صراع الصدر مع الخزعلي يلقي بظلاله على الوضع الأمني في بابل

بابل (العراق)- تسبّب مقتل ناشط من التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بحالة من التوتّر في محافظة بابل جنوبي بغداد التي تعيش وضعا مهدّدا بالانفجار جرّاء الحضور القوي للميليشيات على أرضها، وخصوصا ميليشيا عصائب أهل الحقّ بقيادة قيس الخزعلي، وميليشيا سرايا السلام التابعة لغريمه الصدر.
وأصبحت العصائب مسيطرة عمليا على الحكومة المحلية لبابل بإسناد منصب المحافظ لأحد قيادييها عدنان فيحان الدليمي المصنّف على لائحة الإرهاب الأميركية، بينما تحتفظ السرايا بحضور قوي لها في المحافظة لتأمين وجود التيار الصدري هناك وحماية مصالحه السياسية والاقتصادية المتشعّبة.
وعُثر، الاثنين، على الناشط الصدري أيسر الخفاجي مقتولا بطريقة حملت علامات الانتقام وذلك بعد اختطافه الأحد من أمام منزله بمدينة الحلّة مركز محافظة بابل.
وأصدرت وزارة الداخلية العراقية بيانا بشأن الحادثة قالت فيه إنّ “عناصر خارجة عن القانون تحاول بين الحين والآخر تعكير صفو الاستقرار”، متوعّدة قتلة الخفاجي بأن لا يفلتوا من العقاب.
ولم يهدّئ ذلك من غضب أهالي القتيل، كما لم يمنع من حدوث حالة استنفار في صفوف ميليشيا سرايا السلام التي سارع مسؤولها العام تحسين الحميداوي إلى زيارة مسرح الجريمة مرفوقا بقادة الفرقتين الأولى والثانية بلواء بابل التابع للسريا.
وتساءل الإعلامي العراقي عمر الجنابي إن كان “أيسر الخفاجي قد اختُطف وعذّب وقُتل وقُطعت يده بسبب آخر منشوراته عبر حسابه على فيسبوك”، متوقّعا في تعليق نشره على منصّة إكس أنّ “بابل مقبلة على تصعيد بعد اختطاف واغتيال عضو التيار الصدري”.
ومن جهتهم حمّل ذوو الخفاجي محافظ بابل القيادي في العصائب مسؤولية مقتل ابنهم وأمهلوه أربعا وعشرين ساعة للكشف عن ملابسات عملية الاغتيال متوعّدين بأن تكون “جميع المكاتب” هدفا لهم بعد انقضاء المهلة.
ويُقصد بالمكاتب ممثليات الأحزاب والميليشيات المنتشرة في الكثير من مدن العراق وهي عبارة عن إدارات محلّية مصغّرة تسهر على تنظيم عمل القوات التابعة لها وتدير أنشطتها الاقتصادية والسياسية في تلك المدن.
وتمتلك كل من سريا السلام وعصائب أهل الحق على غرار باقي الميليشيات تمثيلا أمنيا وسياسيا واقتصاديا في بابل، الأمر الذي يفسّر حالة التوّتر القائمة في المحافظة والمرشّحة للانفجار بسبب تعدّد الاحتكاكات بين العصائب والسرايا، وتواتر حالات الخطف والاغتيال.
وزاد الوضع المترتب على الانتخابات المحلّية التي أجريت مؤخّرا في خمس عشرة محافظة عراقية من منسوب العداوة بين التيار الصدري وخصومه السياسيين بمن فيهم عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي.
وبينما لم يشارك التيار الصدري في تلك الانتخابات تمكّن هؤلاء الخصوم من تحقيق نتائج جيدة فيها سمحت لهم بالحصول على المناصب القيادية في الكثير من الحكومات المحلية للمحافظات، الأمر الذي بات يهدّد نفوذ ومصالح التيار في مناطق تعتبر معاقل رئيسية له.
وفي ظل هذا الوضع أصبح الاحتكام للسلاح حفاظا على النفوذ أمرا واردا بدأت مؤشراته تظهر في التوترات التي أخذت تندلع بين حين وآخر في هذه المحافظة أو تلك من محافظات وسط وجنوب العراق.
