صراع المصالح يهدد بحرب داخل عائلة الأسد

الحرب تمتد نيرانها إلى بيت الأسد بعد أن كان السوريون وحدهم من يكتوي بها. وإذا كان بشار نجح في إسكات السوريين بالقوة العسكرية وخلط الأوراق والتحالفات ليظل الرقم الوحيد، إلا أن الأوضاع بدأت تتغير بعد أن طالت “الثورة” الغاضبين من داخل العائلة على أداء الأسد، وأغلبهم من شباب العائلة الذين كان يحلم بعضهم بأن يكون على رأس السلطة فيما كان آخرون يأملون في مراكمة الثروة، لكن ذلك لم يحصل.
لندن- لا تمثل عقوبات قانون قيصر، الذي بدأ للتو تطبيقه، التحدي الأكبر أمام الرئيس السوري بشار الأسد، فأمامه تحد آخر، ربما أكثر خطرا على بقائه في الحكم، وهو خطر الخلافات في العائلة التي ظلت لسنوات تدور في السر، لكن ابن خاله رامي مخلوف أخرجها إلى العلن مؤخرا بعد أن شعر، وهو الابن المدلل للنظام، بأن قوة عائلية صاعدة بدأت تهدد عرشه هي قوة أسماء الأخرس زوجة الرئيس وعائلتها.
ورغم أن مخلوف كان يدافع عن امتيازاته، إلا أن الخطوة التي خطاها قد كشفت عن وجود خلافات أخرى بين العائلة المتحكمة في البلاد، أغلبها بدا مع تسلم بشار للسلطة، لكنها تعمقت أكثر مع المخاوف من خسارة الحرب وذهاب التضحيات التي قدمتها العائلة والطائفة العلوية ككل أدراج الرياح.
زعزعة النظام
يتهم الأسد بأنه فشل في الحفاظ على تحالف المصالح الذي كان يربط بين عائلته والعائلات القريبة، وهو تحالف بدا مع جده علي سليمان الوحش، الذي قام في عشرينات القرن العشرين، باستدعاء الفرنسيين لحماية الأقلية العلوية في سوريا في مواجهة الأغلبية السنية، لأجل ذلك وصفه بعض المقربين منه بالـ”أسد”، ووجد الوصف جذابا، فأضافه إلى لقبه، ولم يكن يعلم أن سلالته ستحكم سوريا لعقود، وأن أبناءها سيتشاجرون على ما بقي من غنائم في دولة سقط أغلبها تحت الأنقاض.
في ثمانينات القرن الماضي بدأ الخلاف بين رفعت، نجل علي الوحش “الأسد”، وشقيقه الأكبر والرئيس آنذاك حافظ الأسد، الذي أمسك بالسلطة في انقلاب قبل عقد من الزمان. ونجح حافظ في تهميش شقيقه، وإبعاده عن السلطة بشكل نهائي. في المقابل علم حافظ ابنه بشار تفاصيل الحكم، وخاصة كيفية وأد التمرد سواء أكان من الشعب أم من داخل أسرة الأسد نفسها.
ويقال إن الأسد الابن قد شرب عن أبيه تفاصيل الحكم، وخاصة العنف في مواجهة الانتفاضات، وأنه سعى إلى تكرار ما جرى في حماة في 1982، وذلك بقصف المدن دون أي اعتبار للمدنيين والمؤسسات التي يوجدون بها مثل المستشفيات والمدارس والمخابز.
لكن الأهم أن بشار قد أبقى قبضته قوية على العشرات من أبناء أقاربه من خلال إعطائهم مجموعة من الحوافز بتسهيل الاستثمار والحصول على القروض، ولكن في نفس الوقت كان يضعهم تحت رقابة مشددة بشكل دائم، ولم يكن يسمح بأي هامش للنقد أو التظلم والاحتجاج حتى لا يكون مقدمة لما هو أكبر.
لأجل ذلك تفاجأ السوريون بما أقدم عليه رامي مخلوف، ابن خال بشار المقرب إليه، من لهجة التحدي التي كانت في الفيديوهات التي نشرها لتبرئة ذاته وجلب تعاطف الرئيس السوري.
وكانت السلطات قد غرمت رامي مخلوف بما قيمته 230 مليون دولار من الضرائب المتأخرة، وقيل إن زوجة بشار أسماء الأخرس هي من تقف وراء تقزيم مخلوف الذي ظل طيلة سنوات ماسكا بأهم القطاعات الاقتصادية الحيوية.. وسواء أكان الأسد وراء ذلك أم زوجته، فإن هذا القرار قد أطاح بفكرة التضامن الأسري الذي كان يحمي النظام السوري ويشار إليه على أنه نقطة قوة.
