صحافي أم قناص.. جدل بعد استهداف إسرائيل لصحافي في غزة

القدس - أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء مسؤوليته عن قتل صحافي متعاون مع قناة الجزيرة في قطاع غزة الاثنين زاعما أنه كان "قناصا" تابعا لحركة حماس، وهو الادعاء الذي سبق أن بررت به إسرائيل استهدافها صحافيين في غزة، وأثار جدلا واسعا.
وقال الجيش في بيان “الجيش الإسرائيلي والشاباك قتلا الاثنين حسام باسل عبدالكريم شبات، وهو إرهابي قنص من كتيبة بيت حانون التابعة لتنظيم حماس، وكان يعمل أيضًا كصحافي في قناة الجزيرة.”
وصرحت الجزيرة أن شبات قُتل في “قصف إسرائيلي استهدف سيارته شمالي قطاع غزة” الاثنين.
وبحسب البيان الإسرائيلي، اكتشف الجيش والشاباك (جهاز الأمن الداخلي الشين بيت) في أكتوبر 2024 أن الصحافي شبات “ينتمي للجناح العسكري لتنظيم حماس وذلك من خلال كشف مستندات داخلية لحماس أثبتت أنه شارك في تدريب عسكري في كتيبة بيت حانون في العام 2019.”
وأضاف “نفذ شبات عمليات إرهابية وشارك في نشاطات ضد قوات الجيش الإسرائيلي ومدنيين.”
بدوره، أوضح الدفاع المدني في غزة أنّ شبات قتل جراء استهداف سيارته في “غارة جوية إسرائيلية بشكل مباشر أثناء تغطيته لغارة جوية” قرب بلدة بيت لاهيا في شمال غزة.
وأظهرت لقطات لتلفزيون فرانس برس أنّ السيارة التي كانت تحمل شعار تلفزيون للدلالة على أنها تابعة لفريق تلفزيوني وكذلك شعار القناة، أصيبت في الجزء الخلفي وقد عثر على جثة الصحافي ممددة أرضا على مقربة منها.
مراسلون بلا حدود: هذا النمط المألوف يفاقم المذبحة غير المسبوقة التي يتعرض لها الصحافيون في غزة
كذلك، أعلن الدفاع المدني في غزة الاثنين أيضا مقتل محمد منصور، مراسل تلفزيون فلسطين التابع لحركة الجهاد الإسلامي في غارة بجنوب القطاع، مشيرا إلى أنّ منصور قُتل بضربة على منزله في خان يونس.
وأدانت نقابة الصحافيين الفلسطينيين في بيان قيام “الاحتلال بارتكاب مجزرة جديدة بحق الصحافيين واستهداف الزميلين محمد منصور وحسام شبات.”
وفي 15 مارس، قُتل أربعة صحافيين بضربة إسرائيلية على بيت لاهيا وكانوا يعملون في ذاك اليوم لحساب منظمة خيرية.
ولفتت نقابة الصحافيين إلى أنه منذ بدء الحرب، قُتل أكثر من 206 من الصحافيين والعاملين في وسائل إعلام “برصاص وصواريخ الاحتلال، في أكبر مجزرة دموية تُرتكب بحق الإعلاميين في التاريخ الحديث، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ مخجل.”
من جهتها، نددت منظمة مراسلون بلاد حدود بالضربة التي “استهدفت” سيارة شبات الذي قالت إنه “أحد أشهر الصحافيين في غزة.”
وقال رئيس قسم الشرق الأوسط في المنظمة جوناثان داغر في بيان إن “اتهامات الجيش الإسرائيلي.. في أكتوبر 2024 لا يمكن أن تبرر قتله بأيّ حال من الأحوال.”
وأوضحت المنظمة أنه سبق لها أن حذرت من أن “مراسل الجزيرة وزملاءه يهددهم خطر الاغتيال بشكل كبير.” وتابعت أن “هذا النمط المألوف يفاقم المذبحة غير المسبوقة التي يتعرض لها الصحافيون في غزة.”
القوات الإسرائيلية قتلت نحو 200 صحافي في غضون 15 شهرا من بينهم 43 على الأقل قتلوا خلال أداء مهامهم
ووفقا للمنظمة فإن القوات الإسرائيلية “قتلت نحو 200 صحافي في غضون 15 شهرا من بينهم 43 على الأقل قتلوا خلال أداء مهامهم.”
وشهد يوم 31 يوليو الماضي مقتل الصحافيَّين العاملَين في شبكة الجزيرة إسماعيل الغول ورامي الريفي خلال تغطيتهما الصحفية في غزة.
