شيطان رفع العقوبات عن إيران يكمن في التفاصيل

عدم تمديد طهران للمفتشين الأمميين فترة مراقبة المواقع النووية والتسليحية يطيل مسار المفاوضات.
الجمعة 2021/05/21
فك شفرة المفاوضات جولة بجولة

تتضارب التكهنات حول المسار الذي سيسلكه إيقاع رفع العقوبات الغربية عن إيران عقب إعلانها أن أطراف المفاوضات النووية وافقت على شطب الجزء الرئيسي منها، رغم إقرارها بأن إتمام ذلك يتعلق بحل العديد من الجزئيات التي يراها محللون متعلقة بمعالجة القلق بشأن إمكانية امتلاكها أسلحة نووية وصواريخ باليستية ومدى التزامها بشروط الاتفاق الجديد.

طهران - أعلنت إيران الخميس أنها توصلت مع القوى العالمية أثناء المفاوضات النووية في فيينا إلى اتفاق أولي يسمح بإلغاء العقوبة الاقتصادية الرئيسية المفروضة عليها، لكنها اعترفت بأن هناك بعض التفاصيل العالقة يجب حلها قبل إتمام الخطوة.

وسرعان ما انهمك المراقبون في قراءة السيناريوهات المحتملة، التي يمكن أن تسلكها رحلة رفع العقوبات، إذا ما أدى ذلك إلى التوصل إلى اتفاق نهائي، والذي يبدو مرتبطا بشكل كبير ليس مع القوى الكبرى المشاركة في المفاوضات، بل بأطراف أخرى خارج هذه الدائرة وفي مقدمتهم إسرائيل.

ونسبت وكالة “تسنيم” الإيرانية إلى الرئيس حسن روحاني قوله أثناء تدشين مشاريع لوزارة النفط “إنهم في فيينا يتفاوضون وموافقون على أنهم سيلغون جميع العقوبات الرئيسية… الحديث الآن عن القضايا الجزئية والتفصيلية”.

وأوضح “لقد وافقوا على إلغاء العقوبات المفروضة على النفط والبتروكيمياويات والشحن والتأمين والبنك المركزي… لقد اتخذنا الخطوة الرئيسية والكبيرة وتم الاتفاق الرئيسي”.

وكانت مصادر غربية قد أشارت الأربعاء الماضي إلى أن إيران والولايات المتحدة اقتربتا من التوصل إلى صيغة نهائية من أجل إحياء الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية والذي يرجع لعام 2015.

ويبدو من السابق لأوانه الحديث بأن أطراف التفاوض قد توصلت إلى حل نهائي لهذه الأزمة. ويرى البعض في تصريحات روحاني أنها مجرد بالون اختبار موجه للإيرانيين الذين يعانون من مشكلات كثيرة بسبب العقوبات الغربية التي أنهكتهم.

حسن روحاني: لقد اتخذنا الخطوة الكبيرة وتم الاتفاق الرئيسي

وتأتي تصريحات روحاني قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، وقد يعطي إحياء الاتفاق النووي دفعة للمرشحين المعتدلين المقربين منه.

وفي دليل على أن تسوية الصفقة لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت، ما جاء على لسان كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي حين قال الأربعاء إن “هناك حاجة للمزيد من النقاش بشأن بعض القضايا الهامة”.

وعلى جانب آخر خالف مسؤول إيراني كبير الرئيس روحاني في الرأي، وقال لقناة “برس” المحلية، إن واشنطن ليس لديها أي نية “لرفع العقوبات كلية عن قطاعات النفط والمصارف والمالية والطاقة”.

وأضاف المسؤول، الذي لم تذكر القناة المقربة من الحرس الثوري اسمه إن “الولايات المتحدة تعتزم تعليق بعض العقوبات بشكل مؤقت على مدار فترة زمنية طويلة وبخطوات متعددة”.

وفعليا، ثمة ضغوط غربية ومن دول الشرق الأوسط وأولها إسرائيل على القوى الغربية المشاركة في المفاوضات من أجل تقييد إيران بشروط، بحيث لا يمكنها امتلاك أسلحة نووية أو مواصلة برنامجها لصناعة صواريخ باليستية.