ومثل استهداف رامي مخلوف بمثابة رسالة قوية إلى كل أفراد العائلة الحاكمة الذين بدأت تخرج تسريبات تشير إلى أنهم لم يعودوا يثقون في بشار الأسد كشخصية جامعة للأسرة وحامية لمصالحها، وبعضهم بدأ في توجيه انتقادات له خلال الجلسات العائلية.
وفي شهر مايو، نشر مخلوف العديد من مقاطع الفيديو عبر الإنترنت حذر فيها بشار بشكل ضمني من أنه قد يخاطر بفقدان دعم أغنى أفراد الطائفة العلوية، بما في ذلك رجال الميليشيات.
توترات طائفية
تقول أنشيل فورا، المحللة السياسي في مقال بمجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن مخلوف استغل التوترات الطائفية القديمة عندما ألمح إلى أن الخطأ كان يكمن منذ البداية في زوجة الرئيس، أسماء، وهي من الطائفة السنية، والتي ألمح إلى أنها كانت تحاول سرقة الأموال العلوية، مما يلقي بظلال من الشك على التزام بشار بالولاء للطائفة ومصالحها.
وأعطى الخلاف بين مخلوف والأسد أملا جديدا لمنافسي بشار داخل النظام، فهم يأملون في أن يكون مخلوف قد بدأ يُضعف من صورة بشار بين العلويين، وأن ذلك سيفتح مساحة أمامهم لتحدي دور بشار على رأس النظام.
لكن ذلك، بالتأكيد، لا يلغي فكرة أن بشار سيقاوم أي معارضة مباشرة من داخل عائلته بنفس القوة التي واجه بها الاحتجاجات الشعبية في 2011. ولم يكن مخلوف أول من شق عصا الطاعة في وجه بشار، فقد سبقه إلى ذلك ريبال الأسد، ابن عم الرئيس ونجل عمه رفعت. وروى ريبال منذ أيام لصحيفة التايمز كيف أنه اختلف مع بشار في عام 1994، خارج أحد المطاعم المعروفة بالعاصمة السورية لينتهي به الأمر بين أيدي الشرطة قبل أن يُخلى سبيله.
ولتطويق نتائج الشجار، بادر والد ريبال إلى اقتطاع تذكرة سفر لابنه وأمره بالمغادرة سريعا خوفا من اعتقاله. وفي المطار، أطلق عناصر من الحرس الرئاسي الرصاص في الهواء وبقوا في المطار لمدة ساعتين ونصف الساعة إلى أن اعتقلوا ريبال. ولكن أُفرج عنه بعد أن هدد والده رفعت حافظ الأسد بأنه سيقاتل في كل شارع في دمشق “إذا أصيبت شعرة من على جسد ابنه”.
ويعيش ريبال الآن في إسبانيا في المنفى. ويروي أنه كان يجلس في منزله أثناء الحجر الصحي عندما تلقى رسالة نصية تحوي مقطع الفيديو الذي نشره مخلوف. ووصفها بأنها “حيلة تهديد” وقال إنه ضحك عندما رآها لأول مرة.
ويقول ريبال “أنا شخصيا أعرف رامي. إنه جبان. لن يعارض النظام. لا يفعل رامي شيئا من دون بشار”، لافتا إلى أن هذا الخلاف هو “مجرد عرض يستخدمه بشار من خلال رامي لإخبار الروس بأنه سيفقد الدعم بين العلويين وأن ذلك من الممكن أن يؤثر على مصالحهم في المنطقة الساحلية”.
وعاد ريبال إلى الماضي للحديث عن الظروف التي تم فيها تكليف بشار بالرئاسة. وروى كيف تعرض منزل عائلته على شواطئ اللاذقية لهجوم من قبل جنود النظام كرسالة يؤكد بشار من خلالها، أنه، وليس عمه رفعت، من سيخلف أباه حافظ في قيادة سوريا.
ويؤكد ريبال “عمي حافظ كان مريضا وكانت الخلافة مسألة وقت. أراد النظام تمرير الحكم إلى بشار والتأكد من عدم معارضة صعوده وأنهم سوف يسحقون أي شخص يعارض ذلك. لهذا السبب هاجموا منزلنا ومنازل مؤيدينا”.
