صراع أجنحة داخل حماس حول خلافة هنية يغذيه التنافس بين قوى إقليمية

الكلمة الفصل في يد رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار.
السبت 2024/08/03
السنوار يقود الجناح الراديكالي داخل حماس

تنشغل الكثير من الأوساط السياسية بالخليفة المحتمل لإسماعيل هنية في قيادة المكتب السياسي لحماس، وسط تسريبات عن خلافات بين قيادات الحركة الفلسطينية حول من سيتولى المنصب في ظل مرحلة دقيقة تمر بها الحركة وكامل المنطقة.

غزة - تقول أوساط سياسية إن ملامح الصراع على خلافة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي اغتيل السبت الماضي في طهران بهجوم ينسب إلى إسرائيل، قد بدأت تظهر في ظل وجود جناحين داخل الحركة: الأول قريب من قطر وتركيا ويقوده قائد حماس في الخارج خالد مشعل والثاني منصهر في محور إيران ويتزعمه رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار.

وتوضح الأوساط أن الجناح القريب من تركيا وقطر يدفع باتجاه تسلم مشعل مجددا قيادة المكتب السياسي، لكن هذا الجناح يصطدم بمواقف متشددة للسنوار، الذي بات يسيطر على القرار داخل الحركة الفلسطينية لاسيما بعد هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل.

وشيع الآلاف من المعزين الجمعة إسماعيل هنية في العاصمة القطرية، حيث دفن في مقبرة بمدينة لوسيل شمال الدوحة، فيما لا تزال المعلومات عن طريقة اغتياله شحيحة، وسط تضارب الروايات بين من يقول إنه قضى بصاروخ، وبين من يتحدث عن عبوة ناسفة زرعت قبل شهرين في المضافة التي أقام بها.

أحمد فؤاد أنور: احتمال اكتفاء الحركة بقيادة جماعية يبقى قائما
أحمد فؤاد أنور: احتمال اكتفاء الحركة بقيادة جماعية يبقى قائما

وأثار اغتيال هنية مخاوف كبيرة من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط، ويقول محللون إن عملية الاغتيال ستؤثر حتما على عملية اختيار خليفة لهنية، كما أن البعد الإقليمي سيكون حاضرا بقوة في الاستحقاق الداخلي للحركة.

 وذكرت بعض المصادر أن القيادي في الحركة أسامة حمدان قد يكون الأوفر حظا لرئاسة المكتب السياسي لحماس. ونقلت وكالة عمون الأردنية عن مصدر وصفته بالمطلع قوله إن خالد مشعل يُعتبر من أهم الأسماء المرشحة، لكن المشكلة تكمن في انعدام الكيمياء بينه وبين رئيس الحركة في غزة، ناهيك عن شخصيته وأسلوبه المختلف في مقاربة جملة من الملفات الأساسية، والوضع الراهن قد لا يحتمل مغامرة أو انتقالا من هذا النوع.

وأضاف المصدر أن الكلمة الفصل هي في يد السنوار، وهو أقرب إلى تزكية حمدان من غيره، كونه يُشكل امتدادًا طبيعيًا لسياسات الحركة وتحالفاتها وخطابها الذي جسده هنية على مدى السنوات الماضية، فضلاً عن شخصيته القادرة على حصد شبه إجماع من القيادات والكوادر الوازنة، إنْ على المستوى السياسي أو العسكري داخل حماس.

ومن المفترض أن ينعقد مجلس الشورى، وهو الهيئة الاستشارية الرئيسية لحماس، قريبا لاختيار قائد سياسي جديد خلفاً لهنية.

وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور إن اختيار خليفة لهنية ليس بالأمر السهل وله أبعاد متداخلة، فإذا قبلت شخصية بارزة لديها القدرة على لم الشمل والإقناع والتحرك في المحافل الدولية المساندة والداعمة عملية تولي القيادة، فإن دولة المقر (قطر) أو دولا مؤثرة مثل إيران وتركيا سيكون لها بكل تأكيد رأي، وربما يتم في هذا الإطار تلقي “نصح” و”مشورة” من أجهزة أمنية عربية أخرى، قد تقع على عاتقها مسؤولية إقامة القيادة الجديدة وحمايتها أثناء الزيارات المستقبلية.

