صراعات فصائل المعارضة تفتح الباب للجيش السوري للتقدم العسكري

روسيا تستبق المعارضة بأي عمل عسكري على الأرض وتسد الطريق أمامها.
السبت 2024/10/19
خلافات المعارضة وأزماتها الداخلية تزدادان مع مرور الوقت

تساهم الانقسامات والاشتباكات بين الفصائل المعارضة شمال سوريا في تفككها وإضعافها لاسيما مع غياب الإدارة السياسية الفاعلة التي لا تملك قرارا على الأرض، ما يقلل من قدرتها على مواجهة ضربات القوات السورية والروسية التي كثفت عملياتها العسكرية في الأيام الأخيرة.

إدلب (سوريا) - دخلت الفصائل المسلحة شمال حلب في صراعات ازدادت حدتها لتتحول إلى اشتباكات أنهت تشكيل أحد فصائلها بأوامر تركية في الوقت الذي كثفت فيه القوات السورية والروسية الهجمات على إدلب ومن المرجح أن تحقق مكاسب وتعيد توزيع خارطة السيطرة على حساب المعارضة المشتتة.

ويبدو أن خلافات المعارضة وأزمتها الداخلية التي تزداد مع مرور الوقت بمثابة تعويض لدمشق عن انشغال حلفائها إيران وحزب الله بالحرب مع إسرائيل، إذ يقوم حزب الله بسحب عناصره من سوريا مع تواصل المواجهات العسكرية في جنوب لبنان.

وتبرز المصالح الشخصية والصراع على النفوذ وطرق التهريب وراء خلافات الفصائل المسلحة، وتشير المصادر إلى أن طمع الفصائل في السيطرة على مناطق جديدة شمال حلب هو المحرك الأساسي للاشتباكات وبالتالي بسط السيطرة على مناطق إستراتيجية.

وأسفرت التطورات عن مواجهات عسكرية في ريف حلب الشمالي، بين فصائل تتبع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وتحديداً “الجبهة الشامية” و”القوة المشتركة”.

وأعلن فصيل “صقور الشمال” المنضوي تحت “الجبهة الشامية” حل نفسه بعد نحو يومين من هجوم لـ”القوة المشتركة” على مقاره في ريف حلب، لينتهي وجوده بعد نحو ثماني سنوات من تشكيله عقب انشقاقه عن الفصيل الأم “لواء صقور الجبل”.

المصالح الشخصية والصراع على النفوذ وطرق التهريب وبسط السيطرة على مناطق إستراتيجية وراء خلافات الفصائل المسلحة

وجاء في بيان “صقور الشام”، الخميس أنه بسبب “المتطلبات الميدانية في الآونة الأخيرة، ومن أجل جعل القوة العسكرية للثورة أكثر فعالية في محاربة الأعداء وأكثر كفاءة”، تم حل فصيل “صقور الشمال”، وخروجه من “الجبهة الشامية” وتسليم إدارة الفصيل لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة”.

وأشار البيان إلى أن حل الفصيل جاء أيضًا في إطار عملية إعادة هيكلية “الجيش الوطني” المستمرة منذ عامين، وإعادة توزيع الأدوار والوظائف الموكلة لبعض التشكيلات، وهو الأمر الذي اعترض عليه الفصيل في سبتمبر الماضي.

وتشير المصادر إلى تقارير كيدية ساهمت في زيادة التوتر وجاءت أوامر تركية بحل “الصقور” ودمجه مع “القوة المشتركة”، ومن المقرر أن توزع تركة الفصيل من مقار وعتاد وقوة بشرية ضمن باقي فصائل “الجيش الوطني السوري” الذي يعتبر المظلة الجامعة لكافة فصائل ريف حلب والمدعوم من تركيا.

ويؤكد متابعون أن هذه الانقسامات والخلافات بين أطياف المعاضة وفصائلها، تساهم في تفككها وإضعافها لاسيما مع غياب الإدارة السياسية الفاعلة التي لا تملك قرارا على الأرض، إذ تخضع الفصائل لتوجيهات تركيا التي يبدو أنها حريصة على بقاء جميع الخيوط بيدها لضمان الولاء والإمساك بزمام الأمور بدليل أنها غالبا ما تقف متفرجة وسط صراعات الفصائل، بحسب تأكيد مصادر قيادية.

وتشكل هذه الصراعات ورقة رابحة بيد الحكومة السورية التي تسعى لاستغلالها، واستثمار تفكك المعارضة وانقسامها، وقد دفع الجيش السوري مؤخرا بتعزيزات عسكرية جديدة إلى ريف حلب الغربي، من الفرقة الرابعة، والفرقة 25 مهام خاصة، والفيلق الخامس، والحرس الجمهوري، تحسبا لأي هجوم عسكري محتمل لفصائل المعارضة.

