صداع جديد لتركيا بسبب قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني للحكومة المحلية في كركوك

خطاب سياسي وإعلامي تركي متشنج تجاه الحزب ومحاولة للوقيعة بينه وبين حكومة السوداني.
الجمعة 2024/08/16
حسمت المعركة وطوي ملفها

التشنّج التركي في التفاعل مع تولي حزب الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، الاتحاد الوطني الكردستاني، قيادة الحكومة المحلية لمحافظة كركوك العراقية مأتاه أنّ حصول الحزب على المنصب الأهم في تلك الحكومة مثّل بالنسبة إلى تركيا عقبة في طريق مطامعها التاريخية في المحافظة الغنية بالنفط والتي كانت تريد أن تجعل من أطراف داخلية عراقية جسر عبور نحو تجسيدها على أرض الواقع.

كركوك (العراق) - عكس الخطاب السياسي والإعلامي التركي المتشنّج بشأن حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني حالة الإحباط التي تسبّب بها فوز ثاني أكبر الأحزاب السياسية الكردية العراقية بمنصب محافظ  كركوك لأنقرة، كون ذلك مثّل بالنسبة إلى حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سقوطا في اختبار التدخّل في شؤون كركوك ومحاولة تشكيل مشهدها الداخلي وفقا للمصلحة التركية.

وشنّ الإعلام التركي حملة على المحافظ الجديد لكركوك ريبوار طه عضو حزب الاتحاد الوطني طاعنا في طريقة حصوله على المنصب ومشكّكا في سلامة أولى إجراءاته ضمن ممارسته لمهام منصبه الجديد، ومحرّضا أبناء المكوّن التركماني على التمّرد عليه، بينما عاد كبار المسؤولين في حكومة أردوغان لاتّهام الحزب بالإرهاب على خلفية علاقته بحزب العمّال الكردستاني المعارض للنظام التركي والذي يخوض حربا ضدّه منذ أربعة عقود.

وكان الانسداد الذي واجه عملية تشكيل الحكومة المحلية لكركوك طيلة ثمانية أشهر بسبب تعادل القوى الفائزة بمقاعد في مجلس المحافظة خلال الانتخابات المحلية التي جرت في العراق في شهر ديسمبر الماضي قد فتح لتركيا ذات المطامع التاريخية في المحافظة الواقعة بالشمال العراقي والغنية بمخزونات النفط باب التدخل في عملية تشكيل تلك الحكومة.

ووجهت أنقرة تدخلاتها في ضوء مجموعة من الخيارات كان أفضلها أن يتولى حلفاؤها وأبناء قوميتها التركمان زمام الحكم المحلي في كركوك. ومع صعوبة ذلك الخيار بسبب حصول التركمان على مقعدين فقط من مجموع المقاعد الستة عشر لمجلس المحافظة، كانت الحكومة التركية تأمل في ألاّ يذهب منصب المحافظ لحزب الاتّحاد الوطني صاحب المقاعد الخمسة في المجلس وأن يتولاه ممثلو المكوّن العربي غير الرافضين لفكرة التداول عليه مع التركمان لمدد زمنية محدّدة.

وسبق لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنّ دافع صراحة عن أحقية المكون التركماني بقيادة حكومة كركوك بمعزل عن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة على أساس أنّ الأكراد تولوا من قبل منصب المحافظ وأن العرب شغلوه بعدهم وأنّ الدور جاء الآن على التركمان ليفوزوا بالمنصب.

واكتسب التدخّل التركي في موضوع الحكومة المحلية لكركوك قدرا من القوّة بفعل تجاوب الحزب الديمقراطي الكردستاني معه رغبة في حرمان غريمه الأكبر حزب الاتّحاد الوطني من تحقيق مكسب سياسي كبير في المحافظة. وعلى هذه الخلفية مثّل نجاح قادة الاتّحاد في عقد صفقة مع عضوين عربيين في مجلس المحافظة انتزعوا بفضلها منصب المحافظ من أيدي خصومهم المحليين والخارجيين مفاجأة مدوية لتركيا عكسها التعامل الإعلامي والسياسي التركي مع الحدث.

◙ سقوط لحكومة أردوغان في اختبار التدخل في شؤون كركوك ومحاولة تشكيل مشهدها الداخلي وفقا للمصلحة التركية

وعلى الفور استخرجت حكومة أردوغان ورقة “الإرهاب” المتجسّد حسب رؤيتها في علاقة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بحزب العمال الكردستاني ولوّحت بها في وجه السلطات العراقية على أساس أن من يتولى زمام الأمر في كركوك هو طرف ضالع في "الإرهاب". وهاجم وزير الدفاع التركي يشار غولر الحزب قائلا إنّ لدى سلطات بلاده معلومات على مواصلته تطوير علاقاته مع "المنظمة الإرهابية" و"إن الحكومة العراقية قلقة أيضا بشأن ذلك".

ويصبّ كلام الوزير في ما تقول دوائر مقرّبة من حزب الاتّحاد إنّها “محاولة تركية للوقيعة بين الحزب وحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني". لكن تلك المحاولة لا تبدو موفّقة بفعل العلاقات المتينة التي تجمع قيادة الاتّحاد الوطني بأحزاب وشخصيات ذات نفوذ كبير في حكومة بغداد وهي التي ساعدتهم أصلا في كسب معركة حكومة كركوك رغم قوّة الخصوم المحليين المدعومين من تركيا.