وأوضح أنور في تصريح لـ”العرب” أنه وفق المعطيات المتوفرة فإن احتمال عدم إعلان خليفة لهنية يبقى قائما مع الاكتفاء بقيادة جماعية مؤقتة تضم خالد مشعل وخليل الحية وأسامة حمدان وموسى أبومرزوق، وربما يخرج محمود الزهار إلى الأفق الرحب ويتولى القيادة بعد تواريه عن الأضواء الفترة الماضية، وهي سيناريوهات غير مستبعدة.

kk

وأضاف أحمد فؤاد أنور، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، لـ“العرب” أن السيناريو الأقرب إلى مرحلة انتقالية هو عودة خالد مشعل إلى رئاسة المكتب السياسي لأنه صاحب علاقات متشعبة ويملك حسا أمنيا كبيرا وخبرات سياسية راكمها خلال فترة رئاسته السابقة للمكتب السياسي للحركة، في ظل تراجع مجال المناورة أمام كل من سوريا ولبنان.

ويعيش خالد مشعل، الذي خلفه هنية، في المنفى منذ عام 1967. واختير رئيسا للمكتب السياسي للحركة بعد اغتيال إسرائيل مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين ومن بعده خليفته في الأراضي الفلسطينية عبدالعزيز الرنتيسي. ونجا مشعل نفسه من محاولة اغتيال عام 1997 في عمان خلال عملية نفذها عملاء الموساد، جهاز المخابرات الإسرائيلي.

وعندما كان يعيش في سوريا وجه مشعل انتقادات للنظام السوري بسبب قمعه العنيف للاحتجاجات المناهضة للحكومة، ما تسبب في توتر علاقاته مع إيران، الحليف الإستراتيجي لسوريا والداعم الرئيسي لحماس. ويرجح متابعون أن تعمل إيران على التأثير على الجناح الموالي لها داخل الحركة من أجل الحيلولة دون اختيار مشعل للمنصب.

وقال خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات بالقاهرة في منشور عبر حسابه على فيسبوك “إن الصراع والتنافس الشرس على خلافه إسماعيل هنية  بدآ منذ مراسم صلاة الجنازة في طهران، ووفق ما جرى مؤخرا من أحداث سيكون للاعتماد الإيراني وزن متقدم في اختيار الرئيس القادم للمكتب السياسي لحركة حماس، حيث ستتشكل أوزان جديدة لصراع الأجنحة داخل الحركة”.

يحيى السنوار تمكن من حسم الصراع لصالح قرار الداخل في مواجهة قيادات الخارج، مع ميل ظاهر وتحالف معلن مع الجناح الإيراني

ولفت عكاشة إلى أن قبل أحداث غزة كان هناك تنافس بين الجناح التركي/ القطري المتقدم تاريخيا والجناح الإيراني الذي صار يكسب أرضا جديدة كل يوم منذ عدوان أغسطس 2022 (عملية الفجر الصادق).

وأوضح عكاشة في منشوره أن يحيى السنوار تمكن من حسم الصراع لصالح قرار الداخل في مواجهة قيادات الخارج، مع ميل ظاهر وتحالف معلن مع الجناح الإيراني.

ويُعد يحيى السنوار، الذي انتُخب في فبراير 2017 رئيسًا لحركة حماس في قطاع غزة، من مؤيدي الخط المتشدد القريب من محور إيران. وأمضى هذا الرجل المتقشف البالغ من العمر 61 عامًا، 23 عامًا في السجون الإسرائيلية قبل أن يُطلق سراحه عام 2011 ضمن صفقة تبادل.

ووُلد السنوار في مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة، وانضم إلى حركة حماس عند تأسيسها عام 1987 وهو العام الذي انطلقت فيه الانتفاضة الأولى. بعد ذلك أسس “مجد”، جهاز الأمن الداخلي التابع لحماس.

ويعد قائد النخبة السابق في كتائب القسام وتلاحقه إسرائيل بصفته العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر، وهو مدرج على قائمة “الإرهابيين الدوليين” الأميركية. ويحيط السنوار تحركاته بمنتهى السرية. ولم يشاهَد علنًا منذ اندلاع الحرب في غزة.

ويجمع المحللون على أن موقف السنوار سيكون حاسما في اختيار الشخصية التي ستخلف هنية، لاسيما وأن الرجل يحظى بثقل كبير داخل كتائب عزالدين القسام. وتقول تهاني مصطفى من مجموعة الأزمات الدولية إنه سيكون “مجانبا للمنطق من الناحية السياسية” توقع أن يميل خليفة هنية إلى المرونة تجاه إسرائيل.

2