الانقسامات والخلافات بين أطياف المعاضة وفصائلها، تساهم في تفككها وإضعافها لاسيما مع غياب الإدارة السياسية الفاعلة التي لا تملك قرارا على الأرض

وفي الوقت الذي تشير فيه بعض التوقعات إلى أن المعارضة قد تستغل الظروف الحالية لبدء عمل عسكري، حيث يعاني النظام من تحديات داخلية وخارجية، خصوصاً بعد الضربات التي طالت بعض حلفائه الإقليميين، يساهم تفكك المعارضة نفسها في إضعافها وعدم قدرتها على المواجهة وتحقيق مكاسب.

وأكد مصدر ميداني لـصحيفة “الوطن” المحلية المقربة من دمشق، أن “الطيران الحربي واصل شن غاراته المكثفة على مواقع الإرهابيين ونقاطهم في ريف إدلب الجنوبي والغربي، في حين دك الجيش بمدفعيته الثقيلة وصواريخه، مقراتهم في ريف إدلب، وفي سهل الغاب الشمالي الغربي”.

وأفاد متابعون بأن المنطقة في شمال غربي سوريا مرشحة أن تشهد تصعيداً كبيراً في الأعمال العدائية، حيث بدأت منذ الأسبوع الماضي وسائل إعلام مرتبطة بهيئة تحرير الشام نشر تحذيرات للسكان في بعض المناطق الواقعة قرب خطوط التماسّ بين قوات الجيش السوري وفصائل المعارضة للاستعداد من أجل القيام بإخلاء بعض القرى، بينما نشرت وسائل إعلام معارضة أخرى تسريبات تتحدث عن خطة قامت الهيئة وفصائل تحالف غرفة عمليات الفتح المبين بإعدادها لشنّ هجوم يهدف إلى السيطرة على مدينة حلب وانتزاعها من قبضة النظام.

ولاحقاً أشارت تسريبات أخرى إلى أهداف أخرى تتعلق باستعادة السيطرة على سراقب الواقعة على طول جبهة جنوب إدلب، أو التقدم غرباً من الأتارب في ريف حلب الغربي.

من جهتها، تسعى روسيا إلى “استباق المعارضة بأي عمل عسكري ضدها على الأرض وسد الطريق أمامها”.

الصراعات تشكل ورقة رابحة بيد الحكومة السورية التي تسعى لاستغلالها، واستثمار تفكك المعارضة وانقسامها

وقبل يومين أعلن مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم بسوريا، في بيان أن غاراته على إدلب، هي “لمنع محاولات الجماعات المتطرفة الموجودة في منطقة خفض التصعيد في إدلب مهاجمة مواقع الحكومة السورية باستخدام المسيرات وراجمات الصواريخ”.

ومع الحديث عن ممارسات الفصائل وصراعاتها للسيطرة لا يمكن إغفال الاستياء الشعبي المتزايد في أماكن سيطرتها، إذ أن الاشتباكات الأخيرة تسببت في إصابات بين المدنيين وحركة نزوح.

وذكر “الدفاع المدني” أنه تم التوصل إلى هدنة سيتم إجلاء مدنيين إلى أماكن أكثر أمنًا، والسماح بدخول سيارات الإسعاف للمناطق التي تدور فيها الاشتباكات للوصول إلى الجرحى المدنيين وإسعافهم.

وأشار مدير “الدفاع المدني”، رائد الصالح، قبل ساعات من الهدنة إلى وجود إصابات بين المدنيين، بعضهم إصابات خطرة، وإلى تضرر مخيمات في المنطقة وقطع وإغلاق الطرقات بين عفرين واعزاز.

وأجلت فرق “الدفاع المدني” نحو 300 عائلة من مناطق مريمين وكفرجنة وقطمة والمخيمات القريبة بريف عفرين.

وذكر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” في فبراير الماضي، أن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والجيش الوطني، التي أعلنت أنقرة أنها تسعى لتحويلها إلى مناطق آمنة، تزخر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في المقام الأول فصائل من “الجيش الوطني السوري”.

وأضاف التقرير أن حياة سكان المنطقة، البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة، تتسم بالفوضى القانونية وانعدام الأمن، ونقل عن أحد السكان السابقين، الذي عاش تحت حكم الفصائل لمدة تقل قليلاً عن 3 سنوات، أن “كل شيء بقوة السلاح”.

ولفت التقرير إلى أنه رغم أن “الجيش الوطني السوري” يتبع رسمياً وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، وهي هيئة حاكمة معلنة ذاتياً، ومعترف بها دولياً تمثل المعارضة السورية ومقرها أعزاز، فإن فصائله تخضع في نهاية المطاف، بحسب مصدرين مطلعين تحدثا للمنظمة، للقوات العسكرية والمخابرات التركية، ولا شيء يحدث دون علمهم.

2