صحيفة "الجزيرة" السعودية تؤجّر مقرها تأجيلا لإعلان موتها

الصحف السعودية المحلية ضعيفة المحتوى والرتيبة تواجه مصيرا مظلما.
السبت 2022/08/20
إحياء الصحافة في المملكة يتطلب جرعات معززة كبيرة

تواجه الصحف المحلية السعودية مصيرا مجهولا. ويعتبر إعلاميون أن الإفلاس يبدو نتيجة طبيعية لغياب بعد النظر لدى القائمين على المؤسسات الصحافية إذ اضاعوا فرصة لا تتكرر لصناعة مؤسسات إعلامية قوية ومنافسة محليا وعربيا.

الرياض - أثار عرض صحيفة “الجزيرة” السعودية مقرها الرئيسي في العاصمة الرياض، الذي تم افتتاحه عام 1996 بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي كان أمير الرياض آنذاك، للإيجار صدمة في الأوساط الصحافية السعودية. وسرعان ما تحولت الصدمة إلى لوم على المؤسسات الإعلامية التي فشلت في استثمار الأموال الطائلة التي حصلت عليها طيلة السنوات الماضية لتجنب هذا المصير.

وفي السابق تميزت الصحيفة التي تأسست عام 1960 بإصدارات كانت تلقى انتشارا وأصداء واسعة. وقال مطلق العنزي نائب رئيس تحرير صحيفة “اليوم” سابقا “هو قرار مؤلم بلا شك، وجاء هذا القرار حتى لا يتم اللجوء إلى قرار أقسى وهو الإغلاق”. وأشار إلى أن الصحف الورقية تعاني أزمة حادة تتطلب حلولا تشترك الحكومة فيها.

وأكد تركي العيار أستاذ الصحافة في جامعة الملك سعود أن “الصحيفة الورقية التي لديها نسخه إلكترونية قد تستطيع الاستمرار في مجال عملها، أما الصحف الورقية التي أهملت الجانب الإلكتروني قد لا تستطيع الاستمرار”.

وقال صحافي سعودي:

وقال حساب موجز الأخبار الذي ينقل رواية الحكومة السعودية للأحداث إن “جريدة ‘الجزيرة’ طوال تاريخها لم تكن تقدم خدمات صحافية بالمعنى الحقيقي”، مشيرا “لم أسمع في تاريخي أي خبر نُقل عنها عالمياً (نقلاً عن جريدة الجزيرة). كانت جريدة روتينية إلى درجة الملل وفي الأغلب كان الكتاب يغلب عليهم تيار فكري واحد”.

 وأكد الحساب أن الصحيفة “جنت مئات الملايين من الاشتراكات الحكومية والشركات شبه الحكومية والاعلانات”، مؤكدا أن  الصحافة الورقية تحتضر وتساءل:

ويقول مطلعون على الشأن الإعلامي إن “لا رغبة في السعودية لإنقاذ صحف محلية ضعيفة المستوى والمحتوى لا تؤثر في الرأي العام ولا تقدم جديدا حيث أن ضخ أموال لإنقاذها حاليا يبدو بلا فائدة، إذ ستلوح المشكلة مرة أخرى في القريب ما إن تصرف تلك الأموال”.

ويتركز وجود السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي أين أصبح يصنع الرأي العام تجاه عدة قضايا.

وقال الصحافي فواز عزيز “كانت أرباح مؤسسة الجزيرة للصحافة في عام 2005 تبلغ 45 مليون ريال، ثم تصاعدت في السنوات التالية بنسب عالية. وفي عام 2015 أعلنت ‘الجزيرة’ عن عزمها إنشاء شركة متخصصة في التجارة الإلكترونية والخدمات المساندة برأس مال يبلغ 350 مليون ريال”. وأكد حساب “عام 2012 كانت لديها فرصة للاستحواذ على شركات ناشئة في الميديا والإعلام الرقمي. ولكن صحفا مثل ‘الجزيرة’ و’الرياض’ و’عكاظ’ و’الوطن’ اختارت الموت البطيء. لم يعد يقرأها إلا 1 في المئة من الشعب ممن تجاوزت أعمارهم 45 سنة”.

وكان خالد المالك رئيس تحرير صحيفة “الجزيرة” قال في عمود مثير للجدل في أكتوبر 2021 إن السعودية تخاطر برؤية “يوم في المستقبل القريب حيث لن تكون لها صحافة ولا مؤسسات صحافية”. وانتقد المالك، وهو أيضا رئيس مجلس إدارة جمعية الصحافيين السعوديين، التردد في العثور على ما وصفه بـ”خارطة طريق لإنقاذ الصحف السعودية”. وكتب أن “الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لن يقبلا أبدًا بموت صحافتنا..”.

تركي العيار أستاذ الصحافة في جامعة الملك سعود يؤكد أن “الصحيفة الورقية التي لديها نسخه إلكترونية قد تستطيع الاستمرار في مجال عملها، أما الصحف الورقية التي أهملت الجانب الإلكتروني قد لا تستطيع الاستمرار”

ويثير موضوع إنقاذ الصحف الجدل في المملكة منذ انهيار أسعار النفط في عام 2015 والذي كان له تأثير سلبي على الإعلانات والاشتراكات الحكومية والشركات.

