صدور المرسوم المتعلق بتنظيم المجلس الأعلى للتربية والتعليم خطوة أولى في مسار النهوض بالمنظومة التعليمية في تونس

الرئيس قيس سعيد يتخذ من إصلاح التعليم أولوية.
الأربعاء 2024/09/18
التعليم عماد الدولة

يشكل صدور المرسوم المتعلق بتنظيم المجلس الأعلى للتربية والتعليم خطوة أولى في مسار إصلاح المنظومة التعليمية في تونس، والتي يجمع المعنيون بتراجعها، لاسيما خلال السنوات الأخيرة، نتيجة السياسات المتخبطة للحكومات المتعاقبة.

تونس - صدر بالرائد الرسمي في تونس الثلاثاء، المرسوم المتعلق بتنظيم المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم، والذي يراهن عليه التونسيون كبوابة لإصلاح المنظومة التعليمية التي شهدت تراجعا في العقود الأخيرة.

وضبط المرسوم تركيبة المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم واختصاصاته وطرق تسييره. حيث يُعرِّف هذا المجلس بأنّه هيئة دستورية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية.

ويأتي إقرار المجلس التزاما بما جاء به دستور الخامس والعشرين من يوليو 2022، حيث يعتبر الرئيس قيس سعيد أن إصلاح التعليم أحد الأولويات التي يجب إيلائها الاهتمام الكافي.

وسبق وأن انتقد الرئيس سعيد مرارا الوضعية التعليمية في تونس، وقال في إحدى تصريحاته أنه “تم العبث مطوّلا بالتعليم في السنوات الأخيرة، فبات مصير الأجيال رهين قرار وزاري يتغيّر كلّما تغير المسؤول عن الوزارة”.

وأكّد سعيّد على “أهمية التربية والتعليم فكلاهما من قطاعات السيادة، وثروتنا البشرية لا تنضب”، قائلا إن “الكفاءات التونسية التي هاجرت إلى الخارج لا تقدّر بثمن، فتونس هي في الواقع من يقرض الذي يقرضها في الخارج”.

وبحسب المرسوم يتركب المجلس الأعلى للقضاء من وزراء التربية، والتعليم العالي والبحث العلمي، والتشغيل والتكوين المهني، والأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، والشباب والرياضة، والشؤون الدينية، الشؤون الثقافية.

إقرار المجلس يأتي التزاما بما جاء به دستور يوليو 2022، حيث يتخذ الرئيس قيس سعيد من إصلاح التعليم أولوية

ويتداول الوزراء الأعضاء المعنيون بالقطاعات المذكورة على رئاسة المجلس ونيابتها كلّ ستة أشهر. ويتولى رئيس الجمهورية بأمر دعوة المجلس لعقد جلسته الافتتاحية.

ويرأس رئيس المجلس هيئته العليا التي تتركّب من الوزراء المكلفين، إلى جانب سبعة أعضاء من ذوي الخبرة والكفاءة في المجالات المتعلقة بمهام المجلس، يتم تعيينهم بأمر باقتراح من الوزراء المعنيين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

كما تضم تركيبة الهيئة العليا للمجلس، رئيس هيئة الخبراء، ورئيس هيئة التقييم، وممثل عن النقابة الأكثر تمثيلا في القطاعات المذكورة بالفصل الثالث من المرسوم، يتم اختياره من النقابة التي يمثلها، ويدعى كلما تضمن جدول اﻷعمال مسائل تتعلق بالحق النقابي في القطاع الذي يمثله.

ولرئيس الهيئة العليا للمجلس دعوة كلّ من يرى فائدة في حضور أشغالها دون المشاركة في التصويت.

وتتداول الهيئة العليا في كلّ المسائل المعروضة على المجلس وفقا ﻷحكام الفصلين 12 و13 من المرسوم. وتتداول كذلك في اﻵراء والتقارير والتوصيات المعروضة عليها من قبل هيئة الخبراء وهيئة التقييم.

