"صحيح مصر" تبطل الخطاب السياسي لحزب مستقبل وطن

مواقع التواصل تمهد الطريق أمام الحكومة لتصويب أخطاء قريبين من السلطة.
الأحد 2023/06/04
تدخل أنصار النظام يسيء إليه

تسبب اقتحام عناصر محسوبة على حزب مستقبل وطن القريب من السلطة تداعيات سلبية على صورة النظام. لذلك يتحرك نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل امتصاص هذه التداعيات بالتبرؤ من الحزب وتأكيد أنه لا يمثل الحكومة ولا النظام.

القاهرة - أبطلت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر الخطاب السياسي الذي سوّقه حزب مستقبل وطن الذي يقدم نفسه على أنه الظهير السياسي للحكومة، بعدما وثقت إدانة أعضاء ونواب برلمان تابعين له في محاولة إفساد استفتاء عقدته نقابة المهندسين على استمرار أو رفض نقيبها طارق النبراوي قبل أيام، وجاءت نتيجته مغايرة لإرادة الحزب.

وقادت صفحة "صحيح مصر" توثيق وقائع اعتداء أعضاء ونواب من حزب مستقبل وطن على انتخابات نقابة المهندسين، ورصدت تجاوزاتهم بالصوت والصورة، ثم قامت بتحليل بياناتهم الشخصية وتاريخهم السياسي، وتبين أنهم ليسوا مهندسين.

وأصدر الحزب بيانا نفى فيه التدخل في الأحداث التي شهدتها الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، مؤكدا أن الاتهامات التي طالته هي "ادعاءات مغرضة وعبارة عن روايات مختلقة ليس لها أساس من الصحة، وتهدف للإساءة إلى الحزب".

وأمر النائب العام المصري بفتح تحقيق في البلاغات المقدمة من الأطراف المتنافسة بنقابة المهندسين حول أحداثها، لكن صفحة "صحيح مصر" ضاعفت الحرج أمام حزب مستقبل وطن بتقديمها حججا تشير إلى إدانة عدد من أعضائه بالسعي لإفساد الانتخابات.

نجاد البرعي: النيابة العامة تحقق في اقتحام انتخابات نقابة المهندسين لإظهار الحقيقة الكاملة
نجاد البرعي: النيابة العامة تحقق في اقتحام انتخابات نقابة المهندسين لإظهار الحقيقة الكاملة

وقال الحقوقي نجاد البرعي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني لـ"العرب" إن النيابة العامة تحقق في اقتحام انتخابات نقابة المهندسين لإظهار الحقيقة الكاملة، وإن وجود حزبيين ليسوا أعضاء في نقابة المهندسين يورطهم في تهمة الاقتحام، وهناك فيديوهات وثقت وجود أعضاء ينتمون إلى مستقبل وطن أثناء الانتخابات، ما يفرض المزيد من الشفافية من جانب الحزب، ولو بتحقيقات داخلية يعلن نتيجتها.

ونشرت “صحيح مصر” فيديوهات مصورة من داخل مقر نقابة المهندسين بالقاهرة، وكيف بدأ الهجوم على أعضاء الجمعية العمومية، وتحطيم صناديق الاقتراع، وتمزيق الأوراق وتعطيل عمل اللجنة القضائية المشرفة على التصويت لمنع إعلان النتيجة النهائية بفوز طارق النبراوي.

وقامت الصفحة التي حظيت بمصداقية ومعدلات متابعة مرتفعة بشرح تفصيلي لمقاطع الفيديوهات، وكشفت هوية أعضاء حزب مستقبل وطن فيها، وقالت إنهم نواب وأعضاء هيئات الحزب وحددت أماكن وظائفهم ودوائرهم الانتخابية ومؤهلاتهم.

وأصدرت أحزاب المصري الديمقراطي، والاتحاد، والدستور، والعدل، بيانا مشتركا أكدت فيه أن ما حدث في انتخابات المهندسين سابقة خطيرة وإشارة سلبية للغاية، لما يمكن أن يتكرر في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهي مشاهد وأفعال ثار عليها الشعب وأسقط مرتكبيها، مطالبة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمحاسبة المتورطين.

وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النيابة العامة بتفريغ كاميرات المراقبة والفيديوهات المصورة والمنشورة على الفضاء العام أثناء الاقتحام للوقوف على هوية المعتدين ومحاسبتهم جنائيا.

ودعت مجلس النواب إلى الإعلان عن فتح تحقيق فيما نسب إلى نواب من حزب مستقبل وطن أظهرت الصور مشاركتهم في الاقتحام ولم يكونوا أعضاء في نقابة المهندسين.

وكان نقيب المهندسين طارق النبراوي اتهم من أسماهم بـ"بلطجية حزب مستقبل وطن" باقتحام مقر انعقاد الجمعية العمومية، مطالبا النيابة العامة بإحالة ما جرى من أحداث عنف إلى الرأي العام وأجهزة الدولة ورئيس الوزراء ووزير الداخلية للتحقيق فيه والوقوف على مجمل الأوضاع الراهنة.