وكما حدث حاليا، ردد الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي لمقتلهما نفس المزاعم بأن الغول عضو في الجناح العسكري لحركة حماس. وهي أيضا ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش الإسرائيلي هذا الاتهام لتبرير استهداف صحافيين دون تقديم أيّ دليل ملموس، وفق ما ذكرت منظمة مراسلون بلا حدود.
وطالبت المنظمة حينها بإجراء تحقيق مستقل بحالات القتل وبتوقّف إسرائيل عن استهداف الصحافيين.
وعند استجواب الجيش الإسرائيلي بخصوص استهداف الصحافيين، غالباً ما تكون الإجابة بأن هذه الاتهامات “باطلة” رغم الأدلة المتراكمة التي تفضي بعكس ذلك. ففي اليوم التالي لاستهدافه سيارة إسماعيل الغول، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن مقتل الصحافي الذي يبلغ 27 عاماً، وأشار عبر تغريدة على موقع اكس إلى أنه قضى على “إرهابي” و”صحافي”.
وبحسب تحليل مراسلون بلا حدود، تبنّى الموقف الرسمي لجيش الدفاع الإسرائيلي منذ ذلك المنشور، وبشكل متّسق، ادعاءات تشوّه سمعة الغول ومبنية على دليل غير كاف ومشكوك فيه، ومن دون الإشارة إلى المصوِّر رامي الريفي الذي قُتل هو الآخر في الهجوم.
واعتبر الجيش الإسرائيلي أن الغول هو أحد أعضاء الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة، وادّعى بأنه “إرهابي” يعمل مع وحدة “النخبة” لدى حماس.
وسعياً منه للتأكيد على مزاعمه هذه، وبحسب بيان رسمي له، نشر الجيش الإسرائيلي صورة لشاشة تضمّ قائمة أسماء تعود لعام 2021 “تم العثور عليها على أجهزة كمبيوتر تابعة لحماس ومصادرتها في قطاع غزة،” قائلا إن هذه الوثيقة تُظهر أن “الغول كان عام 2021 مهندساً في كتيبة غزة التابعة لحركة حماس.”

وعندما طلبت مراسلون بلا حدود المزيد من التفاصيل عن مصدر هذه الوثيقة، أعاد الجيش الإسرائيلي التأكيد على أن مصدرها هو جهاز كمبيوتر عُثر عليه في قطاع غزة. وعندما سئل عن دور الغول في “نشر الهجمات على القوات الإسرائيلية،” أجاب الجيش بأنها معلومات استخباراتية.
واستمر في اتهام الغول بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر دون تقديم أيّ دليل، ومجرّد ذكر أنه في حال كان شخص ما عضواً في الجناح العسكري لحركة حماس، فإنه يُشكل هدفاً شرعياً حتى وإن كان صحافياً.
وبحسب رافاييل ميزون الأستاذة المتخصصة في العدالة الجنائية الدولية في جامعة باريس الحادية عشرة. “حتى وإن كان هذا الصحافي مهندساً لحركة حماس عام 2021، لا يُبرر هذا استهدافه بعد ثلاث سنوات. ولا تُشكل هذه الوثيقة بكل تأكيد دليلاً كافياً لكي يتمّ استهدافه، كونه كان يرتدي الزي المخصص لحماية الصحافيين وكان منخرطاً بشكل واضح في نشاط صحفي.”
وأردفت ميزون قائلة إن الشخص، وبحسب اتفاقية جنيف، كان سيخسر حقوق نيل الحماية كمواطن، وكصحافي على وجه الخصوص “لو أنه انخرط في أعمال عدائية خلال تلك الفترة، ولكن ليس هذا هو الحال.”
وقالت ريبيكا فنسنت مديرة الحملات لدى مراسلون بلا حدود إن القتل المتعمّد لمراسل الجزيرة هو أحد الأمثلة الصادمة لحالة الإفلات من العقاب التي نشهدها في الحرب بغزة، إذ أقرّت القوات الإسرائيلية باستهداف مباشر لصحافي – وهو ما يرقي إلى جريمة حرب – وتبرره باتهام بالإرهاب، دون دليل مشروع. ولم يتم الإقرار أو تقديم تبرير حتى لقتل المصوّر رامي الريفي مع الغول.
وأضافت أن هذا العمل الشائن يرفع عدد الصحافيين الذين قُتلوا في غزة، وبالتالي يقلل من عدد الصحافيين القادرين على استكمال عملهم وتغطية الحرب. وتتوجب المحاسبة على هذه الأفعال النكراء، ويتعيّن، دون تأخير، إيقاف المجزرة هذه التي لا تنتهي بحقّ الصحافيين.