صراعات الزعامات الحزبية تهدّد حصّة المكون السني في مؤسسات الدولة العراقية

الإطار التنسيقي الشيعي يمنح القوى السنية مهلة قصيرة للتوافق على مرشح لرئاسة البرلمان.
الثلاثاء 2024/07/16
فشل وساطة بارزاني أضاع الفرصة الأخيرة للتوافق

الصراعات الدائرة بين أقطاب المعسكر السياسي السني في العراق تصب في مصلحة القوى الشيعية وتساعدها في تكريس هيمنتها على مقاليد الدولة ومناصبها القيادية، دون استثناء لمنصب رئيس البرلمان الذي حالت صراعات “الإخوة الأعداء” على حسم مرشّح لشغله مفسحة المجال للأحزاب الشيعية للتحكم في العملية وتوجيهها وفق مزاجها ومصلحتها.

بغداد - تهدّد الصراعات الحادّة بين أقطاب البيت السياسي السنّي في العراق بفقد زمام التحكّم في منصب رئيس البرلمان الذي يمثل حصّة مكوّنهم من المناصب القيادية في الدولة العراقية وخسارة امتياز اختيار من يشغله، وهم الذين يشكون أصلا تهميش المكوّن الذي يرفعون لواء تمثيله والتحدّث باسمه في العلمية السياسية، لمصلحة ممثلي المكوّن الشيعي المسيطرين عمليا على مقاليد الحكم في البلاد.

وحوّلت الأزمة المتواصلة منذ أكثر من ثمانية أشهر بشأن اختيار خليفة لرئيس البرلمان المستبعد من المنصب بحكم قضائي محمّد الحلبوسي، الأحزاب والكتل الشيعية من شريكة ثانوية في اختيار من يتولّى رئاسة المجلس، إلى متحكمة رئيسية في العملية بعد عجز الأحزاب والكتل السنية عن التوافق على مرشّح لشغل المنصب الذي يدار حاليا بالوكالة.

وظهر ذلك من خلال “المهلة الأخيرة” الممنوحة من قبل الإطار التنسيقي المشكّل من أبرز الأحزاب والفصائل الشيعية للقيادات السياسية السنية لتحديد مرشّح لتولي منصب رئيس البرلمان، في موعد لا يتجاوز العشرين من الشهر الجاري.

ولا تؤشّر حالة التنافر الشديدة القائمة بين قادة الأحزاب والكتل السنية على أيّ إمكانية للتوافق، الأمر الذي سيجعل الأحزاب الشيعية تتولى بنفسها عملية الترشيح للمنصب وفرض اختيارها عبر تحالفاتها تحت قبّة البرلمان وباستخدام ما تمتلكه من سلطة ونفوذ كبيرين في باقي مؤسسات الدولة وأجهزتها.

عائد الهلالي: مهلة الإطار التنسيقي للقوى السنية نهائية ولا سبيل لتمديدها
عائد الهلالي: مهلة الإطار التنسيقي للقوى السنية نهائية ولا سبيل لتمديدها

وقال القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي إن الأطراف المنضوية في الإطار منحت القوى السياسية السنية موعدا لغاية العشرين من يوليو الجاري، أي بعد انتهاء مراسيم عاشوراء، لحسم موقفهم والاتفاق في ما بينهم على ملف انتخاب رئيس البرلمان، مضيفا في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنه في حال عدم اتفاق القوى السياسية السنية في ما بينها، فسيتم عقد جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب في بداية الفصل التشريعي، ويُترك الأمر للنواب وأيّ مرشح يحصل على أعلى الأصوات سيكون هو الرئيس الجديد.

وشدّد الهلالي على أنّه “لا تأجيل في ذلك، فقوى الإطار تريد حسم الملف سريعا، كونه أثّر سلبا على العمل التشريعي والرقابي”.

ويقع منصب رئيس مجلس النواب ضمن حصة السنة وفقا للعرف السياسي القائم في العراق منذ قيام النظام الحالي المنبثق عن الغزو الأميركي للبلاد وتشكّل مؤسساته بشكل تدريجي، في حين يذهب منصب رئيس الوزراء أهم منصب تنفيذي إلى الشيعة، ومنصب رئيس الجمهورية وهو موقع اعتباري وصوري إلى حدّ كبير، إلى الأكراد.

وما يزال منصب رئيس البرلمان يدار بالوكالة منذ نوفمبر الماضي عندما قرّرت المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق إنهاء عضوية رئيس المجلس محمد الحلبوسي بناء على دعوى رفعها ضدّه أحد النواب السابقين واتهمه فيها بتزوير وثائق رسمية.

ورغم الغطاء القانوني لعملية الإبعاد، إلاّ أن مصادر متعدّدة قالت إنّ صراعات سياسية وتنافسا على الناصب في الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية لمحافظة الأنبار كان الحلبوسي طرفا فيها هي السبب الحقيقي وراء إزاحته من المنصب.

وأشارت المصادر إلى استعانة قوى شيعية بأخرى سنية منافسة بشدّة للحلبوسي على استبعاده وكسر نسق صعوده السياسي وتفكيك حزب تقدّم الذي يقوده ونجح في تحويله إلى رقم صعب على الساحة السياسية.

