شُح الدولار يُقوض خطط القاهرة لتوطين الصناعة

خطة لجذب الاستثمارات والنهوض بالمشروعات وتفعيل قانون المنتج المحلي.
السبت 2022/08/13
هذا ما يمكن أن نوفره لكم

أدى تفاقم نقص الدولار في مصر مؤخرا لتقويض برنامج الحكومة الساعي لتوطين بعض الصناعات المحلية، من خلال الاعتماد على المكونات المنتجة محليا في تنفيذ المشاريع القائمة بعد إعلان مصانع عدم قدرتها على مواصلة العمل في ظل عثرات توريد المواد الخام.

القاهرة - تسعى الحكومة المصرية للنهوض بالصناعة عبر استخدام المنتج المحلي في مشروعاتها القومية، لكن شُح الدولار يقف عائقا لصعوبة استيراد خطوط الإنتاج وبعض الخامات.

وأعلن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي ضرورة الاعتماد على المكونات المحلية، قدر المستطاع، في تنفيذ مشروعات الدولة خاصة المتعلقة بمبادرة تنمية الريف المصري المعروفة بـ”حياة كريمة”، نظرا لتأثر سلاسل الإمداد العالمية.

وتظل ندرة الدولار حائلا أمام النهوض بالصناعة، وتحولت إلى أزمة تؤرق السلطات، ويؤكد ذلك إعلان البنك المركزي تراجع احتياطي النقد الأجنبي بقيمة 233 مليون دولار في يوليو الماضي ليصل إلى 33.1 مليار دولار، بعد أن  قارب على الخمسين مليار دولار.

بهاء العادلي: المصانع لا يمكنها الإنتاج بانتظام لعدم وفرة الخامات

وخسر المركزي ما يقرب من 7.5 مليار دولار من احتياطاته بمعدل يقترب من 18 في المئة خلال عام، تزامنا مع تداعيات أزمة أوكرانيا، وتلك القيمة لا تكفي لسداد الديون حتى بدايات العام المقبل حال الحاجة إليها.

وقال بهاء العادلي رئيس جمعية مستثمري بدر إن “عدم توافر مدخلات الإنتاج يعطل المصانع عن العمل لعدم القدرة على الاستيراد من الخارج، إذ لا يتوفر الدولار اللازم لشراء المكون المستخدم في الصناعة”.

وأوضح لـ”العرب” أنه ليس بالإمكان الاعتماد على المنتج المحلي في الصناعة، لأن مكونات الإنتاج التي توفرها المصانع الصغيرة تشتمل على أجزاء مستوردة لإتمام إنتاجها.

وأشار العادلي إلى أنه لا توجد مستلزمات إنتاج محلية بالكامل، وهذا حال الكثير من دول العالم، وفي مصر بدأ الحد الأدنى من الإمكانات المحلية يتناقص.

وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي في مايو الماضي استثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من إجراءات عملية الاستيراد، وذلك بالعودة إلى النظام القديم عبر مستندات التحصيل من دون تطبيق الاعتمادات المستندية.

وجاء القرار ضمن حوكمة عملية الاستيراد وشح العملات الأجنبية وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات وبدأ تطبيقها إلزاميا في الأول من مارس الماضي.

مجدالدين المنزلاوي: تعميق الصناعات المغذية سوف يحل الأزمة الراهنة

وأوضح العادلي لـ”العرب” أن المصانع لا تستطيع استيراد الخامات، لأن البنوك لا تتمكن من توفير العملة اللازمة.

وأكد أنه رغم استثناء مستلزمات الإنتاج من الالتزام بالاعتمادات المستندية لكن حال استيراد الخامات تظل محبوسة في الموانئ لعدم سداد قيمتها وهو أكثر ضررا فالمستثمر يتكبد غرامات تأخير ورسوم تخزين.

وتعمل الحكومة على توفير العملة الصعبة للمصانع ومدخلات الإنتاج، لاستقرار العمل، فاضطراب سلاسل الإمداد قد يطول في ظل عدم استبعاد ظهور المستجدات التي تطرأ على الساحة العالمية، والتحدي الكبير يكمن في قدرة الدول على الإنتاج ومواكبة الظروف المتقلبة.

وأكد مجدالدين المنزلاوي رئيس لجنة الصناعة والبحث العلمي بجمعية رجال الأعمال المصريين أن توطين الصناعة المحلية يتطلب زيادة المكون والمدخلات المحلية في الصناعة.

