صدمات نقص الغذاء تفرض الاستثمار في زيادة تمكين المزارعين

روما - تزايدت مطالب المنظمات العالمية المعنية بالغذاء من أجل حث الحكومات على الإسراع في مراجعة النموذج القائم في دعم القطاع الزراعي بما يضمن حماية السكان من آفة انعدام الأمن الغذائي.
وانضمت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) إلى قافلة طويلة من الجهات الدولية التي ترى أن الضرورة تقتضي اليوم زيادة التمويلات لتمكين المزارعين وخاصة الصغار منهم، مع استكشاف طرق جديدة لتوفير تكنولوجيات وابتكارات ميسورة الكلفة للجميع.
وأكد رين بولسن مدير مكتب الطوارئ والمرونة في فاو أنه بهدف مكافحة انعدام الأمن الغذائي المتزايد يجب أن “نمنح المزارعين أدوات” ليزرعوا بأنفسهم، وأن نصرف الأموال لهم بسرعة أكبر لدى حدوث أزمة.
وتشير الإحصائيات الدولية الرسمية إلى أن حوالي 258 مليون شخص حول العالم احتاجوا إلى مساعدات غذائية طارئة للبقاء على قيد الحياة في العام الماضي مقابل 193 مليونا في العام السابق.
وفسر بولسن هذا التفاقم في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، قائلا إن “العنف سواء كان حربا أو صراعا محليا على الوصول إلى المياه أو الموارد هو السبب الرئيسي".
ولكنه أشار أيضا إلى جائحة كوفيد - 19، والأزمات الاقتصادية وأزمة المناخ التي أصبحت حاليا أحد العوامل الرئيسية.
وأوضح أنه يمكن أن تتضافر كل هذه العوامل كما هو الحال في القرن الأفريقي، الذي يضم كلا من الصومال وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي، الذي شهد نزاعات وجفافا وأمطارا محدودة خلال خمسة مواسم متتالية.
وأشار إلى أنه منذ العام 2016 ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد بشكل تدريجي في أنحاء العالم.
وقال "نحن قلقون بشأن الوضع في أفغانستان واليمن وهايتي ومنطقة الساحل. وهناك أيضا الكونغو الديمقراطية والسودان، والقائمة طويلة، وعدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي غير مقبول، لأننا نعرف الحلول لمعالجته".
وحتى يمكن تجاوز هذه المحنة، ترى فاو أن كل الأطراف يقع على عاتقها زيادة التمويلات، وأيضا التفكير في كيفية إنفاق هذه الأموال بالطريقة الصحيحة.
ويعيش حوالي 70 في المئة من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في مناطق ريفية.
وقال بولسن إن هؤلاء "يعتمدون على الزراعة في سبيل العيش، وإحدى أكثر الطرق فعالية لمساعدتهم ليست عبر تقديم المساعدات الغذائية، بل من خلال منحهم الوسائل اللازمة للإنتاج".
وأوضح أنه باستخدام الخضروات ذات الموسم القصير، يمكن للأسر البدء في الحصاد في غضون أسابيع. وأن تلقيح بقرة أو رعايتها يوفر الحليب، وهو ضروري للوقاية من سوء التغذية. ويكلف الأمر من سبعة إلى عشرة دولارات فقط، لكنه فعال جدا.
وفي أفغانستان، تكلّف حزمة من الأسمدة وبذور القمح المقاومة للجفاف منظمة فاو 220 دولارا، وتفي بالاحتياجات الغذائية لأسرة مكونة من سبعة أفراد لمدة عام واحد.
ولكن في حال احتاجت هذه العائلة إلى شراء الدقيق، فسيكلفها أربعة أضعاف هذا المبلغ، أما تقديم المساعدة الغذائية فيكلّف ما بين 8 إلى 10 أضعاف.
وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في أحد تقاريرها إلى أن تسع مَزارع من كل عشر، من أصل 570 مليون مزرعة في العالم، تدار على أيدى الأسر المُزارعة، أي ما يجعل من المَزارع الأسرية فعلياً الشكل الغالب على الزراعة في العالم.
◙ 4 في المئة فقط من التمويلات المخصصة تذهب إلى الزراعة بينما الباقي يتجه إلى المساعدات
وقالت إن "بإمكان أن يصبح المزارعون الأسريون وكلاء حاسمين للتغيير في الطريق إلى الأمن الغذائي المستدام والقضاء على الجوع مستقبلا".
وفي ضوء التطورات الراهنة بسبب تغير المناخ وأيضا تأثيرات التوترات الجيوسياسية، يرى بولسن أنه “علينا أن نسأل أنفسنا عمّا هو مجد”. ومع ذلك “إذا نظرنا إلى تدفق التمويل خلال أزمة الغذاء نرى أن غالبيته مخصّص لتقديم مساعدات غذائية، وأن 4 في المئة منه فقط موجّه لدعم الزراعة".
وأوضح أنه عندما “توقعنا أن منطقة القرن الأفريقي ستعاني من قلة الأمطار ما سيؤثر على المجتمعات الأكثر هشاشة، لم ننجح في جمع الأموال لمواجهة الوضع".
وأضاف “إذا علمنا أن كارثة على وشك الحدوث، يمكننا توفير المياه أو العلف بشكل طارئ للماشية. لكن لا يمكننا فعل ذلك من دون موارد، ولا تُصرف الأموال أحياناً قبل الإعلان الرسمي عن حالة المجاعة".
وفضلا عن ذلك ثمة قناعة راسخة بأن الابتكار في الزراعة هو وسيلة لتعزيز الفعالية والتنافسية والقدرة على الصمود في ظل محدودية الأراضي وغيرها من الموارد.
ويواجه أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر التي تعتمد عل الزراعة كمصدر رزق، لاسيما في الدول الصغيرة، وغيرها من المناطق الضعيفة، تحديات جسيمة وغالباً ما يجدون صعوبات في الوصول إلى الابتكارات الزراعية.