صائدو الصفقات يزنون مخاطر الانكشاف على الأصول الروسية

موسكو - يتوقع مديرو الصناديق الكبار بقاء الجزء الأكبر من الأصول الروسية مغلقة أمام المستثمرين الغربيين، على الرغم من موجة من الصفقات “الغريبة” التي تراهن على التقارب بين موسكو وواشنطن.
وأدى التحسن الدبلوماسي، الذي أعقبه انفتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفترض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى تزايد الرهانات على الأصول المالية المرتبطة بروسيا، بما في ذلك الروبل، وعملة التنغي الكازاخستانية وهي عملة بديلة عن الروبل، وسندات شركتي الطاقة الروسيتين غازبروم ولوك أويل.
ولكن بدلاً من عودة تدفق الذهب إلى روسيا، المعزولة عن النظام المالي العالمي منذ غزوها أوكرانيا عام 2022، يتوقع المستثمرون المخضرمون انفصالاً طويل الأمد لأجزاء رئيسية من الاقتصاد الروسي عن المستثمرين الأجانب.
وقال غونتر دوبر، رئيس قسم الأبحاث في بنك رايفايزن الدولي النمساوي، أحد البنوك الغربية القليلة التي لا تزال تعمل في روسيا، لرويترز “قد نشهد بعض عمليات مبادلة الأصول.”
وأضاف “لا يزال هناك الكثير من أصول روسيا في الغرب، وأصول الغرب في روسيا. وأعتقد أن مبادلات الأصول أصبحت الآن وسيلة جيدة لتقليل المخاطر على كلا الجانبين.”
وفي الأسبوع الماضي أصدر بوتين مرسومًا يسمح لصندوق التحوط الأميركي 683 كابيتال بارتنرز بشراء أوراق مالية في شركات روسية من بعض الجهات الأجنبية المعنية. إلا أن المرسوم سمح أيضًا ببيعها مستقبلًا لصندوقين روسيين، ما بدد الآمال في أن يشير هذا إلى إعادة فتح وشيكة.
ومع ذلك أفاد المستثمرون بوجود استفسارات متزايدة من الوسطاء الذين يتعاملون بالأصول المرتبطة بروسيا.
ومن بين العملات المفضلة الروبل عبر العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، وهي مشتقات يتم تداولها وتسويتها بالدولار، ما يحمي المستثمرين من تعقيدات العقوبات رغم أن قيمتها، مثل الروبل، مرتبطة بالاقتصاد الروسي.
ويعد الروبل الأفضل أداءً بين العملات الناشئة هذا العام، حيث ارتفع بنحو 30 في المئة مقابل الدولار.
وأظهرت بيانات من بنك يو.بي.أس السويسري أن صناديق التحوط التي تراهن على اتجاهات السوق احتفظت بما قيمته 8.7 مليار دولار من العقود الآجلة غير القابلة للتسليم بالروبل في أوائل مارس، وهو ثاني أكبر مركز شراء بين العملات الرئيسية، ما يشير إلى أن الصناديق تتوقع ارتفاع قيمة العملة.
وتتيح هذه الرهانات للمتداولين جني الأرباح في حال ارتفاع أسواق روسيا في ظل التقارب بين ترامب وبوتين.
وقال أنطون هاوزر، كبير مديري الصناديق في شركة إيرستي لإدارة الأصول، “يمكن للمستثمرين بالتأكيد محاولة الاستفادة من رفع العقوبات دون التعرض المباشر،” واصفًا تداول سندات الدين الوطنية بأنه “متخصص للغاية.”
لكن في الوقت الحالي ولسنوات قادمة، كما يتوقع هاوزر، من غير المرجح أن تشارك إيرستي، رغم حيازتها بعض سندات العملة الروسية المحلية المجمدة بسبب العقوبات. وقال “الأمر غريب جدا في الوقت الحالي.”
ويقدر المحللون متوسط حجم التداول اليومي لسندات الدين الوطنية بالروبل بما يتراوح بين 25 و40 مليون دولار، وهو جزء ضئيل من اثنين إلى 2.5 مليار دولار التي كانت تُتداول يوميًا قبل الحرب.
