صالون هدى.. مشاهد مرفوضة تثير حفيظة الجمهور افتراضيا

طرح سينمائي جريء لعالم الجوسسة والابتزاز والخيانة.
الثلاثاء 2022/03/15
إما الخيانة وإما الفضيحة

تتحفنا كتب التاريخ والأفلام السينمائية بقصص عن الجواسيس والخونة وعن الحيل الموظفة لاستدراج الأفراد سواء كانوا مشاهير أو من العامة وابتزازهم لخيانة أوطانهم، رغم ذلك صار طرح مثل هذه الوقائع وخاصة تلك المصحوبة بمشاهد مثيرة، أمرا يثير حفيظة الجمهور.

رام الله - لم تخفت أزمة فيلم "أميرة" للمخرج المصري محمد دياب حتى انشغل الشارع الفلسطيني بفيلم "صالون هدى" للمخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد، الذي أثار جدلا واسعا في الساحة بعد عرضه في مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة تحت شعار "نساء من أجل القيادة".

وتدور أحداث الفيلم في محل لتصفيف الشعر في بيت لحم، تمتلكه هدى، التي تعاني من أزمات شخصية، مثل هجران أولادها وزوجها لها، وشعورها بالوحشة، فتتحالف مع المخابرات الإسرائيلية ضد وطنها، وتقوم بتصوير النساء المتردّدات على صالونها الخاص بعد تخديرهن بأوضاع مخلّة. ثم تقوم بابتزازهنّ للعمل ضد وطنهنّ.

وتتردد أم شابة تدعى ريم على المحل بصورة دورية لتغيير قصة شعرها. فتقوم هدى بتصويرها في مواضع فاضحة، ثم تحاول ابتزازها لتجبرها على القيام بما ينافي مبادئها وانتماءها للوطن. ويتعين على الضحية أن تختار بين شرفها وخيانة بلدها، ثم تتصاعد الأحداث بخلافات ريم مع زوجها يوسف وعائلته التي لا تتفق معها أبدا، وتصدم عندما تصارح زوجها بحجم الكارثة، إذ يتخلى عنها، ويتركها تواجه مصيرا مجهولا.

فيلم "صالون هدى" -كما روّج له مخرجه- مأخوذ عن أحداث حقيقية ويتعمّق في مفاهيم الولاء والخيانة والحرية

والفيلم من بطولة علي سليمان ومنال عوض وميساء عبدالهادي، وهو من كتابة وإخراج هاني أبوأسعد.

وفيلم "صالون هدى" -كما روج له مخرجه منذ أشهر- مأخوذ عن أحداث حقيقية ويتعمّق في مفاهيم الولاء والخيانة والحرية، وكان هذا التعريف كافيا لتجنيب الفيلم الضجة الواسعة المثارة حوله، فالجوسسة والخيانة عالم قذر لا يُتوقع أن يُستدرج الناس إليه بطرق “شريفة” أو “محترمة” تلتزم بالأعراف والتقاليد والحلال والحرام.

وأثارت المشاهد الحميمية في الفيلم، غضب بعض الفلسطينيين، الذين رأوا أنه “مناف لتعاليم الدين الإسلامي، وتقاليد الشعب الفلسطيني المحافظ”، لكن هذا الفيلم لا يورد مشاهد حميمية مسقطة بل يوظفها لكشف عالم الجوسسة والابتزاز وخيانة الوطن، وكيفية توريط النساء في ذلك عبر الاستغلال والابتزاز، وهو ما لا يهتم له أحد في الواقع أو على الأقل يغض الجميع الطرف عنه ولا يجرؤون على فضحه والحديث عن كواليسه. وهم يتغافلون عنه “سينمائيا” ويركزون فقط في المحرمات العاطفية كحالهم مؤخرا في التعاطي مع أي منتج سينمائي أو درامي يتخذ الجرأة سلاحا في كشف حقائق من المجتمع.

ووصف بعض الغاضبين الفيلم بأنه “فيلم إباحي فلسطيني” واتهم آخرون المخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد بمحاولة ضرب النسيج المجتمعي والأخلاقي عبر تصويره مشاهد لا تصورها “السينما الغربية”، مطالبين بمحاسبة القائمين على الفيلم.

وأبوأسعد​ سيناريست ومخرج فلسطيني، من أشهر وأهم المخرجين المعاصرين، تضم قائمة أعماله أفلاما حقّقت نجاحا دوليا استثنائيا، حيث رشّح فيلم "الجنة الآن" (2005) لجائزة أوسكار​ أفضل فيلم أجنبي وفاز في العام ذاته بالغولدن غلوب، كما رشّح فيلم "عمر" (2013) أيضا للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، وفي 2017 أخرج أول أفلامه في ​هوليوود​ وهو "الجبل بيننا" من بطولة النجمة كيت ونسليت وإدريس ألبا، ويُعد فيلم "صالون هدى" أحدث أعماله.