وتمثّل سيطرة العصائب على الحكومة المحلية لبابل عاملا لإشعال الصراعات في المحافظة التي تعرف أصلا وضعا حساسا بسبب التركيز الاستثنائي للميليشيات عليها، حيث باتت تلك الفصائل المرتبط أغلبها بالحرس الثوري الإيراني تحتل عمليا منطقة جرف الصخر وتتخذ من بساتينها الكثيفة مقرات حصينة لها ومخازن للأسلحة وورشا لإصلاحها وإعادة تركيب ما يأتي منها مفككا من إيران.
ويوصف عدنان فيحان، الذي أثار اختياره لشغل منصب المحافظ غضب الأهالي في بابل، بأنّه من صقور ميليشيا عصائب أهل الحقّ وهو في منظور الولايات المتّحدة إرهابي مدعوم من إيران قاد التخطيط لهجوم يناير 2007 على مركز التنسيق المشترك في محافظة كربلاء والذي أسفر عن مقتل خمسة أميركيين.
وكان فيحان مثل الخزعلي منتميا إلى التيار الصدري وعنصرا من ميليشيا جيش المهدي، التسمية القديمة لسرايا السلام، قبل أن ينشق الرجلان ويؤسسا بمساعدة الحرس الثوري الإيراني ميليشيا جديدة أصبحت بعد ذلك من أشدّ الميليشيات عداء للتيار الأم الذي انبثقت عنه.
وحملت عملية اغتيال أيسر الخفاجي ملامح انتقام من قبل عصائب أهل الحق التي كانت هي بدورها قد فقدت عناصر تابعة لها في عمليات اغتيال مماثلة توجّهت على إثرها أصابع الاتهام إلى ميليشيا مقتدى الصدر.
ولم تقتصر التوترات بين الفريقين المتصارعين على محافظة بابل بل شملت عددا من محافظات وسط وجنوب العراق.
وشهدت بعض تلك المحافظات خلال الفترة الأخيرة صدامات مسلّحة بين العصائب والسرايا أحدثت حالة من الفزع بين السكان كونها تدور في أحيائهم وداخل مدنهم العامرة بالسكّان.
وعاشت محافظة ميسان مؤخرا توترا أمنيا شديدا وحالة من الاستنفار في صفوف ميليشيا الصدر وميليشيا الخزعلي عقب اغتيال عضو في العصائب.
وجاء ذلك أياما بعد أن شهدت مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار المجاورة لميسان اشتباكات مسلّحة بين الطرفين.وتوجّهت أصابع الاتهام في اغتيال ناجي الكعبي مسؤول العلاقات في ميليشيا عصائب أهل الحق بميسان صوب أتباع مقتدى الصدر.
وفي ردّ فعلها على الحادثة قامت العصائب بنشر مسلّحيها في الشوارع مثيرة حالة من الذعر في صفوف السكان.
وقام مسلّحو العصائب بإطلاق النار بشكل مكثّف أثناء تشييع جنازة الكعبي، وذلك في استعراض للقوّة جرى تحت أنظار قوات الشرطة النظامية.
ووصف الخزعلي في منشور على منصة إكس أتباع الصدر دون أن يسميهم بـ”القتلة القذرين”، وبـ”عصابات المخدرات وأراذل الخلق”.
وعلى الجهة المقابلة كان التيار الصدري قد فقد أحد عناصره البارزة القاضي أحمد فيصل الساعدي الذي سقط قرب مقرّ عمله بمحكمة استئناف ميسان في مدينة العمارة برصاص مسلحين مجهولين قال بعض الصدريين إنّهم عناصر من العصائب ضالعة في تجارة المخدّرات ومتورّطة في قضية بصدد النظر من قبل القاضي نفسه.
كما لقي جواد الحلفي عضو ميليشيا سرايا السلام التابعة للصدر حتفه في إطلاق نار بميسان من قبل مسلحين مجهولين.
وفقدت العصائب مدير مكتبها في ميسان وشقيقه في هجوم مسلح على مقرّها في مدينة العمارة، وتمّ لاحقا اغتيال حسام العلياوي شقيق القيادي في الميليشيا وسام العلياوي برصاص مسلحين مجهولين.