صحف ستموت تحت وطأة أزمة الوباء وأخرى تتضاعف اشتراكاتها الرقمية

تؤكد دراسات وملاحظات خبراء الإعلام في المرحلة الراهنة أن القراء وجمهور الإعلام يريدون معرفة كل ما يتعلق بمستجدات وباء كورونا في دولهم وفي باقي أنحاء العالم من وسائل الإعلام التي يثقون بها، رغم أن عددا من وسائل الإعلام تباطأ في العمل في بداية الأزمة.
باريس - أكد المؤرخ باتريك إفينو رئيس المجلس الفرنسي للأخلاقيات الصحافية السبت أن المرحلة الراهنة “لحظة مهمة لوسائل الإعلام لتثبت أنها في خدمة الجمهور أولا بمعلومات جديرة بالثقة عبر انتقائها”، إذ أصبح السبق الصحافي يعتمد بالدرجة الأولى على المعلومة الدقيقة والتي خانت حتى الحكومات أحيانا في ظل هستيريا وباء كورونا.
ولم تعد تغطية آخر مستجدات الفايروس تقتصر على الصحافيين المتخصصين بالشؤون الصحية ولا على وسائل الإعلام التي تعنى بالطب والأخبار المرتبطة به، بل بدأ جميع الصحافيين المتخصصين بأخبار التعليم والنقل والرياضة والاقتصاد بإعداد تقارير حول تأثير كورونا على هذه المجالات.
وذَكرت مدونة “في ميزان فرانس برس” التي تنشرها وكالة الصحافة الفرنسية ومخصصة لكشف الأنباء المضللة “لا، فايروس كورونا المستجد لم يتم إنتاجه ومنحه براءة من معهد باستور، ولا، لا نعرف ما إذا كان ارتفاع حرارة الجو في الربيع يقتل الفايروس”.
وأنشأت غالبية المؤسسات الإعلامية ووكالات الأنباء غرف عمليات ترتبط بشكل وثيق مع المتحدثين الرسميين لوزارات الصحة، لنقل تطورات انتشار فايروس كورونا، للرأي العام.
ويتابع المواطنون الخاضعون للعزل الصحي في بيوتهم في العالم الأنباء باهتمام. وكشف استطلاع أجراه معهد إدلمان من السادس إلى العاشر من مارس أن أكثر من تسعين في المئة من الإيطاليين واليابانيين والكوريين يطلعون مرة واحدة في اليوم على الأقل على التطورات المرتبطة بالفايروس، وأكثر من نصفهم يقومون بذلك أكثر من مرة يوميا.
ارتفاع في عدد متابعي الصحف، حيث يذهب القراء إلى الموقع الإلكتروني من دون المرور بمواقع التواصل
وقالت مديرة الإعلام في “بي.بي.سي” التي تشهد مستويات متابعة قياسية “في إطار الوضع الصحي الطارئ، توفير أنباء جديرة بالثقة ودقيقة أمر حيوي”، مؤكدة أن هذه المؤسسة الإعلامية البريطانية العامة “لديها دور أساسي لتلعبه”.
وتبقى الصحافة أساسية مع أن شبكات التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار شبه الكامل للأخبار من قبل وسائل الإعلام. فقد أشار استطلاع أجراه معهد إيبسوس لموقع “أكسيوس” الإخباري إلى أنه للاطلاع على التطورات المرتبطة بالفايروس، ما زال نصف الأميركيين يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، بينما تثق نسبة أقل بكثير بشبكات التواصل الاجتماعي.
ويمكن أن تشكل هذه الأزمة فرصة لوسائل الإعلام لاستعادة ثقة قرائها. كما أنها فرصة للقراء الذين يخضعون للعزل لاختيار وسائل الإعلام الكبيرة والصغيرة التي يثقون بها.
وكتب المؤرخ يوفال نوا هراري في صحيفة “فايننشال تايمز” أنه “لم يتأخر الوقت لاستعادة ثقة الناس في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام”. وشهدت عدة صحف حول العالم ارتفاعا في عدد متابعيها على الإنترنت، حيث بدأ القراء يذهبون إلى المواقع الإلكترونية للصحف مباشرة من دون المرور بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت الصحف تعتمد على الشبكات الاجتماعية لجذب المستخدمين إليها.
وقال ريكاردو كيرشبوم الذي يعمل في “كلارين” الصحيفة اليومية الأرجنتينية الأوسع انتشارا، إن “القراء يبحثون عن تحليلات إضافية وخدمات إخبارية وشهادات”.
وأضاف كيرشبوم “إنهم يريدون معرفة ما يحدث في دول أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا التي يغطي أحداثها مراسلون خاصون بنا”. وأطلقت الصحيفة نشرة بريدية يومية تتضمن الأخبار الأساسية حول الوباء.
من جهتها، ترى مارينا ووكر من “مركز بوليتزر” المنظمة غير الحكومية الأميركية التي تدعم الصحافة إنها “ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحافي والعمل كالعادة”.
وأضافت “نحن نواجه جميعا العدو نفسه. إنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح اقتصادية”. ويدعم “مركز بوليتزر” ماليا مشاريع صحافية تعتمد على التعاون بين هيئات تحرير عديدة لتغطية جوانب منسية للأزمة.
وأشار عالم الاجتماع الإيطالي إدواردو نوفيلي من جامعة روما-3 إلى أن عددا من وسائل الإعلام تباطأ في العمل في بداية الأزمة.
وكتب في دراسة بعنوان “أنفومود” تتعلق بما نشرته 257 وسيلة إعلام أوروبية على موقع فيسبوك وجرت بين الأول من يناير و14 مارس أن “الصحف تأثرت إلى حد كبير بحكوماتها الوطنية التي قللت، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، من خطورة الأزمة المقبلة”.
وعبر نوفيلي الصحافي السابق الذي أصبح أستاذا في الاتصالات وعلم الاجتماع عن أسفه لأن وسائل الإعلام هذه “لم تقم بدورها”.
ونقل بعضها أخبارا مضللة مثل “ديلي ميل” في بريطانيا التي أوردت فكرة أن الفايروس التقطه شخص تناول حساء خفاش في الصين. وهذه المعلومات تناقلتها صحف صفراء عديدة تعيش على أخبار الإثارة.
ويعتبر الكثيرون أنه يمكن أن تؤدي هذه الأزمة إلى تسريع هذه المرحلة الانتقالية التي تشهد موت الصحف الورقية. فبينما دخلت فرنسا في العزل تراجعت مبيعات الصحف بنسبة 24 في المئة الاثنين 16 مارس، وبـ31 في المئة الثلاثاء 17 مارس، كما ذكرت مجموعة التوزيع “بريستاليس”.
وقال المؤرخ باتريك إفينو إن “الصحف ستموت أو تعيد تجمعها وكل شيء مرهون بمدة الظاهرة”. وأضاف “لكن وسائل الإعلام التي تعتبر جديرة بالثقة ستستفيد عبر مضاعفة عدد اشتراكاتها الرقمية”.