وترى دوائر سياسية أن ما حدث من اعتداءات منسوبة إلى أعضاء ونواب تابعين لحزب مستقبل وطن لا يعبر عن توجه السلطة، لأنها تمتلك من الحنكة ما يكفي للتعامل مع الانتخابات النقابية بحياد، لاسيما في الفترة الراهنة التي تشهد زخما للحوار الوطني.

وتبرر هذه الدوائر وجهة نظرها بأن النظام المصري لم يتدخل في انتخابات نقابة الصحافيين، ولم يكن وراء صعود المعارض خالد البلشي إلى منصب النقيب، ولم يفعل نفس الأمر في نقابة المحامين رغم أنها قادت احتجاجات ضد فرض الضريبة الإلكترونية.

وهذه ليست المرة التي يتسبب فيها أعضاء ونواب من مستقبل وطن في مشكلة تحرج السلطة وتعمق الصورة السلبية للحزب، ما أثار غضبا، آخرها قيام نائب بإهانة واقتحام كمين شرطة قبل أن يتقدم لوزارة الداخلية باعتذار رسمي، تبين من فيديوهات "صحيح مصر" أنه من المتورطين أيضا في الاعتداء على انتخابات نقابة المهندسين.

واعتاد مستقبل وطن تقديم نفسه للشارع على أنه حزب السلطة، وليس الحكومة فقط، حيث يقوم بتوزيع المساعدات المالية والاجتماعية ويقدم الخدمات للمواطنين، ويضع شعاره بجوار صورة الرئيس السيسي، رغم أن الأخير نفى أن يكون لديه حزب سياسي.

ويرى مراقبون أن حالة الغضب التي ظهرت عقب نشر فيديوهات “صحيح مصر” ضد أعضاء ونواب مستقبل وطن قد تتبعها تغييرات في الحزب، لأن الحكومة لم تعد تتحمل أن يُحسب عليها كيان سياسي يسهم في تقديم خدمات ومساعدات اجتماعية، ويضم وجوها تثير حفيظة الشارع، مع أن هناك أحزابا موالية للسلطة تقوم بنفس الدور في هدوء وبلا افتعال لأزمات يتم تصديرها تجاه السلطة.

◙ ما حدث من اعتداءات منسوبة إلى أعضاء ونواب تابعين لحزب مستقبل وطن في انتخابات المهندسين لا يعبر عن توجه السلطة

ويرتبط الحرج السياسي بأن اقتحام نقابة المهندسين من أعضاء ونواب تابعين لمستقبل وطن تزامن مع فترة تسعى خلالها دوائر صنع القرار لتقديم صورة ناصعة عن السلطة، وأنها منفتحة على كل القوى والكيانات الحزبية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني من خلال الحوار الوطني، والإيحاء بأن الدولة مرحبة بكل التيارات، ما يتعارض مع تصرفات فردية لعناصر محسوبة على حزب السلطة.

ولا يمانع الكثير من المواطنين في أن يكون للسيسي أو الحكومة حزب سياسي يساعد في حل مشكلات الناس ويقدم الدعم والمساعدة، لكن العبرة أن يصبح أعضاء الحزب قدوة وليسوا أصحاب نفوذ يرتكبون مخالفات ويستغلون قربهم من دوائر صنع القرار للقيام بتصرفات لا تخلو من استعراض للقوة ومخالفة للقانون.

وأكد الحقوقي نجاد البرعي أن بيان حزب مستقبل وطن الذي لوّح فيه بترهيب من يتحدثون عنه، خالفه التوفيق، ولم يكن ليصدر بهذه الطريقة، لأن دخول الحزب في مواجهة مع كيانات حزبية أخرى تطالب بإظهار الحقيقة وإعلاء روح القانون ومحاسبة المتورطين في اقتحام النقابة يتعارض مع الحوار الوطني.

ومن غير المتوقع أن تمرر الحكومة ما حدث داخل انتخابات المهندسين بلا محاسبة لتجنب المزيد من تشويه صورة حزب قدم نفسه على أنه “حزب السلطة”، في ظل حالة من التوحد الجماهيري خلف ما تبثه منصات التواصل الاجتماعي من أدلة ووثائق يصعب التشكيك فيها، خاصة أن النيابة العامة لن تجامل الحكومة ولا الحزب، وقد تطلب رفع الحصانة عن بعض النواب للتحقيق معهم.

وتوحي بعض التلميحات السياسية بوجود نزوع نحو عدم توفير الحماية لأي كيان أو أفراد ينسبون أنفسهم إلى النظام المصري، لأن الصمت على تجاوزاتهم يتضمن إساءة بالغة له وللحكومة والبرلمان وحزب مستقبل وطن أيضا، والصورة العامة لأي نظام سياسي تظهر في قدرته على تحقيق العدالة والانتصار للقانون وتطبيقه على الجميع دون تمييز.

3