إلى “استخدام كلمات مثل الفصل العنصري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية”، لوصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين.
وكشفت واشنطن بوست أن التوقيع على الرسالة من قبل بعض الصحافيين كان خطوة “جريئة ومحفوفة بالمخاطر”، على اعتبار أن بعض المؤسسات الإعلامية أقدمت على طرد صحافييها بسبب تبنيهم مواقف “متحيزة”.