صدر الحكومة المصرية يتسع للتصوير بعد سنوات من ربطه بتهديد النظام العام

الخطوة تعبر عن توجه لفتح الحريات العامة المرتبطة بالمواطن العادي.
الأحد 2022/07/24
لا حاجة للتحسب بعد الآن، اسحب هاتفك متى شئت والتقط صورة

تراجعت الحكومة المصرية خطوات إلى الوراء في شأن التضييق على الحريات العامة، وبدأت تليين مواقفها من المواطنين والسائحين بالسماح لهم بالتصوير في الأماكن العامة من دون الحصول على تصريح مسبق من السلطات.

القاهرة - سمحت وزارة السياحة والآثار المصرية أخيرا ليكون التصوير الشخصي بكافة أنواع الكاميرات التقليدية أو الرقمية والفيديو مجانا، تمهيدا لإصدار الحكومة قانونا ينظم ذلك للتشجيع على السياحة وحرية الصورة لكل المواطنين.

تعتقد دوائر سياسية بأن موقف الحكومة يعبر عن نية لفتح الحريات العامة المرتبطة بالمواطن العادي، بعد سنوات طويلة من استهداف الأجهزة الأمنية لأي شخص يرفع الكاميرا في الشارع للتصوير الشخصي أو رصد أحداث وأماكن وميادين عامة.

ولدى الكثير من رجال الشرطة حساسية مفرطة من أي محتوى يمكن تصويره في الشارع خشية أن يكون الهدف نقل اللقطات إلى الفضاء الإلكتروني، لاسيما إذا كان المحتوى مسيئا للدولة والمكان محل التصوير.

استقبلت أوساط حقوقية الموافقة على إعداد قانون يتيح التصوير للناس والسياح دون مضايقات أو تصاريح بحالة من الطمأنينة، حيث تتزامن مع انعقاد جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي لتقريب المسافات مع قوى المعارضة.

رجال الشرطة لديهم حساسية من أي محتوى يمكن تصويره خشية أن يكون الهدف نقله إلى الفضاء الإلكتروني

ويرى هؤلاء أن شرعنة الصورة في الشوارع والأماكن العامة والسياحية تحمل دلالات على أن الحكومة لم يعد أفقها السياسي ضيقا تجاه الكثير من الوقائع التي كانت تعتبرها خطرا على الأمن والاستقرار، وتخدم تيارات معادية للدولة بإمكانية أن يكون التصوير لغرض اكتشاف ثغرات يمكن من خلالها تنفيذ عمليات إرهابية.

قال نجاد البرعي، المحامي والناشط الحقوقي المعارض، إن السماح بالتصوير للأشخاص هو بداية لانفراجة حقيقية تؤكد وجود نية وإشارات من الحكومة بأنها في طريقها لأن تتعايش بشكل طبيعي بعيدا عن القيود والمضايقات غير المبررة.

وأكد نجاد البرعي، وهو عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، لـ”العرب” أن تزامن القرار مع انعقاد جلسات الحوار الوطني يعزز وجود قناعة لدى النظام المصري بحتمية إثبات حسن النوايا عبر سلسلة من الخطوات العملية، ولو استغرق ذلك بعض الوقت، لذلك تعد الإشارات المتفرقة التي تطلقها الدولة بداية إيجابية وتحمل رسائل تطمين للمعارضة والمواطنين بأن هناك اتجاها للتخلي عن غلق الفضاء العام.

ويبدو أن الحكومة وجدت أن الحجج التي كانت تسوّق لها عند التضييق على المواطنين العاديين والصحافيين وهواة التصوير في الشوارع والأماكن العامة، لم تعد موجودة على الأرض، بعدما زال خطر الإرهاب وامتلكت الدولة قوة أمنية واستخباراتية تجعلها مطمئنة حيال التعاطي مع مخاطر التهديد من مجرد مجموعة صور.