وتلقّت المصادر الرئيسية لإيرادات الصحف اليومية المحلية ضربات، وبالتالي عجلت بتراجعها تماشيًا مع الاتجاه العالمي في ذلك الوقت، حيث كانت الصحف تغلق أبوابها يوميًا في كل بلد بسبب تأثير الثورة الرقمية.

ومنذ ذلك الحين حاول كل وزير إعلام يتم تعيينه تقديم مبادرات لإنقاذ القطاع، لكن لم تنجح أي منها.

يذكر أن جميع الصحف في المملكة،  باستثناء صحيفة “أم القرى” المملوكة للحكومة، هي شركات مملوكة للقطاع الخاص.

ووفقًا لرئيس تحرير جريدة “مكة” موفق النويصر، فإن المشكلة الشائعة هي أن الرؤساء التنفيذيين غالبًا ما يأتون دون خبرة إعلامية أو أي فهم لمتطلبات الصحافة. وكتب في عمود حول هذا الأمر في فبراير الماضي “جدران المؤسسات الصحافية منخفضة، لذلك يمكن لأي شخص أن يتسلقها ويرمي القمامة في الفناء الخلفي للصحف”.

وحاول النويصر شرح جزء من أسباب تحول المؤسسات الصحافية في السعودية من جني الأرباح إلى الإفلاس في العقد الماضي. وأوضح أن الصحف عاشت ذروتها في العقود الثلاثة التي سبقت عام 2012 بسبب “الحجم الكبير للكعكة الإعلانية التي جلبت أرباحًا سنوية من سبعة أو ثمانية أرقام”.

وألقى باللوم على إدارة الشركات في اتخاذ قرارات خاطئة وإهدار الإنفاق على كل شيء بخلاف المحتوى، في ما وصفه بـ”استثمارات تجميلية” مثل الطباعة الملونة والورق المصقول. واعتبر معلق:

واعتبر الصحافي السابق في “الجزيرة” حمد الدوسري:

وغرد أستاذ الإعلام والاتصال المساعد في قسم الإعلام في جامعة الملك سعود أحمد موسى معيدي “باعت ‘الوطن’ مقرها وأجّرت ‘عكاظ’ مبناها واليوم ‘الجزيرة’ تسير على خطاها وغدا ‘الرياض’ بانتظار الحلول الاستثمارية المتاحة للاستفادة من مبناها وسداد ديونها المتراكمة. ولم يكونوا جميعا بحاجة إلى كل هذا لو أحسنوا الإدارة والتحول وفق معطيات سوق الإعلام ولكن لا حياة لمن تنادي”.

وظهر مصطلح “التحول الرقمي” قبل 10 سنوات، لكن لم ينتبه إليه أحد. ومع ذلك عندما جاء مرة أخرى مع الإصلاحات التي تمر بها السعودية أصبح مطلبًا عامًا ورسميًا، وأشار النويصر إلى أن قلة في المشهد الإعلامي الحالي يفهمون بالفعل ما يعنيه ذلك.

ورغم ذلك، يقول مراقبون للمشهد الإعلامي السعودي إن “معاناة الصحافة المحلية مركّبة، إذ لا تتمثل فقط في منافسة وسيطرة الإعلام الرقمي وشبكات التواصل، والتي تشترك فيه مع الصحافة العالمية، وإنما أيضاً في الفضاء الرحب الذي تفتقده فلم تسعفها الإنترنت على النضوج مهنياً”. ووصف ناشط الأمر بالقول “ظلمات بعضها فوق بعض”.

يذكر أنه في مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتيك” أشار الأمير محمد بن سلمان إلى أنه يود من وسائل الإعلام في المملكة أن تتحدى الحكومة أكثر. وقال “أعتقد أن وسائل الإعلام السعودية يجب أن تنتقد عمل الحكومة وخططها، لأن ذلك صحي”.

ومع ذلك، يبدو أن إحياء الصحافة في المملكة يتطلب جرعة معززة كبيرة.

وفي التاسع عشر من مارس الماضي كتب النويصر عمودًا آخر بعنوان “هل تثق وزارتنا بوسائل الإعلام لدينا بقدر ثقة ولي العهد؟”. وأوضح كيف أن معظم الجهات الحكومية “لا تقدّر دور الإعلام إلا عندما يثني عليها مجانًا”. وأضاف “مع ذلك، عندما يقوم الصحافيون بعملهم ويكونون ناقدين، ينتهي الأمر بهذه الكيانات الحكومية بحرمانها من نصيبها من الإعلانات، وتقييد سلطتها بالدعاوى القضائية، وعدم الرد على الاستفسارات وإحالتها إلى مركز الاتصالات الحكومية”.

وكان وزير الإعلام السعودي المكلف ماجد القصبي أعلن إطلاق برنامج لدعم الصحف في السعودية  يتضمن خمس مبادرات وزارية وذلك في حدث حافل بالنجوم بمناسبة مرور 100 عام على إنشاء صحيفة “أم القرى” الرسمية في شهر أبريل الماضي.

وتضمنت المبادرات إنشاء مركز الأرشيف الوطني للإعلام السعودي وإنشاء متحف الإعلام السعودي، وعقد منتدى أم القرى للإعلام كل عامين، وإطلاق “ميدياثون” Mediathon بالشراكة مع شركة الاتصالات الوطنية STC التي تهدف إلى ابتكار إعلام مستقبلي مبدع. وأخيرًا إطلاق المرحلة الثانية من برنامج دعم وتمكين مؤسسات الصحف السعودية في توجهها نحو التحول الرقمي.

16