صدى السنين الحاكي

الذاكرة والنسيان قطبا معادلة قلقة يستعملها العشاق إما لإثارة الشجن أو لاستعادة الأيام الخوالي.
السبت 2024/09/28
المستقبل سيكون نوعا من الذكرى يوما ما

"بعض ذكرياتنا أفضل من كل ما يمكن أن يحدث لنا ثانية" يقول المثل. في المقابل يقول أحد المفكرين “الذكريات تُصنع من خلال ما نفعله وليس من خلال ما نفكر فيه” غير أننا نبالغ في الخيال إذا ما صدقنا أن كل ما نتذكره قد وقع فعلا.

أما أن يكون الآخرون هم مصدر ذكرياتنا فتلك مسألة تشوبها الشبهات. فعلى سبيل المثال تقول أم كلثوم “كلموني تاني عنك فكروني/ صحو نار الشوق في قلبي وف عيوني”، ذلك حدث ماضوي يستيقظ مثل النبش في الرماد بحثا عن الجمرة.

أما “ابقه افتكرني/ حاول حاول تفتكرني” كما يقول عبدالحليم حافظ فإنها محاولة لمد حبل الذكريات إلى المستقبل. والمستقبل هو الآخر سيكون نوعا من الذكرى يوما ما.

تقول نجاة الصغيرة “فاكرة؟/ أنا ناسية وفاكرة/ حبو بقى ماضي وذكرى/يعني؟/ عندي يا دوب فكرة/ لكن خلينا في بكرة” هذا الجدل بين زمنين يقدم المستقبل على الماضي. لكن العشاق المهجورين يظلون رهن الإقامة الجبرية في ذكرياتهم.

أحببتُ التونسية ذكرى منذ أغنيتها “وحياتي عندك لو كان ليه عندك خاطر/ لتراجع قلبك قبل ما يجي اليوم وتسافر” كانت ذكرى بالنسبة لي هي الوارثة لخصال صوتي وردة ونجاة. ولكنها مضت مثل ذكرى بعد أن غنت مع أبوبكر سالم أجمل الأغاني.

يقول أحمد شوقي “يا جارة الوادي طربت وعادني/ ما يشبه الأحلام من ذكراك/ مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى/ والذكريات صدى السنين الحاكي” وهو ما تعبّر عنه سعاد محمد “أوعدك ديما فاكراك/ أوعدك ولا يوم أنساك”.

الذاكرة والنسيان قطبا معادلة قلقة يستعملها العشاق إما لإثارة الشجن أو لاستعادة الأيام الخوالي.

تقول نجاة الصغيرة “فاكر ولا ناسي/ ياما كنت بقاسي/ حتى مع الأيام الحلوة وقت ما كنت أقابلك فيها/ كانت الفرحة معاك توحشني قبل ما يجي ميعاد لياليها” وهو ما لخصته أم كلثوم بجملة واحدة “فاكر لما كنت جنبي” في المقابل تميل شادية إلى عيش لحظة الحب الحاضرة من غير التفكير بالغد الذي سيكون ساحة للذكريات.

تقول لعبدالحليم حافظ في فيلم دليلة “متقولش بكرا/ متجيبش سيرتو/ خليك معاي ويه الجمال ده/ قلبك حبيبي وأنا حبيتو والعمر كلو هو النهارده” غير أن هناك مَن لا يرغب في أن يتعرض لعصف الحب خوفا من عنف ما يتركه من ذكريات كما هو حال كارم محمود “والنبي يا جميل حوش عني هواك/ أنا قلبي عليل ودواه وياك”.

18