وما يزال الحزب رغم موجة الانسحابات التي ضربت صفوفه يطالب بمنصب رئيس مجلس النواب مستخدما بعض الأوراق التي يمتلكها للمساومة ومستعينا ببعض القوى الشيعية المناوئة لخصومه السنّة وتحديدا لتحالف السيادة بزعامة السياسي خميس الخنجر الساعي بدوره لإيصال مرشّح عنه إلى موقع رئاسة البرلمان. وأطال صراع الأقطاب السنية أمد أزمة اختيار رئيس جديد للبرلمان العراقي، حيث لم تفض عدّة جلسات برلمانية إلى حسم الأمر وانتهى بعضها إلى هرج وصراخ وتشابك بالأيدي.

وجاءت مهلة الإطار التنسيقي بعد أن فشلت آخر محاولة للوساطة بين القوى المتصارعة على رئاسة البرلمان قام بها مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد.

وعقد بارزاني ضمن لقاءاته الكثيرة التي عقدها مع عدد كبير من مسؤولي الدولة وقادة الأحزاب السياسية اجتماعا مع الحلبوسي رئيس حزب تقدم “للتباحث بشأن عقدة انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب وتقريب وجهات النظر بين الكتل السنية”.

ثم جمع بعد ذلك بين كلّ من الحلبوسي والخنجر وعدد آخر من قيادات القوى السياسية السنية وحاول إقناعها بالاتفاق على ترشيح شخصية واحدة تمثل جميع الأطراف السنية للمنصب، لكنّه لم ينجح، بحسب مصادر شهدت الاجتماع، في زحزحة مواقف أيّ طرف من الأطراف. وقال النائب بمجلس النواب العراقي ضياء الهندي إنّ البرلمان سيبدأ أعماله عقب انتهاء زيارة العاشر من محرم، متوقعا أن يتم حسم اختيار رئيس مجلس النواب الجديد في الجلسة الأولى أو الثانية من الفصل التشريعي.

لا تؤشّر حالة التنافر الشديدة القائمة بين قادة الأحزاب والكتل السنية على أيّ إمكانية للتوافق، الأمر الذي سيجعل الأحزاب الشيعية تتولى بنفسها عملية الترشيح للمنصب وفرض اختيارها عبر تحالفاتها تحت قبّة البرلمان

كما أكّد الهندي لوسائل إعلام محلية صحّة الأخبار المتداولة بشأن نية رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي تغيير النظام الداخلي للبرلمان، مبينا أنّ هذا التغيير يهدف إلى فتح الباب أمام شخصيات جديدة لشغل منصب رئيس البرلمان في حال عدم اتفاق المكون السني على مرشح محدد. وعلّق القيادي في تحالف الأنبار الموحد محمد الفهداوي على المهلة الممنوحة للكتل السنّية من قبل الإطار التنسيقي قائلا إنّها نهائية.

ورأى في تصريحات لوسائل إعلام عراقية أنّ الاطار وضع الكتل السنية أمام خيارين، إما الاتفاق خلال الأيام المقبلة، وإمّا “اللجوء إلى الفضاء الوطني داخل مجلس النواب لاختيار الشخصية الأنسب لرئاسة المجلس”. وأضاف أن “المدة التي منحها الإطار التنسيقي أكثر من كافية، لأن أي تمديد آخر للأزمة سوف يوصلها إلى عدم الاتفاق وتفاقم المشكلات”.

وعلى الطرف المقابل تنظر قوى سنية لمهلة الإطار التنسيقي باعتبارها تهديدا مرفوضا وتصفها بأنها تشكّل تجاوزا من القوى الشيعية على حقّ أصيل للمكون السني في اختيار من يتولى رئاسة البرلمان.

ويُستبعد أن يذهب المنصب إلى شخصية غير سنية، شيعية أو غيرها، لكن مجرّد تحكّم الإطار التنسيقي في اختيار من يشغله سيجعل رئيس البرلمان مرتهنا للقوى التي أوصلته إلى موقع الرئاسة وتابعا لها في قراراته وطريقة إدارته للبرلمان.

ويرى القيادي في حزب تقدم محمد العلوي أنه لا يمكن فرض أيّ مهلة على القوى السنية من قبل أيّ طرف سياسي، ويضيف متحدّثا لمواقع عراقية أنّ “الأمر يجب أن يحسم عبر التفاهم والاتفاق وليس عبر التهديد”، مؤكّدا أنّه “لا يمكن انتخاب أيّ رئيس جديد للبرلمان دون موافقة حزب تقدم عليه كون الحزب هو من يملك الأغلبية السنية داخل البرلمان”.

ويُنظر إلى الصراع السني – السني على منصب رئيس البرلمان باعتباره صراعا نخبويا على النفوذ والمكاسب الشخصية البعيدة عن مشاغل المكوّن الذي تدّعي الشخصيات المتصارعة تمثيله والتحدّث باسمه.

ويشكو سنّة العراق منذ قرابة ربع قرن من التهميش والإقصاء عن مواقع القرار الفعلية والمؤثرة في الدولة، وترى غالبيتهم أنّ إسناد عدد من المناصب لشخصيات من طائفتهم في نطاق نظام المحاصصة المعمول به في العملية السياسية الجارية بالبلد يظل غير مؤثر في واقعهم، على اعتبار أن الكثير من تلك الشخصيات كانت دائما موضع اتهام بالفساد وعدم الكفاءة، وفي أدنى الحالات بالعمل لمصلحتها الخاصة ولمصلحة تياراتها وأحزابها.

 

اقرأ أيضا:

        • الاستيلاء على التعليم العالي في العراق يضخ دماء جديدة للميليشيات

        • بارزاني وحلحلة العقد المستعصية بين بغداد وأربيل

3