والسبت الماضي عقد تسعة أعضاء من مجلس محافظة كركوك، خمسة منهم من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وثلاثة عرب وعضو مسيحي في فندق الرشيد ببغداد، اجتماعا صوّتوا خلاله على انتخاب ريبوار طه من الاتحاد الوطني الكردستاني محافظا لكركوك ومحمد الحافظ عن المكون العربي رئيسا للمجلس المكون من ستة عشر مقعدا.

وقاطع التركمان والحزب الديمقراطي الكردستاني وثلاث أعضاء عرب الجلسة. واعتبرت الجبهة التركمانية العراقية أن الاجتماع المذكور غير قانوني وتقدمت بطلب إلى المحكمة الاتحادية العليا لإلغائه، كما أعلن الأعضاء العرب الآخرون والحزب الديمقراطي الكردستاني موقفا مماثلا لموقف الجبهة التي أصبحت موالية بالكامل لتركيا بعد أن أزاحت أنقرة من رئاستها أرشد الصالحي ذي التوجّهات القومية الكمالية، وعينت مكانه حسن توران ذي التوجّه الإسلامي المتناغم مع توجّه حزب أردوغان الحاكم في تركيا.

وعلى الطرف المقابل دافع حزب الاتحاد الوطني على منجزه السياسي وروّج لنصر كبير في كركوك ملوّحا لخصومه الداخليين والخارجيين باستحالة اقتلاعه من المحافظة. واتّخذ احتفاء حزب الاتحاد بمنجزه طابعا استعراضيا حيث استُقبل رئيس الحزب بافل جلال طالباني بحفاوة لدى حلوله بمطار السليمانية عائدا من العاصمة بغداد حيث واكب من قرب عملية تشكيل حكومة كركوك المحلية.

◙ الإعلام التركي شنّ حملة على محافظ كركوك الجديد ريبوار طه عضو حزب الاتحاد الوطني طاعنا في طريقة حصوله على المنصب

وتوجّه أعضاء الحزب ومسؤولوه بالشكر لرئيس الاتّحاد “بعد تجاوزه جميع العقبات وتوفّق جهوده السياسية والدبلوماسية في إنجاز المهام الكبيرة لمصلحة الأكراد والوئام والاستقرار في كركوك”، في ما وصف طالباني تشكيل حكومة كركوك بـ”الانتصار الكبير لإرادة أهالي المحافظة”، معتبرا أن الإدارة الجديدة في كركوك "تعبر عن الإرادة الحقيقية لمكونات المحافظة". ورغم الاعتراضات اكتسبت نتائج اجتماع فندق الرشيد صبغة قانونية بأنّ سلم الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد مرسوما جمهوريا إلى ريبوار طه بتعيينه محافظا لكركوك.

ولم تكن التغطية الإعلامية التركية لحدث تشكيل الحكومة المحلية لكركوك رحيمة بحزب الاتّحاد الوطني. ونشرت وكالة الأناضول التركية تقريرا مُؤدّاه أن محافظ كركوك الجديد شرع منذ البداية في ارتكاب الأخطاء في إدارة المحافظة وفي التعدّي على حقوق المكوّنات لاسيما المكوّن التركماني الذي تحاول تركيا لعب دور الوصي عليه بالرغم من اعتراض قيادات تركمانية عراقية لتلك الوصاية.

وورد في التقرير أنّ ريبوار طه أثار الجدل مع أول مراسلة رسمية وقّعها بعد إعلان توليه منصبه حيث تم إلغاء اللغة التركمانية من المراسلة. وركّزت الوكالة على تفصيل إجرائي في كتاب رسمي وجهه المحافظ الجديد ونص على إحالة المحافظ السابق بالوكالة راكان الجبوري إلى التقاعد بسبب سنه، وتبين، وفق ذات التقرير أن “الكتاب حُذفت منه اللغة التركمانية التي كانت من المفترض أن تكون إلى جانب العربية والكردية بالمراسلات الرسمية للمؤسسات بالمحافظة".

ويستبعد أن يكون الأمر مقصودا كون المحافظ الجديد حريص على تجنّب إغضاب أيّ من المكوّنات بما من شأنه أن يعسّر أداءه لمهامه. وتوقّع مصدر محلّي أن تكون كتابة المحافظ التي قدّرت أن المعني بالكتاب عربي وفضلت مخاطبته بلسانه، خصوصا وأن النص قانوني في الأساس. ورأى المصدر أن تضخيم هذه المسألة الإجرائية يصب في خانة عملية التحريض التركي للمكوّن التركماني على التمرّد والاحتجاج على تشكيل الحكومة المحلية أملا في إلغاء التشكيل وإعادته من جديد.

وتشبثت الجبهة التركمانية العراقية بموضوع كتاب إقالة الجبوري وأصدرت بيانا قالت فيه “قام محافظ كركوك الجديد بإزالة اللغة التركمانية من المراسلات الرسمية، في انتهاك واضح للدستور العراقي". وسارع المحافظ لتدارك الخطأ الإجرائي وأصدر توجيها إلى كافة المؤسسات في المحافظة باستخدام اللغة التركمانية في كافة المراسلات الرسمية في ما بينها.

3