وكان أبوأسعد قال عن الفيلم “نادرا ما أجد قصة مستوحاة من أحداث حقيقية تحتوي على تناقضات مُسلية بصورة طبيعية، كقنبلة موقوتة، تضمن خلق حالة من التوتر، ويمكنك أيضا التورّط معها عاطفيا، إذ تتعاطف بوضوح مع البطلة”.

وأضاف “صالون هدى فيلم تملؤه التناقضات التي تتشابك معا بطريقة دقيقة، ثم تبدأ في التوافق مثل التروس الرئيسية داخل الساعة، وفي النهاية تقوّي بعضها البعض خلال التحامها. على الرغم من وجود وظائف وأجندات مختلفة، إلاّ أنها جميعا تعمل لنفس الهدف، ألا وهو التشويق”.

ابتزاز لا حدود له
ابتزاز لا حدود له

ولم تقتصر حملة الاستنكار على الجمهور بل تعدته إلى الجهات الرسمية حيث شددت وزارة الثقافة الفلسطينية على أن فيلم “صالون هدى” لا يمثل فلسطين ويمس صورة الشعب الفلسطيني، مؤكدة أنها سبق ورفضت عرضه، باسم بلادها.

وقالت وزارة الثقافة، في بيان “من المؤكد أن المشاهد التي احتواها الفيلم تمس صورة شعبنا، وتنافي قيمه وأخلاقه وتمس صورة السينما الفلسطينية”.

وأشارت إلى أن لجنة شكلتها سابقا “رفضت الفيلم، ولم تسمح له بأن يمثل دولة فلسطين في مسابقة الأوسكار الدولية”.

وأوضحت الوزارة أن فريق الفيلم قدم في أغسطس 2021 نسخة “تخلو من المشاهد المخلة بالأخلاق للجنة، إلاّ أنها أشارت إلى ضعف في بنية الفيلم وعدم مقدرته على تقديم صورة المقاومة والعملاء والعلاقة مع الاحتلال، حيث اتسمت معالجة هذه القضايا بالسطحية والضعف”.

وسبق أن عرض الفيلم في مهرجانات سينمائية مثل مهرجان تورنتو السينمائي الدولي بكندا في دورته السادسة والأربعين، إلا أنه لم يثر جدلا ولم توجه إليه الانتقادات الحادة إلا بعد عرضه في لبنان.

واستنكرت مؤسسات فلسطينية بينها رابطة الفنانين الفلسطينيين (غير حكومية) والاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، الفيلم وطالبت الجهات القانونية المختصة بوقف نشره ومنعه من العرض نهائيا، ومحاسبة كافة العاملين في إنتاجه وإخراجه والتمثيل فيه ومساءلتهم قانونيا. كما انتفضت نقابة أصحاب الصالونات ضد الفيلم معتبرة أنه يقدم صورة سيئة عن هذا القطاع المهني.

وتعدّ دراما الجوسسة، أحد أكثر الأعمال الفنية التي لاقت على مدى العقود الماضية انتشارا واسعا، خاصة أنها تعتمد بشكل كبير على عنصر التشويق، بتناولها قصصا معظمها مستوحى من الواقع لعملاء سقطوا في فخ الجاسوسية بعد تورطهم في أعمال تضر بمصالح أوطانهم.

وقدمت العديد من الأعمال الفنية وخاصة السينمائية شخصية العميل الخائن لبلده، الذي يتعاون مع جهات معينة تعادي وطنه بغرض تحقيق مكاسب بعينها. ولم تثر تلك الأعمال في أغلبها ما أثاره فيلم “صالون هدى” من انتقادات.

وتحيل الانتقادات الشديدة لفيلم أبوأسعد والأصوات المتعالية مؤخرا كلما ظهر فيلم مقتبس من الواقع اليومي المعيش، إلى أسئلة كثيرة، من بينها متى تتصالح الشعوب بصفة عامة والفلسطينيون خصوصا مع الأعمال السينمائية المستوحاة من تفاصيل وقصص حقيقة؟ هل يعقل ألا يثور الإنسان ضد هذه الممارسات في الواقع ويستنكرها إذا ما جسدت في أفلام ومسرحيات وأعمال فنية؟

كل هذه الأسئلة وأكثر، تحيلنا إلى أن فيلم “صالون هدى” فيلم يخلخل المفاهيم ويكشف التناقض في بعض العقول لأنه يتطرق إلى موضوع غاية في الحساسية لكنه موضوع واقعي يعيشه ويتعايش معه الفلسطينيون منذ عقود وبإمكان أي شعب آخر أن يعيش قصصا مشابهة منه، فلا بلد يخلو من المخابرات ولا تاريخ يخلو من عمليات الجوسسة والابتزاز وخونة الأوطان.

15