ويعتقد المستثمرون أن الاهتمام قد ارتفع أيضًا بشكل حاد بسندات الشركات بالعملة الصعبة التي لا تزال قابلة للتداول والتي تصدرها شركات روسية مثل غازبروم ولوك أويل وشركة الأسمدة فوساغرو. لكن ضعف السيولة يعني أن المشترين يطلبون تخفيضا.
وقال سيرجي ديرغاتشيف، مدير المحافظ في صندوق يونيون للاستثمار الخاص، “لا يزالون يدفعون لك قسائم، لكن قابلية التداول ضعيفة للغاية.”
وكانت ديون العملات الصعبة الصادرة عن الشركات الروسية ركيزة أساسية في الأسواق الناشئة، إذ شكلت الديون القائمة، والتي بلغت قيمتها نحو 100 مليار دولار، 4 في المئة من المؤشرات في عام 2022، واستحوذ المستثمرون الدوليون على ما يقرب من خُمسها، وفقًا لحسابات جي.بي مورغان آنذاك.
كما تعززت صفقات الوكالة منذ عودة ترامب، بما في ذلك السندات السيادية وعملات أوزبكستان وكازاخستان، الدولتان المجاورتان لروسيا اللتان تربطهما علاقات اقتصادية وثيقة.
ويقول المستثمرون إن الوسطاء في دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى الأسواق المحلية الروسية، والتي يعتبرها الكرملين “صديقة”، قد زادوا من عروض الصفقات المتعلقة بروسيا.
وذكر سماسرة أن المستثمرين، بمن فيهم مديرو الأصول المتعثرة الأميركية والأوروبية، أكثر اهتمامًا بالاستثمار في سندات أو.أف.زد الروسية المقومة بالروبل والتي لا تزال خاضعة للعقوبات.
ويأتي ذلك رغم أن العقوبات المفروضة على مستودع التسويات الوطني الروسي وبورصة موسكو تعني استحالة الملكية المباشرة.
الروبل من بين العملات المفضلة عبر العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، وهي مشتقات يتم تداولها وتسويتها بالدولار
وصرح أرارات مكرتشيان، الرئيس التنفيذي لشركة الوساطة الأرمنية سيريوس كابيتال، بأن عوائد تبلغ نحو 15 في المئة كافية لإثارة الاهتمام بالسندات الحكومية المحلية رغم الخسائر الفادحة التي تكبدها العديد من المستثمرين الأجانب عند بدء سريان العقوبات.
وقال “بشكل عام، هناك رغبة من رأس المال الأجنبي في العودة لأن هذه أصول مالية منخفضة القيمة للغاية ولكنها عالية الجودة -هذا إذا تجاهلنا السياسة.”
وقد تُعقّد الفجوة المتزايدة بين نهج أوروبا تجاه روسيا ونهج الولايات المتحدة في عهد ترامب الآمال في تداول الأصول الخاضعة للعقوبات، مثل سندات الحكومة الروسية، بشكل أكثر نشاطًا.
وقال بيتر أتاناسوف، الرئيس المشارك لأبحاث السندات السيادية في شركة غرامرسي لإدارة الصناديق، إن “الود الذي نراه على أعلى المستويات بين واشنطن وموسكو لا وجود له بين معظم القادة الأوروبيين والكرملين.”
وفي حين أجرى ترامب محادثات مباشرة مع بوتين، تُجري أوروبا الآن أكبر حملة إنفاق دفاعي لها منذ الحرب العالمية الثانية، وضاعفت العقوبات.
ومن أكبر العقبات القانون الروسي: ففي خضمّ هجمة العقوبات، أصدرت موسكو قوانين تُقيّد ملكية الأصول وتداولها من قِبل أطراف في دول “غير صديقة”.
وقال بافيل ماماي، من شركة بروميريتوم لإدارة الاستثمارات، إن هذا المزيج قد غيّر الاقتصاد الروسي، مع دور أكبر بكثير للدولة، ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات واضحة على استعداد موسكو للانفتاح مجددًا.
وأضاف “لا أعتقد أن السوق الروسية والسوق الدولية سوف تندمجان مرة أخرى في المستقبل القريب.”