وللمجلس الأعلى للتربية والتعليم إحداث لجان دائمة أو مؤقتة أو مجموعات عمل متخصصة للنظر في مسائل محددة تُرفع نتائج أعمالها إلى الهيئة العليا.

وتُصادق الهيئة العليا للمجلس على مشروع برنامج العمل السنوي للمجلس ومشروع ميزانيته.

وينظر الكثيرون بتفاؤل إلى صدور المرسوم بشأن المجلس، وقال سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم إن “الدافع الذي جعل تأسيس المجلس الأعلى للتربية اليوم ضرورة، هو ما عاشته المنظومة التربوية من تخبّط منذ فترة التسعينات والانقطاع عن الواقع الدولي لأنها كانت قائمة على أهداف سياسية وحزبية، فكانت منظومة أخذ القرار التربوي بعيدة عن الواقع”.

المجلس الأعلى للتّربية والتّعليم يُعرّف بأنّه هيئة دستورية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية المالية

وأضاف قاسم في تصريح لـ”العرب”، “ننتظر أن يقوم المجلس الأعلى للتربية على أركان مهمة، من بينها التخطيط التربوي والمبني على معطيات دقيقة تنطلق من واقع المؤسسة التربوية، وأن يكون آلية حوكمة للمنظومة التعليمية عبر إرساء قواعد التشاركية والشفافية والمساءلة وعلوية القانون التي لم تكن موجودة بالوضوح الكافي في السابق، فضلا عن آلية تقييم الأداء تقييما علميا على شاكلة التقييمات الدولية، إلى جانب التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية والمتدخلين في الشأن التربوي على غرار وزارة التربية ووزارة التعليم العالي ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الشؤون الثقافية، وتشتغل كلّها في نفس الاتجاه لضمان التكامل بينها”.

وأوضح رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم أن “التوجه اليوم في الساحة العالمية هو توجه نحو مبدأ التحسين المستمرّ للتعليم والتغييرات الجذرية على مستوى حوكمة المنظومة التعليمية، والقطع مع التردّد والاضطراب السابق، والمفاهيم اليوم أصبحت واضحة من أجل الإصلاح، ونريد أن تستعيد منظومة التعليم العمومي إشعاعها”.

ويشهد قطاع التعليم في تونس أزمة حادة منذ اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم.

وقال عامر الجريدي الخبير في التخطيط الإستراتيجي والتعليم أن “ملف إصلاح التعليم بات من أولويات الدولة من حيث اهتمام الرئيس وإيلائه الأولوية في مسار وجيه يربط بين الرؤية التربوية والرؤية التنموية باعتبار أن التعليم هو الأداة المحورية لتحقيق المنوال التنموي المُعتمد”.

وأضاف الجريدي في تصريح سابق لـ”العرب”، “هذا التوجه المنهجي التأسيسي الإستراتيجي هو المطلوب لوضع البلاد على سكّة الإصلاح الحقيقي، وسيكون المجلس الأعلى للتربية والتعليم الإطار المؤسساتي التشاركي الجامع لوضع أسس هذا التوجه عن طريق البناء بإرساء المعالم المنهجية والتنفيذية لمدرسة تونس الغد، كما سيكون بوصلة البلاد في الشؤون التربوية التي تتصل بالأسرة والمدرسة والمجتمع عموما (من دور شباب وثقافة وعبادة ومجتمع مدني وفضاءات اتصال وفضاء رقمي)”.

واعتبر الخبير التونسي “أن رسالة المجلس تختصّ بالرؤية والاختيارات وتتمثل في وضع السياسة التربوية والتعليمية للبلاد في طريق يتقاطع مع المنوال التنموي المعتمد، فهو الجهاز الجامع للسياسات (وأولها سياسة بيئية تنحدر منها السياسات الاقتصادية والاجتماعية والترابية والخارجية والتربوية – التعليمية)، بمعنى أن المجلس الأعلى للتربية والتعليم ليس دوره الإشراف على البنية التحتية ولا على السير البيداغوجي للدروس”.

4