وتعتقد أصوات معارضة أن إصدار قانون خاص بتنظيم حرية التصوير في الشوارع والأماكن العامة، قد لا يكون ذا قيمة كبيرة إذا استمرت نفس العقلية السياسية والأمنية في التعامل مع كل من يحمل كاميرا على أنه يشكل خطورة على استقرار البلاد، أو يسعى لتشويه صورة الدولة.

وعند هذه الفئة مبررات منطقية لأن وزارة الداخلية نفسها وإن كانت لا ترى في التصوير مشكلة باعتبار أن دولة بحجم مصر يصعب أن تؤذيها صورة، فهناك عناصر شرطية سرية تنتشر في معظم الشوارع والميادين وتحكمها فوبيا غير مبررة من الكاميرات، قد تظهر فجأة وبلا مقدمات لضبط المصورين ولو كانوا هواة.

تتعامل هذه الشريحة من أفراد الأمن مع كل من يحمل الكاميرا على أنه ارتكب جريمة إلى أن يثبت العكس، وهي إشكالية قد تكون عائقا أمام نشر ثقافة التصوير بين العامة والزائرين، وبث الطمأنينة في قلوبهم بأنهم لن يكونوا في لحظة يواجهون تهمة الإخلال بالنظام العام وتشويه صورة الدولة والعمل لحساب تيارات وتنظيمات معادية.

تسببت المضايقات التي تعرض لها المدون الأميركي الشهير ويل سونبوشنر جراء تصويره بعض الشوارع والمطاعم، في أن ينشر فيديو عن مصر ليصفها بأنها أسوأ مكان للتصوير في أفريقيا، متهما بعض رجال الشرطة بأنهم تعاملوا معه بطريقة سيئة، ما يعني أن مخاطر منع الصورة أكبر من إباحتها، وهو ما أدركته الحكومة أخيرا.

التقطوا صورا مبهجة
التقطوا صورا مبهجة

وأكد نجاد البرعي لـ”العرب” أن الحكومة فهمت أخيرا أن المنع من التصوير مسيء للدولة، وهذا في حد ذاته من أنماط التفكير الإيجابية التي تمهد لما هو أبعد من ذلك، وأن هناك حرية في نقد السلبيات بلا مضايقات أو استهدافات.

وتعرضت الحكومة لانتقادات لاذعة من بعض أنصارها ومعارضيها بسبب القيود التي تفرضها على تصوير الأعمال الفنية في الشوارع والميادين، وإطالة فترة إصدار التصاريح الأمنية، ما تسبب في خسارة الدولة ماديا لاختيار منتجين مصريين ولبنانيين وأجانب دولا أخرى غير مصر للتصوير فيها لسهولة إجراءاتها.

ولا يزال شرط إجازة التصوير مع عدم تشويه صورة الدولة مثيرا لمخاوف البعض، لأنه يكرس المضايقات التي يتعرض لها المواطنون والصحافيون والمنتجون السينمائيون بدعوى فحص المحتوى للكشف عن مدى إساءته، ما يعرقل حريات تنشدها دولة تجري من أجلها حوارا يمهد لجمهورية جديدة على أسس ديمقراطية.

ودافع خالد العناني وزير السياحة خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع الحكومة الأربعاء عن شرط حظر تصوير المشاهد المسيئة للبلاد، موضحا أن المقصود من هذا الشرط عدم التركيز على الوقائع السلبية التي تصور مصر على غير حقيقتها، لأنه يضر بصورتها أمام الوفود السياحية، مضيفا “هذا تقنين وليس منعا”.

وتخطط الحكومة المصرية لإطلاق حملة دولية للترويج للسياحة في البلاد خلال شهر سبتمبر المقبل بالتزامن مع يوم السياحة العالمي، حيث وجه مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بمضاعفة أعداد السياح، ويأتي مشروع إباحة التصوير بلا قيود تعجيزية ضمن إجراءات تحسين صورة مصر.

ووافق المجلس الأعلى للآثار بمصر في أغسطس 2019 على السماح بالتصوير الشخصي التذكاري للمصريين والسائحين بالهواتف المحمولة وكاميرات التصوير التقليدية والرقمية، وبالفديو داخل المتاحف والمواقع الأثرية.

3