صدمة الانتخابات تهدد تماسك الجبهة الشعبية التونسية

تونس - فقدت الجبهة الشعبية في تونس (تجمع أحزاب يسارية وقومية) عبر نتائجها الهزيلة في الانتخابات المحلية الأخيرة تموقعها في الساحة السياسية بالبلاد كقوة ثالثة لفائدة حزب التيار الديمقراطي الذي يقوده محمد عبّو.
ولم تحصد الجبهة الشعبية التي يتزعّمها اليساري حمة الهمامي سوى 3.95 بالمئة من الأصوات لتحلّ في المركز الخامس خلف قوى سياسية أخرى وهي حركة النهضة الإسلامية ونداء تونس والتيار الديمقراطي.
واكتسحت القوائم المستقلة أول انتخابات محلية تُجرى في البلاد منذ ثورة يناير 2011 بنسبة 32 بالمئة لتُوجّه بذلك صفعة قوية لكل الأحزاب السياسية التي سجّلت في أغلبها تراجعا كبيرا في مستوى قواعدها الانتخابية.
وخسرت الجبهة الشعبية مقارنة بالانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2014 أكثر من ثُلثي خزانها الانتخابي باعتبار أن عدد المصوّتين لقوائمها الانتخابية لم يتجاوز 73 ألف صوت، بعد أن صوّت لفائدة مرشحها حمة الهمامي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة 255 ألف صوت.
واعتبر مراقبون أن النتائج التي حقّقتها الجبهة الشعبية قد تربك مكوّناتها وتزيد في تعميق أزمتها الداخلية باعتبار أنها مكوّنة من أحزاب يسارية وقومية مختلفة التوجهات والخيارات السياسية، مشدّدين على أنها فقدت الكثير من وزنها الشعبي مقارنة بعامي 2013 و2014 غداة اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وقال القيادي بالجبهة الشعبية لطفي بن عيسي (قيادي حزب القطب الحداثي) لـ”العرب” إن المجلس المركزي للجبهة سيعقد في الأيام القليلة القادمة اجتماعا موسعا لتقييم نتائج الانتخابات وتدارس أسباب الفشل.
وأكّد بن عيسى أن الجبهة الشعبية فشلت في الانتخابات المحلية مثل بقية الأحزاب، مرجعا ذلك إلى إسهام الائتلاف الحاكم الذي تقوده النهضة ونداء تونس في إحباط التونسيين مما دفعهم إلى العزوف وعدم المشاركة بكثافة في الانتخابات.
واعترف بوجود العديد من النقائص لا بدّ من تداركها في العديد من المستويات الهيكلية. وحمّل لطفي بن عيسى مسؤولية الفشل في الانتخابات المحلية للعديد من أنصار الجبهة الذين وصفهم بـ”أنصار الديكور” باعتبار أنهم لم يتجنّدوا في الحملة الانتخابية لإقناع الناخبين بمشروع الجبهة الوطني.
ودعا جميع قادة الجبهة إلى وجوب طرح كل هذه الملفات على الطاولة، قائلا “دقّت ساعة الفرز وتطهير الجبهة ممن لا يستحقون الانتماء إليها”.
وعقب إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية تداولت البعض من الصحف المحلية أخبارا مفادها وجود بوادر تصدّعات صُلب مكوّنات الجبهة الشعبية، مشدّدة على أن البعض من الأحزاب علّقت مسؤولية الفشل على ناطقها الرسمي حمّة الهمامي.
وعلّق عبدالناصر العويني المكلّف بالإعلام في الجبهة الشعبية في تصريح لـ”العرب” على هذه الأخبار بتأكيده أنّ مجلس أمناء الجبهة الشعبية سينعقد قريبا لتقييم نتائج الانتخابات، مضيفا بأن الوحيد المؤهّل للإجابة عن مثل هذه التساؤلات هو الناطق الرسمي حمة الهمامي.
ويرى مراقبون أنّ تحقيق البعض من أحزاب المعارضة مثل التيار الديمقراطي أو حركة الشعب (حزب قومي) أو الحزب الدستوري الحر نتائج طيبة في الدوائر التي ترشّحت فيها، وضع الجبهة الشعبية في موقف مُحرج يستدعي بالضرورة وجوب القيام بنقد ذاتي.
وأثار فوز الحزب الدستوري الحر الذي تتزعّمه عبير موسى (آخر نائبة للأمين العام للتجمع الدستوري المنحلّ) بالمرتبة الأولى في محافظة سليانة الكثير من التساؤلات باعتبار أنّ المحافظة تعدّ معقلا من معاقل الجبهة ومسقط رأس زعيمها حمة الهمامي.
وأكّد زهير حمدي القيادي بالجبهة الشعبية وأمين عام حزب التيار الشعبي (حزب قومي) أن الجبهة فشلت في الانتخابات وأنّ حجمها تضاءل وتقهقر مقارنة بأوجّها وانتشارها غداة تشكيلها في عام 2012 أو بعد اكتساحها للشارع التونسي بعد اغتيال زعيميها شكري بلعيد ومحمد البراهمي في عام 2013.
وأضاف “مَن أفشل الجبهة هم الجبهويون الذين لم يقدروا على تطوير خطاباتهم السياسية منذ 2012 ليتركوا الفرصة سانحة للأحزاب الليبرالية والإسلامية”.