صراع النفط يعود للواجهة بإلغاء بغداد عقود كردستان مع شركتين أميركيتين

مراقبون يرون أن القرار يحمل بصمات سياسية لقوى الإطار التنسيقي ويبعث رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب كما قد يؤثر على علاقات بغداد بواشنطن.
الثلاثاء 2025/05/20
بغداد تستخدم النفط كأداة سياسية

بغداد - أعلنت وزارة النفط العراقية اليوم الثلاثاء "بطلان" اتفاقيتين بين شركتي طاقة أميركيتين وحكومة إقليم كردستان العراق، في خطوة تُعيد توتير العلاقة بين المركز والإقليم، مبررة ذلك بعدم حصولهما على موافقة اتحادية.

وهذه الاتفاقيات، كان أعلن عنها رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني خلال كلمة ألقاها في واشنطن توقيع عقدين بقيمة 110 مليارات دولار على مدى فترة تنفيذهما مع شركتي إتش.كيه.إن إنرجي ووسترنزاغروس الأميركيتين.

وكان مستشار قد أشار إليهما في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ذلك اليوم الثلاثاء. وتتعلق الاتفاقيتان بتطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة-كردمير في السليمانية.

وتأتي هذه الخطوة استنادا إلى حكم صدر في 2022، اعتبرت المحكمة الاتحادية العراقية قانونا للنفط والغاز ينظم قطاع النفط في كردستان العراق غير دستوري، وطالبت سلطات الإقليم بتسليم إمداداتها من النفط الخام.

وقالت الوزارة الاتحادية "الإجراءات المتخذة من قبل حكومة الإقليم تعد مخالفة صريحة للقانون العراقي، فالثروات النفطية تعد ملك لجميع أبناء الشعب العراقي، وأي إجراء لاستثمار هذه الثروة يجب أن يكون من خلال الحكومة الاتحادية".

وكان وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان بالوكالة، كمال محمد، قد أعلن في وقت سابق عن أهمية الاتفاقيتين لقطاعي الغاز والنفط، مشيرا إلى أن إحداهما تتعلق باستخدام حقول الغاز في الإقليم لتوليد الكهرباء لكردستان والمناطق التي يتم تزويدها بالطاقة داخل العراق، فيما تخص الأخرى استخراج النفط والغاز.

أكد محمد أن هذه العقود من نوع عقود الشراكة المعمول بها سابقا، واعترف بأنه "لم يتم التنسيق مع الحكومة الاتحادية في بغداد بشأن هذه الاتفاقيات"، لكنه شدد على أنها ستسهم في تعزيز البنية التحتية وحل مشكلة الكهرباء في الإقليم، بالإضافة إلى دعم نمو القطاع الصناعي وإمكانية استخدام الغاز مستقبلا لأغراض منزلية. وشدد الوزير على أن الولايات المتحدة حليف استراتيجي للإقليم، وأن هناك العديد من الشركات الأميركية العاملة في كردستان.

ويرجح مراقبون أن هذا القرار ليس مجرد تطبيق قانوني، بل يحمل بصمات سياسية قوية، قد تكون بإيعاز من قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي، التي تشكل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي ولها نفوذ كبير على الحكومة المركزية، تسعى لتعزيز صلاحيات بغداد في إدارة الثروات النفطية والغازية في عموم البلاد، بما في ذلك إقليم كردستان.

وتهدف هذه التحركات إلى تقليص هامش الاستقلالية الاقتصادية للإقليم، الذي لطالما أدار قطاعه النفطي بشكل شبه مستقل.

ويمتد تأثير إلغاء هذه الاتفاقيات إلى ما هو أبعد من أروقة السياسة الداخلية، ليُلقي بظلاله على مشهد الاستثمار والعلاقات الدولية، فإلغاء عقود بهذا الحجم مع شركات أميركية يبعث رسالة سلبية قوية للمستثمرين الأجانب الطامحين للعمل في العراق، ويهدد بشكل مباشر جهود جذب رؤوس الأموال اللازمة لتطوير قطاع الطاقة الحيوي.

علاوة على ذلك، يصب هذا القرار زيتا على نار الخلافات المزمنة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم حول إدارة الثروات والصلاحيات الدستورية، مما قد يزعزع استقرار البلاد برمته.

وتكتسب المسألة أبعادا جيوسياسية معقدة، فالصفقات المُلغاة مع شركات أميركية قد تؤثر سلبا على علاقات العراق بواشنطن، خصوصا في سياق الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية القائمة. وقد يُفسر هذا التحرك أيضا على أنه انتصار لنفوذ قوى إقليمية لا ترغب في تعزيز الروابط الاقتصادية الكردستانية مع الغرب، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.

وفي مواجهة قرار بغداد، تترقب الأنظار الخطوات التالية التي ستتخذها حكومة إقليم كردستان، حيث يُتوقع أن يلجأ الإقليم إلى تصعيد دبلوماسي، ساعيا لحشد الدعم الدولي، خاصة من الولايات المتحدة، للضغط على الحكومة الاتحادية وإبراز تداعيات القرار السلبية على مناخ الاستثمار والاستقرار الإقليمي.

كما قد تسعى أربيل إلى إعادة فتح قنوات التفاوض المباشر مع بغداد، في محاولة للتوصل إلى تسوية بشأن قانون النفط والغاز وإدارة الثروات، لضمان استمرار تدفق الإيرادات وتجنب المزيد من التصعيد الاقتصادي والسياسي الذي يهدد استقرار الإقليم والعراق برمته، غير أن خيار التحدي واستمرار العمليات النفطية المستقلة يبقى مطروحا، رغم ما يحمله من مخاطر تصعيد أوسع.