وكشف أن العديد من أطفال رفعت أقسموا بالولاء لبشار واستمروا في العيش بسوريا لكنهم ما زالوا يعانون من المظالم. أحدهم، دريد الأسد، كان معروفا بدعمه التام للنظام، وأنه مدح بشار حتى وقت قريب. وفي تغريدة لاذعة في 7 مايو الماضي، بعد وقت قصير من نشر مخلوف لمقاطع الفيديو الخاصة به، طلب دريد من بشار مقابلة المئات من الأقارب الذين يشاركون لقب الأسد، لكنهم لا يتمتعون بحياة البذخ التي يعيشها.
وكتب دريد على تويتر موجها خطابه لبشار “يقولون إن سوريا تحكمها عائلة الأسد. أنا لدي مطالب من 100 أو 200 فرد من العائلة لم يلتقوا بك مطلقا ويريدون رؤيتك. لقد نشأ الكثير منهم ولديهم أطفال لكنهم لم يروك إلا على شاشة التلفزيون”.
وقال بسام بارابندي، وهو دبلوماسي سوري سابق مقيم الآن في الولايات المتحدة، إن شجاعة دريد الجديدة لها دوافع خفية، ذلك أنه لو لم يشعر بأن المجتمع غاضب من بشار، لما جرؤ على قول ذلك.
نقد بصوت عال
قد يكون النقد بالصوت العالي الذي وجهه ريبال ودريد إلى الأسد مدفوعا برغبة من عائلاتهما في السلطة السياسية. لكن أفراد العائلة الآخرين، بما فيهم ابن عمه عدنان الأسد، يشعرون ببساطة أنهم خرجوا من الإطار العائلي وحرموا من الثروة التي جلبتها العائلة إلى أمثال مخلوف.
وأدار عدنان ميليشيا وقاتل إلى جانب حافظ ضد الإخوان المسلمين عام 1982 في ما أصبح يعرف باسم مذبحة حماة. لكن في رسالة كتبها مؤخرا إلى مخلوف أشار إلى أنه لم يحصل على تعويض كاف عن ولائه.
وبينما عارض عدنان مخلوف ووصفه بأنه يبكي بدموع التماسيح وبأنه “الحوت الأزرق بين حيتان المال”، رسم نفسه على أنه الضحية الحقيقية لنظام فاسد، وانتقد ابن عمه بشار. وقال عدنان في رسالته “لقد كنت أبيع عقاراتي لتلبية احتياجات أسرتي، حيث إن راتبي يبلغ حوالي 50 دولارا تقريبا بعد 42 عاما من الخدمة العسكرية”.
الرئيس السوري متهم بالفشل في الحفاظ على تحالف المصالح داخل العائلة وهو تحالف بدأ مع جده علي سليمان الوحش
وفي أكتوبر الماضي، أفادت وسائل إعلام عربية بظهور تحد آخر للرئيس السوري من قبل عائلة عمته بهيجة التي قاتل نجلها غيدق من أجل بشار في دير الزور، لكنه قُتل بعد ذلك في اللاذقية في اشتباكات مع جندي من النظام جاء لاعتقاله بتهم جنائية غامضة. وتعهدت عائلة غيدق بالانتقام في منشور على فيسبوك، لكن خوفا من التداعيات، حذفته لاحقا.
ومع توسع الأزمة الاقتصادية وسيطرة إيران وروسيا على أغلب القطاعات الواعدة، بدأ أنصار الأسد يتساءلون عما إذا كانت تضحياتهم تستحق ذلك، حيث دفع الموالون ثمن بقاء بشار في السلطة بالدم، وفقدوا الآلاف خلال سنوات الحرب.
كانوا يتوقعون أنه مع انتهاء الحرب، فإنهم سيجنون مكاسب ومزايا كثيرة مثل الوظائف الكبيرة والترقيات والمعاملة التفضيلية في العقود التجارية الممنوحة من الحكومة. لكن ذلك لم يحصل، وحلت محله مخاوف على مستقبل العائلة والطائفة ككل.
ويقول بسام بارابندي إن العلويين يشعرون بالذهول من الخلاف بين مخلوف وبشار، ويتابع “يعتقدون أنهم خسروا الكثير ولم تكن هناك مكافأة في النهاية. يشعرون بالغضب عندما يرون هذين الرجلين يتقاتلان بسبب المليارات بينما يكافح المواطن العادي مقابل أجر ضئيل”.لكن خبراء يعتقدون أنه بالرغم من أن الأسد يفقد الدعم بين العلويين، إلا أن النظام لا يزال يسيطر على البلاد بقبضة حديدية وأنه من السابق لأوانه القول إن بشار صار ضعيفا.