وقال لـ”العرب” إن “هذا لن يتحقق إلا بتطوير المشروعات الصغيرة والمغذية، وتفعيل ذلك يحتاج لجذب الاستثمارات الأجنبية وضخ جزء منها في الصناعات المغذية”.

وطالب المنزلاوي الحكومة بتوفير بيئة استثمارية ملائمة للأجانب من ناحية إتاحة الأراضي والمصانع والتغلب على البيروقراطية، وتفعيل قانون تفضيل المنتج المحلي ليضمن المستثمر أن ما ينتجه يباع في السوق مباشرة.

عبدالله الغزالي: تراجع الطاقة الإنتاجية للشركات بسبب صعوبة الاستيراد

ورغم مساعي منح أولوية للمنتج المحلي منذ وضع القانون رقم 5 لسنة 2015 بشأن تفضيل المنتج المحلي في العقود الحكومية، غير أن هناك العديد من المؤسسات والهيئات التي تتعنت في تنفيذه لعدم ثقتها في المنتج المصري.

ونصح بعض الخبراء للتغلب على أزمة الدولار الحكومة بضرورة توفير البديل المحلي للمنتج الأجنبي الذي بحاجة لسيولة دولارية كبيرة لاستيراده من الخارج، وهذا يستوجب رعاية الشركات الكبيرة للمنشآت الصغيرة التي تمدها بمدخلات الإنتاج.

وأشار عبدالله الغزالي نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين إلى أن أزمة الدولار تُربك المصنعين، إذ تواجه شركات مختلفة بقطاعات الجلود والصناعات الهندسية والغذائية عقبات للحصول على الخامات.

ولفت لـ”العرب” إلى وجود مصانع تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية وأخرى بطاقة أقل من 50 في المئة، ما يترتب عليه توقف العمالة وعدم زيادة الرواتب وطول طابور البطالة.

ورأى الغزالي أن حل تلك الأزمة يكمن في جذب الاستثمار في الصناعة والزراعة وليس في القطاعات الاستهلاكية التي يرغب أصحابها في تحقيق الأرباح بلا أثر اقتصادي إيجابي.

وأحد البدائل الناجزة أمام الحكومة حاليا، هو جذب رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة، لأن من شأنها توفير السيولة وزيادة الاحتياطي النقدي واستقرار سعر الصرف، وهو ما تسعى له الحكومة ببيع أصول أو جزء من ملكيتها في الشركات إلى مستثمرين خليجيين.

واستحوذت الشركة السعودية المصرية للاستثمار المملوكة بالكامل للصندوق السيادي السعودي الأربعاء الماضي على حصص أقلية مملوكة للدولة في أربع شركات مصرية مدرجة بالبورصة المصرية بقيمة 1.3 مليار دولار.

وتضمن هذه الكيانات كلا من أبوقير للأسمدة والصناعات الكيمياوية، ومصر لإنتاج الأسمدة، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وإي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية.

ويتم توجيه السيولة المتدفقة من بيع الأصول إلى سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية اللازمة لشراء المنتجات الأساسية من الغذاء والطاقة والدواء، ثم يوجه الفائض إلى شراء مستلزمات الصناعة وتوفير خطوط الإنتاج للمصانع المحلية.

وحال نجاح الحكومة في بيع ما تستهدفه من أصول بنحو 40 مليار دولار لمستثمرين محليين وأجانب وفقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة يمكن أن تُحل الأزمة المتفاقمة.

ورغم الانتقادات الموجهة للسلطات واتهامها بالتفريط في أصول الدولة، إلا أن ذلك هو البديل الأمثل للاقتراض الذي تترتب عليه معاناة الدول والشعوب وزيادة عدد المنضمين إلى صفوف الفقراء، حال الاستمرار في الاستدانة من صندوق النقد الدولي.

وبدأ سيناريو بيع الحكومة لحصصها في بعض الشركات عندما استحوذت أي.دي.كيو القابضة، أحد الصناديق السيادية لحكومة أبوظبي، على حصص في 5 شركات مصرية في صفقة قيمتها نحو 1.9 مليار دولار في أبريل الماضي.

ومع كل ما يتردد حول ما تقوم به الحكومة من بيع الأصول بأقل من قيمتها الحقيقية، إلا أنها تمثل نسبة لا تصل إلى 30 في المئة.

ولا توجد بدائل أخرى لتدفق العملة الأجنبية، فشراء الأجانب لتلك الحصص والعمل على زيادة الإنتاج لتحقيق الأرباح يرفع من قيمة نسب الملكية المتبقية لدى الحكومة، ومن ثم ارتفاع قيم الأصول الحكومية بشكل عام خلال الفترة المقبلة.

10