ويقع على عاتق إدارة الرئيس الأميركي جو بادين الكثير من المسؤولية خلافا لما هو الحال مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، لأنها تسعى إلى إعادة طهران للاتفاق النووي وفق رؤيتها للأمر، وبالتالي المضي في نزع فتيل التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط.

وكان بايدن قد أعلن منذ توليه الرئاسة في يناير الماضي نيته العودة إلى الاتفاق النووي، ولاستمالة إيران يرى أنه لا بد من تخفيف الضغط المالي عليها.

لكن طهران تطالب أولا بأن ترفع واشنطن كل العقوبات قبل أن تعود هي إلى التزاماتها، بينما تشترط واشنطن أولا التزام طهران بكل بنود الاتفاق لرفع العقوبات عنها.

ويقول متابعون إن الاستراتيجية الأميركية الحالية تجاه الإيرانيين تقتصر فقط على إحياء الاتفاق النووي، الذي دخل مرحلة الإنعاش منذ انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018، ومن ثمة فإن لدى واشنطن أدوات ضغط كثيرة ومتنوعة من أجل إجبار طهران على توسيع نطاق الاتفاق ليشمل البرنامج الصاروخي الباليستي.

ودفع انسحاب ترامب من الاتفاق النووي إلى تخلي إيران على نحو مطرد عن القيود التي يفرضها الاتفاق على برنامجها النووي. وقد بدأت قبل أشهر تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة بعد أن كان عند 20 في المئة، وهو مستوى يقربها من القدرة على استخدامه لأغراض عسكرية.

استراتيجية إدارة بايدن تعتمد على سياسة المراحل التي تبدأ بإحياء الاتفاق النووي قبل جر طهران إلى دائرة شروطها

ويبدو أن واشنطن تعمل وفق سياسة المراحل حيث من المرجح أن تدرج من خلالها المطالب الإسرائيلية المتعلقة “بتقليم أظافر” إيران من الجانب التسليحي في الاتفاق الجديد في نهاية المطاف.

وما يغذي القلق التحذيرات الصادرة عن دبلوماسيين أوروبيين من أزمة خطيرة إذا لم توافق إيران بنهاية الأسبوع الجاري على تمديد اتفاق مدته ثلاثة أشهر توصلت إليه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير الماضي لمراقبة المواقع النووية ومواقع إنتاج الأسلحة.

وفي حال لم يتم تجديد الترتيب قبل تاريخ انتهاء الصلاحية فستكون إيران في وضع يمكنها من مسح جميع تسجيلات الفيديو للنشاط في مواقعها النووية، مما يترك المفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة في ورطة.

ومثل هذا التطور سيعني في الواقع انهيار آخر ما تبقى من الصفقة النووية وربما يعرقل استئناف المحادثات الأسبوع المقبل في فيينا، والتي كانت قد انطلقت مطلع الشهر الماضي.

وقال دبلوماسي أوروبي “من المهم أن تسمح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواصلة عملها الضروري في المراقبة والتحقق”.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخميس إنها لا تزال تجري محادثات مع إيران بشأن سبل المضي قدما في اتفاق بشأن مراقبة المواقع النووية مدته ثلاثة أشهر ينقضي أجله الجمعة، وأنها ستصدر تقريرا بهذا الشأن في غضون أيام.

وأعلنت الوكالة في فبراير الماضي أنه على الرغم من تقليص طهران تعاونها مع الوكالة بما يشمل إنهاء عمليات التفتيش “المفاجئة”، فإنهما أبرمتا اتفاقا بشأن مواصلة أنشطة المراقبة والتحقق “الضرورية”.

والاتفاق مهم لمواصلة المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن إعادة الاتفاق النووي إلى مساره. وقد نبه دبلوماسيون كبار من فرنسا وبريطانيا وألمانيا الأربعاء الماضي إلى أن إيجاد حل شامل أمر حاسم.

5